قضايا وآراء

الخليج العربي و السلام الإقليمي الإسرائيلي

1300x600
1300x600
الاختراق الإسرائيلي للمنظومة الإقليمية العربية وخصوصا الخليجية تعزز أمنيا واقتصاديا خلال السنوات الخمس الأخيرة، إذ أعلن أكثر من مرة عن علاقات تجارية تجمع عددا من الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي؛ كان آخرها صفقة أسلحة ومعدات إلكترونية كشفت عنها الصحافة الأمريكية بين المملكة العربية السعودية والكيان قدرت بـ 250 مليون دولار؛ في حين أشارت تقارير سنوات سابقة إلى وجود تعاون في مجال التسليح والمنظومات الإلكترونية قدرت أكثر من مرة بـ 200 مليون دولار، وكانت الإمارات في حينها تتصدر المشهد في العلاقات الاقتصادية.

قفزة نوعية

سلطنة عُمان تمثل قفزة نوعية خصوصا بعد زيارة نتنياهو للسلطنة تبعها الإعلان عن زيارة مرتقبة لوزير الاتصالات والاستخبارات الإسرائيلي لمسقط للمشاركة في المؤتمر الدولي للمواصلات؛ وفي ذات الوقت أعلن عن نية نتنياهو زيارة مملكة البحرين في وقت لاحق، ما يعني أن الاندفاعة الإسرائيلية تتمتع بزخم كبير سياسي واقتصادي؛ تغذيه الصراعات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي والحرب المستعرة في اليمن والأزمات المتفجرة والتي كان آخرها أزمة خاشقجي.

سكك السلام الإقليمي

 توجه وزير المواصلات والإستخبارات في الكيان الاسرائيلي "يسرائيل كاتس" إلى سلطنة عُمان يوم الثلاثاء 6 تشرين الثاني / نوفمبر الجاري معزّزا برغبة صهيونية لعرض مبادرة لربط دول الخليج بالكيان الاسرائيلي فيما سمي بمشروع "سكك السلام الإقليمي" وتفعيل مفهوم السلام الإقليمي والناتو العربي الإسرائيلي بشكل يستبق التراجع مكانة الإدارة الأمريكية في أعقاب تفاقم أزمة خاشقجي وخسارة حزبه في مجلس النواب الأمريكي؛ فالتطبيع تسارع على وقع الأزمات وضعف الإدارة الأمريكية التي يلعب فيها صهر الرئيس جاريد كوشنر دورا مهما ليتخذ طابع الهيمنة والربط الاقليمي لفرض السلام والهيمنة الاسرائيلية على المنطقة .

مشروع يهدف إلى تحقيق اختراق جيوسياسي يربط الكيان الإسرائيلي ودول الخليج عبر الأردن بالبحر الأبيض المتوسط بخط سكة حديد؛ ويعزز الوزن الجيوسياسي للكيان الإسرائيلي؛ الذي يواجه مزيد من التحديات الداخلية والإقليمية مفسرا تسارع الخطوات نحو التطبيع والربط الإقليمي.

 كيان يسعى لفرض هيمنته ولعب دور قيادي على المنطقة الواقعة بين الخليج العربي وشرق المتوسط،  إذ تعاظم التعاون بين الكيان وقبرص الرومية واليونان ودول أوروبا الشرقية؛ بالإعلان عن إنشاء خط أنابيب لنقل الغاز المسروق من المياه الإقليمية الفلسطينية إلى القارة الأوروبية مهددا المصالح الحيوية لتركيا وروسيا وإيران وأذربيجان أيضا.

