مقالات مختارة

خلفيات الاهتمام الإسرائيلي بالسودان

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

حالة من الاستغراب والدهشة اجتاحت الأوساط العربية والسودانية إثر التقارير الصحفية الإسرائيلية التي تحدثت عن مساع إسرائيلية لتطبيع العلاقات مع السودان. والتطبيع يبدو مصطلحا سياسيا ملغوما ومُربكا وذلك مقصود في حد ذاته. فالمصطلح يشير إلى جعل العلاقات طبيعية أو ربما عودتها إلى طبيعتها. وهذا يعني إقامة علاقات مع دولة إسرائيل، والتعاطي معها كما لو أنّها دولة غير محتلة وتسعى لاحتلال المزيد من الأراضي، وفي الوقت ذاته يعني التطبيع تجاهل حالة الحرب القائمة والماثلة.


قبل نحو عامين، قالت صحيفة هآرتس الإسرائيلية إن إسرائيل تقوم بذلك لمساعدة السلطة في السودان، عقب وقفها تهريب السلاح إلى غزة وقطع علاقاتها مع إيران. وزعمت الصحيفة أن ذلك الأمر استحوذ على حيز مقدر في مباحثات أجراها توم شانون مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون السياسية، خلال زيارته الأولى إلى إسرائيل أيلول/ سبتمبر 2016. وقبل ذلك بسنوات قليلة وصف مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية، السودان بأنه «دولة إرهابية خطيرة»، وتزامن ذلك مع غارة إسرائيلية على مجمع اليرموك للتصنيع الحربي جنوبي العاصمة السودانية في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2012.

 

وكان ذلك الاعتداء على السودان هو الثامن من نوعه ضمن سلسلة أخذت تترى منذ العام 2009. فما الجديد في ظل حالة الغموض التي أحاطت بموقف الحكومة السودانية إزاء التودد الإسرائيلي، بيد أنه في الوقت ذاته، ثمّة حقائق تزيد من تعقيد فهم الموقف الإسرائيلي وكذلك رد الفعل السوداني الرسمي؛ فالبعض يشير إلى المناقشات العلنية التي شهدتها أروقة مؤتمر الحوار الوطني في الخرطوم بداية عام 2016 حول إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ما عدها البعض محاولة للتقرب من الولايات المتحدة، وحثها على رفع العقوبات الاقتصادية ورفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب. وزعم الكاتب الإسرائيلي في موقع «إسرائيل بلاس» عكيفا ألدار حينها، أن القيادة السياسية في إسرائيل وصل إليها مؤخرا عدد من الرسائل من القيادة السودانية، وأن تل أبيب تترقب فرصة سانحة للتواصل مع الخرطوم.


وهناك نخب سياسية واعلامية سودانية بدأت على استحياء بتأييدها للتطبيع من منطلق براغماتي بحت، وربما عبر ذلك عن حالة من اليأس بسبب التردي الذي طال كل أوجه الحياة في السودان. لكن لا يبدو لي شخصيا أن مؤيدي التطبيع يستندون إلى تعريف واضح لمصالح الأمن القومي السوداني، بقدر ما يتأبطون نظرة سطحية تقوم على أن التطبيع هو الطريق السهل لكسب ود واشنطن، أو الاعتقاد بضرورة عدم مواجهة إسرائيل لتجنب فتح جبهة صراع مباشر معها، الأمر الذي يتيح فرصة للوبي الصهيوني في الولايات المتحدة لزيادة الضغط على السودان. وبدأت المخططات الإسرائيلية تجاه السودان بشكل مكثف في الخمسينيات من القرن الماضي.

 

فقد أشار إليها ديفيد بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل. وكانت قمة الخرطوم في عام 1967، التي عرفت باللاءات الثلاث «لا تفاوض، لا تصالح، لا اعتراف» بمنزلة ناقوس خطر للدولة اليهودية، حيث أيقنت إسرائيل أنه لولا هذه القمة ما توحد العرب ضدها واعتبرتها أنجح قمة للعرب، حيث خرجت بقرارات كان لها أثر كبير في الصراع العربي الإسرائيلي. وجاء تفصيل السياسة الإسرائيلية تجاه السودان في كتاب «إسرائيل وحركة تحرير جنوب السودان» الصادر في 2003 عن مركز ديان لأبحاث الشرق الأوسط وأفريقيا بجامعة تل أبيب، وذلك من خلال إفادات العميد موشي فرجي مدير الأمن الداخلي الإسرائيلي الأسبق. وجاء في الكتاب أن إسرائيل أدركت منذ وقت مبكر، أن الأقليات الموجودة في المنطقة العربية يمكن أن تكون حليفا طبيعيا لها، مع تطبيق سياسة فرق تسد.

 

وركزت إسرائيل بناء على ذلك على الجماعات غير العربية في السودان لتنفيذ مخططها في الجنوب الذي انفصل في تموز/يوليو 2011. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2015، سمحت الرقابة العسكرية في تل أبيب بصدور كتاب بعنوان «مهمة الموساد في جنوب السودان»، ونشر موقع (ميدا) الإسرائيلي ملخصا له، وتضمن الكتاب تفاصيل عن تدخل جهاز الاستخبارات والعمليات الخاصة (الموساد) في عملية تقسيم السودان، الأمر الذي اعتبر إنجازا إسرائيليا ونجاحا خاصا للموساد.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)