كتاب عربي 21

قضية خاشقجي.. لماذا فشلت "العربية" مقابل "الجزيرة"؟

ساري عرابي
1300x600
1300x600

ذاعت الشكوى في أوساط اللجان الإلكترونية السعودية، والنخب والشخصيات العامّة المنسجمة معها في خطابها ومهمتها.. من ضعف الإعلام السعودي في مواجهة "الحملة" التي تستهدف ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بعد مقتل جمال خاشقجي. والحال هذه، فينبغي أن يكون حاضرا في أرضية النقاش، كل من قناتي "الجزيرة" القطرية، و"العربية" السعودية.

لا بدّ، وأن قناة "العربية" قد استحوذت على جزء من الجمهور العربي، وهذا من طبائع الأشياء طالما أن "الجزيرة" لم تعد وحدها في الفضاء الإخباري العربي، وصار من الضروري أن تُسحب منها مساحات لصالح المنافسين الجدد، كما أن الأنظمة العربية تلتف حولها أوساط تنفر من خطاب "الجزيرة".. ومع محاولات تعزيز النزعات الوطنية بصورة تجسد الوطن في نظام الحكم، أو في شخص الحاكم، وتلغي الفوارق بين الوطن والدولة والنظام والحاكم، فلا بدّ أنه حينها قد صار للعربية جمهور، ولا سيما في بعض دول الخليج. ثمّ إن الجزيرة، كما هو شأن أي قوّة ناعمة، أو وسيلة إعلامية ممولة من مؤسسة سياسية، لم تكن تخلو من حسابات وتوظيفات سوف تنتقص من جمهورها بالضرورة.

 

اختبار المهنية


ومع ذلك، فإنّ "العربية" وقد عجزت عن إقصاء "الجزيرة"، فإنها قد فشلت فيما هو دون ذلك، في تجاوزها والتصدر أمامها، وبدلا من الإجابة على سؤال عجز "العربية" وفشلها في هذا المستوى، فإنّ طرح منتقدي "الجزيرة" في سياق النقاش حول قضية خاشقجي أو حصار قطر، اقتصر على الطعن في بعض أوجه الأداء المهني للقناة، وهذا النمط من المعالجة لا يتضمن أي قدر من الإجابة، فضلا عن كون "العربية" لو وضعت في سياق المقارنة المهنية مع "الجزيرة" فسوف تسقط في هذا الاختبار.

بصرف النظر عن التوظيف السياسي لكل من القناتين، وهو حاصل منذ أن كانتا ولم يُكتشف أمس، فإنّ مشكلة "العربية" في كونها أرادت أن تكون نقيضا كاملا لـ"الجزيرة"، وهذا يعني أنها سوف تقف على الضدّ من كل القضايا العادلة التي تتبناها "الجزيرة" أو تتناولها بمسؤولية مهنية محترمة. فلم تتبن "الجزيرة" أجندة معادية للقضية الفلسطينية، ولا لحركات الإسلام السياسي وتيارات التغيير الإصلاحي في العالم العربي، كما أنّها في المقابل لم تتبن قضايا الاستعمار الجديد، كما في الحروب الأمريكية على أفغانستان والعراق.

 

القضية الفلسطينية


يمكن الاستدلال هنا بمثال بسيط، ولكنه بالغ الدلالة، وهو أن مصلحة السجون الإسرائيلية كانت تمنع عن المعتقلين الفلسطينيين قناة "الجزيرة"، ولكنها في الوقت نفسه تسمح بقناة "العربية"، ولا معنى لذلك سوى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يرى في قناة "العربية" نقيضا لطبيعته الاستعمارية، أو لسلوكه الاستعماري، وهذا بالضرورة، يتناقض مع اسم القناة، أي مع لفظ "العربية"، فإن قيل إن العربية أكثر مهنية وموضوعية في معالجتها للقضايا الفلسطينية باعتبار أنّها أكثر برودة وأقل عاطفة تجاه الفلسطينيين، فهذا لا يغير من حقيقة أنّها ترغب في أن تكون نقيضا كاملا لـ"الجزيرة"، وأنّ مسمّاها لا يتفق واسمها تمام الاتفاق وقد قررت أن تتسمّى بـ"العربية"، هذا بالإضافة إلى أنها فشلت في اختبار الموضوعية حينما تبنت الخطاب الإسرائيلي في الكثير من القضايا والمحطات، كما في تناولها لحركات المقاومة الفلسطينية، أو في انحيازها للدعاية الإسرائيلية أثناء الاعتداءات على قطاع غزّة.