الاندفاعة الخليجية نحو الكيان الإسرائيلي تحركها مخاوف الأنظمة الخليجية تجاه تركيا وإيران متجاوزة بذلك مصالحها الاستراتيجية لصالح خطوات تكتيكية تزيد من فرص تقويض الاستقرار الإقليمي؛  مشاريع تلقي بظلالها على المنطقة العربية مفاقمة من أزمته الداخلية باستبدال العلاقات مع القوى الإقليمية الإسلامية بالكيان الإسرائيلي التوسعي؛ فرصة يسعى الكيان إلى استثمارها وتضغط الدول الخليجية على الأردن وعدد من الدول العربية للانضمام لهذه المنظومة الإقليمية الخطرة تارة؛ وتارة أخرى تسعى إلى تقديم المغريات والقيام بوساطات تفتح المجال لهذه المشاريع المشبوهة .

 زيارة يوسف بن علوي وزير الخارجية العماني للأراضي الفلسطينية والأردن أوحت بجهود عُمانية للترويج لهذه التوجهات والمشاريع التي تثير قلق الفلسطينيين والأردنيين إذ ترافقت مع زيارة كاتس لمسقط وعرضه مشروعه الطموح؛ فالعائق الحقيقي أمام هذه المشاريع يبدأ من الأردن وفلسطين إذ تعتبر عقدة الاتصال ومحوره السياسي.

فرصة نجاح المشروع الإسرائيلي لفرض السلام والهيمنة الصهيونية ارتفع منسوبها إلا أنها ما زالت تواجه بالعديد من التحديات القادمة من تركيا وإيران ومن الداخل العربي الذي يتحرك على وقع الأزمات المتراكمة في الخليج العربي؛ كأزمة حصار قطر وأزمة خاشقجي والحرب في اليمن؛ في حين يلعب الفلسطينيون دورا مهما في تسخين الأجواء السياسية والأمنية بين الحين والآخر بشكل يهدد بانهيار المشروع الصهيوني الذي يقف على حافة الهاوية بفعل التطورات الداخلية في فلسطين المحتلة؛ ويبرز التحدي الأكبر في الاستقطاب والإنقسام الكبير في الساحة الأمريكية والصعود النسبي للدور التركي في المنطقة.

مشاريع مناهضة لإيران وتركيا

المشاريع الإسرائيلية من الممكن أن تقدم مخرجا أو ورقة تلوح بها بعض الدول الخليجية في مواجهة تركيا وإيران إلا أنها ورقة هشّة تعزّز النفوذ الإسرائيلي وتدعم بشكل أساسي حكومة نتنياهو المأزومة ؛ لكنها  تقوض الاستقرار في الإقليم العربي؛ فالكيان الإسرائيلي يمثل تهديدا جيوسياسيا كبيرا إذ سيتحول إلى قوة إقليمية مهيمنة في المنطقة العربية والخليج العربي وبدون مقاومة تذكر من دول الخليج التي فتحت له الأبواب والنوافذ في حين أغلقتها في وجه تركيا وإيران؛ متجاهلة بذلك مصالحها الحيوية والاستراتيجية التي تتناقض مع المشروع الصهيوني الذي يسعى للتحكم بمصير المنطقة ومستقبلها وهويتها السياسية والحضارية ومتجاهلة للعقبات التي ستقف حائلا أمام هذا المشروع الانتهازي الهش والتي ستقوض في مجملها الاستقرار في الإقليم وتفاقم أزماته.

 ختاما الأزمة المتخلقة عن الإندفاع الصهيوني سترفع الكلف على الفلسطينيين وتضعهم أمام مفترق طرق في حين يقف الأردن حائرا بين الضغوط العربية والمغريات الاقتصادية، ما يجعل من هذه المشاريع محور التجاذب الإقليمي والتصارع خلال الأشهر أو السنوات القليلة المقبلة؛ منذرا بتفجر المزيد من الأزمات والصراعات البينية في العالم العربي والإقليم؛ ليبتعد أكثر فأكثر عن إمكانية تحقيق الاستقرار والتفاهم مع جيرانه التاريخيين إيران وتركيا؛ ومنذرا بحقبة جديدة من تراجع اللايقين والاستقرار على وقع التطورات الحاصلة في المنظومة الدولية والإقليمية والساحة الأمريكية الداخلية.
التعليقات (0)