كتاب عربي 21

هل ينقذ الاحتلالُ الاستبداد؟

محمد هنيد
1300x600
1300x600

في تسارع ملحوظ تهرول العواصم العربية نحو التطبيع العلني المفضوح مع الكيان الصهيوني سواء عبر تبادل الزيارات أو عبر الوفود الرياضية أو عبر بعث المشاريع المشتركة أو حتى عبر الغزل الإعلامي والدبلوماسي الناعم. 

المشهد ليس جديدا لكن خصائصه هي الجديدة مثل سرعة البحث عن رضى المحتل الغاصب لأرض المسلمين أو التصريح الرسمي بالزيارات وتبريرها شعبيا. ليس المجال هنا لبحث الاستثناءات أو لقراءة الظاهرة من زاوية أيديولوجية عربية ثبت زيفها كنظرية الممانعة والمقاومة بل المبحث هنا هو التساؤل عن أسباب الهرولة في هذا التوقيت الحاسم بالذات. 

ننطلق في هذه القراءة السريعة من محصّلتين: تتمثل الأولى في ما خلقته ثورات الشعوب الأخيرة من واقع سياسي وجغرافي جديد تميز بالزلزال الكبير الذي ضرب النظام الرسمي العربي وهو اليوم لا يزال يترنح من هول الصدمة. أما المحصلة الثانية والتي لا تنفصل عن الأولى فإنما تتمثل في عجز النظام السياسي عن ترتيب ما بعد الانقلاب على مخرجات الثورات سواء في مصر أو في المنطقة الخليجية بشكل عام.
 
تداعيات الربيع

موضوعيا لا يمكن إنكار الأثر الكبير والجرح الغائر الذي أحدثه ربيع العرب في البناء السياسي والاجتماعي والحضاري عامة سواء على مستوى الممارسة والفعل بالنسبة للسلطة أو على المستوى الوعي والأفكار والقناعات الجديدة بالنسبة للشعوب والجماهير. 

لقد كان محرك الثورات والاحتجاجات الشعبية ممثلا أساسا في رفض القمع والظلم وطلب الحرية والعدالة والمساواة باعتبارها شروطا أساسية من شروط الوجود. لكن هذه المطالب الشرعية السلمية جوبهت بأقسى آليات القمع والتنكيل التي لا يزال صداها يتردد في المدن والقرى السورية وفي غير مكان من الأرض العربية مشرقا ومغربا. أي أن النظام الرسمي العربي قد استعمل نفس الأدوات التي ثارت ضدها الشعوب وطالبت بإلغائها وبشكل أعنف مؤكدا بذلك على أن القمع والاستبداد لا ينفصلان وأن شرط وجود النظام السياسي العربي نفسه مرتبط ارتباطا لا فكاك منه بأدوات التنكيل والتعذيب والقمع وسلب الحريات.

الانقلاب المصري

من جهة أخرى ساهمت الصهيونية في إجهاض الربيع العربي بشكل مباشر لكن دون ضجيج إعلامي كبير وذلك عبر لوبياتها المتمكنة من صانع القرار الأمريكي عندما أعطى الضوء الأخضر للانقلاب على الثورة المصرية وعلى الانتخابات التي جرت فيها. 

كان الانقلاب على الثورة المصرية ـ لا على الرئيس محمد مرسي أو على حركة الإخوان المسلمين كما يسعى الإعلام الانقلابي إلى إيهامنا به ـ منعرجا حاسما في مسار الثورات العربية وفي مسار تحرر الشعوب ككل. وهو الانقلاب الذي لعبت فيه الصهيونية دورا حاسما كما صرح أكثر من مسؤول رسمي بذلك في عديد المرات لأسباب تتعلق بالعمق المصري ودوره المحوري في الصراع العربي الصهيوني.

 

ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى التصريحات الرسمية العربية سواء من طرف نظام القذافي أو نظام الأسد خلال أوج الثورات العربية عندما كانوا يهددون الكيان المحتل بأن سقوطهم يسبق سقوطه هو أيضا.

هذا المشهد الذي تشكل عبر عمر الثورات لا يزال يتفاعل بشكل يزيد من توضيح حالة التماهي بين السلطة السياسية العربية والدولة الاحتلال. وهو مشهد يبلغ اليوم درجة عالية من الوضوح في تبيان حقيقة العلاقة الموضوعية التي تربط بين الطرفين. لقد تحولت دولة الاحتلال اليوم إلى مكوّن أساسي من منطقة المشرق العربي كما صرح بذلك وزير الخارجية العماني مؤخرا إثر زيارة رئيس الوزراء الصهيوني للسلطنة ولم تعد تشكل تهديدا وجوديا للدول العربية كما كانت سابقا. 