هذا لا يعني أن "الجزيرة" لم تقترف الأخطاء في هذه القضايا تحديدا، فما تزال استضافتها لإسرائيليين يروّجون الدعاية الاستعمارية الصهيونية على شاشتها؛ محلّ انتقادات جذريّة من الأكثرين، بما في ذلك مِنّي، بيد أن الحسبة هنا تقوم على أساس المقارنة، والتي تبدو فيها "العربية" نقيضا كاملا لـ"الجزيرة"، وبما يحول دون أن تُبطل "العربية" عمل "الجزيرة" أو أن تتمدد في مساحاتها أكثر، إذ إنّ هذه المساحات، ومهما طرأ على الوعي العربي، تظلّ الأصيل الدائم المتجدد في ضمائر الجماهير العربية. ولا شكّ أن الاستعمار و"إسرائيل" طارئ وزائل، وأن الظلم والطغيان والاستبداد مما يناقض الفطرة البشرية والكرامة الآدمية، فتبدو قضية "العربية" خاسرة من الأساس.

 

أين مصلحة السعودية؟


في هذه الحالة، لا تخدم "العربية" مصالح السعودية، فلا يخفى على أحد أنّ هذه القناة مموّلة سعوديّا، وبالتالي سوف تنسحب انحيازات قناة "العربية" ومواقفها على الدولة الممولة لها والمتحكمة في سياساتها. فإذا كانت المملكة العربية السعودية تسعى للاستحواذ على الجماهير العربية، فلا يمكن أن يتمّ ذلك بتبني قضايا خاسرة، وعلى الضدّ الكامل من النماذج المهيمنة على الوعي العربي، والتي منها فلسطين والإسلام والعداء للاستعمار، فالصورة المعكوسة إذن عن السعودية أنّها، وبما أنّها الممولة للقناة والمتحكمة بها، ضدّ تلك النماذج ومع أعدائها!

المشكلة الأعمق إذا كان هناك تصوّر بإمكان إعدام تلك النماذج، وقلب الوعي العربي بالكامل. وهنا المشكلة مركّبة، ففي النتيجة الظاهرة لم تنجح "العربية" في هذه المهمة، فرغم سلطان الثورة المضادة وجبروتها وهيمنة النظام العالمي المعادي لقضيا الأمّة، ظلّت تلك القضايا حاضرة بقوّة في الوعي العربي، وكذلك "الجزيرة" ظلّت حاضرة وقويّة، وهو ما يستدعي عند العقلاء إعادة النظر في سياسات فاشلة، وفي إنفاق هائل نتيجته الحسرة والهزيمة.

وفي حقيقة الأمر، فإنّ إزهاق تلك القضايا في الوعي العربي، محال، على الأقل هذه هي الحقيقة التاريخية في ما يتعلق بمحاولات اجتثاث الحق القارّ في نفوس الناس، منذ أن قال فرعون "مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ"، فقول الله تعالى أصدق، وقد قال: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". ولا شكّ أن الكلمة التي تنحاز للاستعمار أو الطغيان، هي الزبد، تماما كما أنّه لا شكّ في أن فلسطين ورفض الاستعمار وكراهية الظلم والطغيان، مما هو راسخ في الضمير العربي، بحيث لا يمكن اجتثاثه مهما أمكن إضعافه في محطّات عابرة.

