قضايا وآراء

محفزات إعادة التموضع الاقتصادي بين عمّان وبغداد

1300x600
1300x600

تميزت العلاقات الأردنية ـ العراقية بالفتور وسرعة التقلب خلال الأعوام الأربعة الفائتة؛ ففي العام 2014 خرجت تظاهرات في مدينة ميسان العراقية والبصرة طالبت بطرد السفير الأردني بحجة استضافة عمّان لمؤتمر ضم قوى من المعارضة العراقية وشيوخ العشائر؛ غير أنه وفي ذات الفترة أبدت عمّان تعاونا كبيرا مع حكومة المركز في بغداد لمواجهة تنظيم داعش وتحملت أعباء كبيرة ناجمة عن اقتراب التنظيم من الحدود الأردنية وسيطرته المؤقتة على معبر طريبيل العراقي الذي بقي معطلا بالكامل إلى أن اعيد فتحة في حزيران/يونيو من العام 2017؛ ترافق مع انفتاح سياسي على القوى السياسية العراقية الممثلة في البرلمان العراقي وموقف إيجابي من وحدة العراق بعيد الإستفتاء على دستور كردستان.

تحولات وتداعيات

لم يقتصر التقلب على الجوانب السياسية والأمنية التي حملت المملكة الأردنية أعباء كبيرة؛ بل امتدت نحو الجوانب الإقتصادية المرتبطة بإغلاق المعابر وتعطل الحركة التجارية المارة بمحافظة الأنبار وأربيل في كردستان العراق وتعطل المشاريع الكبرى بين البلدين ومنها أنبوب نفط البصرة ـ العقبة.

تضاعفت الخسائر الأردنية وتراجعت التجارة إلى مستويات غير مسبوقة لم تشهدها حتى في ذروة الإحتلال الأمريكي للعراق؛ فرغم تراجع التبادل التجاري الأردني ـ العراقي عن أعلى مستوى بلغه في العام 2000 والمقدر بأكثر من 4.5 مليار دولار إلى ما يقارب الـ 2 مليار دولار؛ إلا أنه لم يسجل له أن وصل إلى المستويات المتدنية التي شهدها بعيد اندلاع المواجهات مع تنظيم الدولة داعش في العام 2014.

 

تضاعفت الخسائر الأردنية وتراجعت التجارة إلى مستويات غير مسبوقة لم تشهدها حتى في ذروة الإحتلال الأمريكي للعراق؛

فالتراجع انعكس بقوة على الكثير من القطاعات التجارية والصناعية مسجلا أدنى مستوى له حتى بعيد فتح معبر طريبيل الحيوي؛ إذ قُدّر حجم التبادل التجاري بـ 280 مليون دولار؛ حقيقة كشف عنها رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز في لقاء ضم عددا من محرري الصحف الأردنية والكتاب يوم 15 تشرين ثاني/نوفمبر الحالي؛ وهو اليوم ذاته الذي استقبلت فيه العاصمة الأردنية عمّان رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح.

العراق يمثل سوقا كبيرة وأحد محركات الإقتصاد الأردني ومحفزات النمو؛ إذ تقدر بعض المصادر حجم السوق العراقية بخمسين مليار دولار يتوقع أن تشهد نموا مضطردا خلال الأشهر والسنوات القليلة المقبلة خصوصا إذا التزمت الدول المهتمة بتنفيذ تعهدات في مؤتمر إعادة إعمار العراق المعقود في الكويت شباط/ فبراير من العام الحالي 2018؛ فالقروض والمنح والمشاريع والصادرات المعلن عنها في المؤتمر قدرت بـ 7.5 مليار دولار؛ رافعة بذلك من مستوى التوقعات والطموحات الأردنية بإحياء مشروع أنبوب نقل النفط من البصرة إلى العقبة؛ وإنعاش القطاعات الإنتاجية الأردنية التي تأثرت بإغلاق معبر نصيب السوري واندلاع الأزمة الخليجية (حصار قطر) قبل ما يقارب العام والنصف.

 

العراق يمثل سوقا كبيرة وأحد محركات الإقتصاد الأردني ومحفزات النمو؛

النشاط والطموح الأردني تجاه العراق عبرت عنه سفارتها في بغداد بمشاركة فاعلة في معرض إربيل التجاري من خلال تخصيص جناح للمنتجات الأردنية؛ معرض كان هدفه تحفيز التجارة مع جمهورية العراق والتعريف بالمنتجات الأردنية التي تشهد منافسة كبيرة من دول الجوار العراقي في ايران وتركيا والسعودية؛ فمعبر طريبيل لم يحدث فرقا كبيرا خلال الشهور الـ 6 الأولى مقتصرا على مرور ما يزيد عن 800 شاحنة قدرت قيمة ما مثلته من حجم التبادل التجاري بـين البلدين بـ 14 مليون دولار ما دفع نحو المزيد من النشاط والحركة.