تحول الخطاب السياسي

لكن تحول الخطاب السياسي الرسمي من حالة العداء العلني ولو شكليا إلى حالة التماهي والغزل إنما تكشف جملة من القناعات الجديدة التي بدأت تحكم المنطق السياسي لأنظمة الحكم في كامل المنطقة المشرقية. 

أول هذه القناعات إنما تتمثل في وعي الحكومات العربية بخطورة التحركات الشعبية القاعدية القادرة على تغيير أنظمة الحكم أو تهديد وجودها أي أنها لم تعد سلطة آمنة من الداخل حتى بالوسائل القمعية الأشد دموية مثلما ثبت ذلك مع النظام الليبي أو مع النظام السوري. 

بناء عليه صار من الحتمي على هذه الأنظمة التي ترفض البحث عن شرعية شعبية حقيقية لا تقوم على القمع والاستبداد البحث عن شرعية خارجية تضمن لها البقاء في السلطة مدة أطول.
 
في هذا الإطار يتنزل التقارب السريع من الأنظمة العربية مع دولة الاحتلال التي أصبحت اليوم الرابح الأكبر من ثورات الربيع وهو أمر لا يخص الدول العربية الصغيرة بما فيها سلطنة عمان مثلا ولكنه يخص أساسا الدول العربية الكبيرة مثل المملكة العربية السعودية أو مصر مثلا. 

إن النظام الرسمي العربي ورغم ما يبدو عليه ظاهريا من وحدة الفعل والسلوك لا يمثل كلا متجانسا ولا يمكن تحليليا أن نصنف جميع مكوناته في بوتقة واحدة نظرا للفارق الكبير في الثقل الجغرافي والديمغرافي والوزن الدبلوماسي والسياسي عامة بين الأنظمة العربية.
 
لكن رغم كل هذه الهرولة وهذا التطبيع العلني فإن دولة الاحتلال لن تستطيع إلغاء الشعوب من معادلة الصراع ولن تستطيع الأنظمة أن تنجز ما عجزت عنه القوى الدولية في تغييب القضية الفلسطينية من الوجدان الشعبي العربي. 

إن التقارب الوثيق اليوم بين العدو الداخلي ممثلا بالأنظمة القمعية وبين العدو الخارجي ممثلا بالكيان المحتل إنما تمثل آخر مراحل صراع الشعوب العربية من أجل الحرية ومن أجل الكرامة وهي المرحلة التي يتحد فيها الأعداء داخليا وخارجيا أمام الكتلة الشعبية المقاوِمة.

التعليقات (1)
متفائل
السبت، 10-11-2018 05:53 م
الكيانالمحتل الغاصب ، يفهم كثيرا في اللعب من وراء قناع ، وقناع الصهيونية اليوم هو أهداف الإنجيليين الجدد الذين أرسلوا وفدا مهما إلى ولي العهد السعودي ، الذي بات أمرا واقعا لأسرة الحكم ، وقد تسترت حركتهم العالمية طويلا من وراء الشيوعية من أجل خلط الأوراق ، وهم من أمضى شهادة وفاتها عند آخر أنفاس القرن العشرين . المكر الصهيوني بفلسفته المنغلقة ، صار الرأس الأهم في حلبة الصراع ، من دون أن يتخلى عن فكرة القناع ، إنه يدرك اليوم من داخل مخابره المتقدمة في بحث مشكلات عالم اليوم ، أن أنظمة الاستبداد صارت مثقلة وملغمة ، فهو حذر جدا بخصوصها ، ومن دون شك سيجتهد في تخريجات من شأنها خلط أوراق المقاومة الشعبية على خط الأثر الذي تركته ثورات الشعب العربي ، لكن وجب التأكيد على أن فكرة التطبيع التي يتحدث بخصوصها اليوم ، إنما هي إدارة عملية الصراع من طرف واحد ، الحركة الصهيونية تجتهد يوما بيوم ، وساعة بساعة ، في تحضير المشهد العربي للتسليم بالمشهد الواقعي لدولة الكيان الغاصب مقابل كيان للفلسطينيين على أرض غزة ، مفتوحة على قطاع مغلق من أرض سيناء ، من دون القدس والضفة الغربية ، ليتم تسليم مفاتيح المعالجة لنظام العمالة داخل حدود مصر من أجل تطبيع مشهد الدولة الفلسطينية ، التي يراها الصهاينة شأنا أمنيا مصريا وعربيا محضا ، أما خرجة مسقط وما شابهها ، فهي من ذر الرماد في العيون .الوعي البديل في حدود إنسان الشعب هو الكفيل بتضييق الخناق على المنبطحين تحت أقدام الغزاة .