كانت "العربية" في قضية خاشقجي تدافع عن قضية خاسرة، أي قضية الظالم، والإنسان في أصل الأمر قادر على التمييز في هذه القضايا خصوصا، أي التمييز بين القاتل والقتيل، والظالم والمظلوم، بينما كانت قناة "الجزيرة" تدافع عن قضية عادلة، أي عن القتيل المظلوم، مهما كانت أغراضها أو دوافعها، ففي النهاية أهداها القاتل فرصة للاشتغال في قضية عادلة. هذا، ولا تملك "العربية" أساسا رصيدا من المصداقية يساعدها على ترويج دعايتها بخصوص هذه القضية، فقد أضرت بمصداقيتها وبصورتها الأخلاقية، وبالتالي بمموليها، طوال عمرها الذي وقفت فيه موقفا معاكسا من قضايا الأمّة.

لكن وبصرف النظر عن هذه القضية خصوصا، وطالما أن "العربية" لا تخدم في عمق المسألة مصلحة السعودية، بل تعكس عنها صورة منفّرة، فنحن إزاء احتمالين: الأول، اعتقاد صانع القرار السعودي بإمكانية تغيير وعي الجماهير العربية بقناة تفقد مصداقيتها باطراد، وقد ناقشنا ذلك.. والثاني، أنّ القناة تعمل لحسابات أخرى غير حسابات مموليها. هذا وإن كان مستبعدا، فإنّ التجربة كلّها تثبت أن السعودية ليست كأي دولة خليجية أخرى يمكنها تبني سياسات معادية لقضايا الأمّة بصورة مكشوفة، بل مصالح السعودية تحديدا تقتضي عكس ذلك، فهي ما زالت تخسر باستمرار بسبب السياسات المعادية لمصالح الأمّة. فإن كان ما تعكسه "العربية" هي سياسات السعودية فعلا، فالمصلحة، فضلا عن الأصل والحقّ والواجب، تقضي بتغيير تلك السياسات، وأمّا إن كان خطاب "العربية" لا يصدر عن رؤية مموّليها، فالمسألة سهلة، وسوف يرحب الجمهور العربي بتبني هذه القناة لقضاياه، والمنافسة بينها وبين "الجزيرة" ساعتها ستكون أكثر شرفا!

التعليقات (3)
متفائل
الخميس، 06-12-2018 10:44 م
قوة قناة الجزيرة نابعة من خطها المهني الذي يعبر عن كفاءة المشتغلين على مستواها ، ومن جهة أخرى ، وهي الأهم ، مستوى القيادة القطرية فكريا وأدبيا ، ومن بعد سياسيا ، وهو ما أثر إيجابا على طريقة قناة الجزيرة في مقاربة أكثر من ملف حتى بالنسبة لاستضافة بعض الوجوه الإسرائيلية ،فإن ذلك يتصل بجانب الوظيفة الإعلامية في معرفة العدو والصديق ، وخطط كل منهما ، إذ لا يمكن مواجهة التحدي من دون معرفة مصادرة ، أما قناة العربية ، فإن عبرت فإنما تعبر عن مستوى أولئك الحكام الذين تعروا وانكشفوا بشكل رهيب .
العسيري
الخميس، 06-12-2018 09:25 م
من يتابع العربية يلاحظ بكل وضوح انها تقف ضد مصالح الامة العربية وتقف بقوة مع الانظمة الاستبدادية وتعادي كل من يعادي اسرائيل فكيف ستجد هذه القناة متابعين الا اذا كانوا من اعوان الشيطان ....!!!!!
حاج علي الجزائر
الثلاثاء، 04-12-2018 05:49 م
العربية عملت محام عن الشيطان .فخسرت القضية وخسرت مصداقيتها ان كان لها مصداقية اصلا . وتخلى عنها مشاهدوها .من اصحاب العقول الرصينة واما البلهاء فلا حرج عليهم . واما الجزيرة - ورغم ما يؤخذ عليها من مااخذ جمة الا انها استطاع ان تعرف كيف تؤكل الكتف ولان القضية بسيطة جدا فاختارت ان تدافع عن صاحب الحق ومادامت الادلة والبراهين ساطعة فقد كسبتها من اول جلسة . بقضية خاشقجي -رحمه الله - وقعت العربية شهادة وفاتها . واما الجزيرة فقد استعادت بعض بريقها الذي فقدته لبعض الوقت