فالحركة التجارية المتواضعة على معبر طريبيل مثار قلق وإحباط في عمّان؛ إذ أنها تعتبر متواضعة جدا إذا ما تم قياسها بالسنوات السابقة لإغلاق المعبر؛ أو على ما تم إدخاله من بضائع عبر المعابر التركية والسعودية والإيرانية والكويتية المنافسة لمعبر طريبيل الأردني؛ فالمعبر سرعان ما واجه منافسة كبيرة من معبر عرعر السعودي الذي افتتح بنفس الفترة وشهد نشاطا كبيرا بتأثير من السلع السعودية المنافسة للسلع الأردنية مفاقما من أزمة المعبر التي لم تقتصر على نظام المناولة والضرائب الجمركية والتعقيدات الأمنية؛ حقيقة قدمت مؤشرا على أن المقاربة الأمنية والإقتصادية لا يمكن معالجتها إلا من خلال مقاربات سياسية تفتح الباب لمزيد من التعاون والإنفتاح الإقتصادي بين البلدين وتتجاوز التعقيدات الأمنية والإدارية والسياسية مع حكومة المركز في بغداد.

مبادرة أردنية

زيارة رئيس الجمهورية العراقي برهم صالح جاءت بمبادرة أردنية في سياق المعالجة السياسية لكسر حالة الجمود السياسي والإقتصادي بين البلدين؛ وخلق مناخ سياسي يساعد على تنشيط التجارة وتحسين مستوى التنافسية للبضائع الأردنية؛ وإحياء للمشاريع الإقتصادية المعطلة وعلى رأسها أنبوب نفط البصرة ـ العقبة؛ فالأردن يعاني من أزمة اقتصادية خانقة رفعت من قيمة العامل الإقتصادي في رسم معالم سياساته وأولوياته خلال الأعوام الأربعة الماضية؛ حقيقة تكرست خلال العامين 2017 ـ 2018  على وقع الإحتجاجات في الشارع الأردني والأهم على وقع الأزمات التي تفاعلت في الإقليم وعلى رأسها الأزمات الخليجية والسورية؛ محولة بذلك العراق إلى منطقة جذب اقتصادي وسياسي أردني، خصوصا بعد الإعلان العراقي الإنتصار على الإرهاب في كانون أول / ديسمبر من العام الماضي ومضيه في الإنتخابات البرلمانية محفزا بذلك السياسة الأردنية للمبادرة وتحسين التنافسية والتموضع الإقتصادي للبلدين.

معابر حيوية

السياسة الأردنية التي رفعت من قيمة العامل الإقتصادي حافظت على مسافة واحدة ومعقولة بين القوى المتنافسة والمتصارعة في الاقليم؛ وهي بذلك تتخذ منحى أكثر حيادية تجاه الأزمات، فالمعابر الحدودية مع العراق وسوريا تعد حيوية للإقتصاد الأردني لا تقل أهمية عن المعابر والنشاط التجاري مع دول الخليج العربي التي تشهد تغيرات كبيرة في بنية اقتصادها بتأثير من الإصلاحات الإقتصادية أو الأزمات الإقليمية والتفضيلات السياسية .

 مساحة التحرك الأردني مع العراق تعد الأكثر معقولية خصوصا وأن دول كالسعودية والإمارات والكويت وقطر شاركت في مؤتمر إعادة إعمار العراق وقدمت ما يقارب ملياري دولار لإعادة الإعمار؛ رافعة الحرج عن عمّان؛ كما أن إيران تواجه أزمة خانقة بفعل العقوبات الأمريكية ما يجعل العراق بوابتها الفعلية للتعامل التجاري الإقتصادي مع العالم الخارجي؛ مسألة لم يغفلها الرئيس الأمريكي ترمب عندما تحدث عن مراعاة مصالح الحلفاء وعدم تضرره من العقوبات الأمريكية.

ختاما: تطوير العلاقات الأردنية ـ العراقية تعتبر محاولة جادة وواعدة لإعادة التموضع الإقتصادي لكل من بغداد وعمان وفق أسس معقولة ومقبولة إقليميا ودوليا ومحليا؛ إذ ترتبط بواقع اقتصادي وإقليمي متدهور تحتاج فيه الأردن إلى مزيد من الأسواق والحلفاء الإقتصاديين في ظل الصعوبات الإقتصادية والتحولات التي يشهدها الإقليم والمنطقة العربية؛ في حين تمثل للعراق فرصة لتسريع الإعمار ولعب دور الوسيط السياسي والإقتصادي في الإقليم؛ توجه عبر عنه برهم صالح مؤخرا في طهران خلال زيارته .

فالعراق بوابة مهمة لتحقيق توازن اقتصادي وسياسي معقول مع القوى الإقليمية المؤثرة كتركيا وإيران والخليج العربي؛ فرصة كبيرة ليس للأردن فقط بل ولدول الخليج العربي وإيران وتركيا في آن واحد . 

 

إقرأ أيضا: الرئيس العراقي يصل إلى عمّان ويلتقي العاهل الأردني (شاهد)



التعليقات (0)