قضايا وآراء

إيران وتركيا تغرسان شجرة الصداقة

صابر كل عنبري
1300x600
1300x600

الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا الأربعاء والخميس الماضيين على رأس وفد سياسي واقتصادي رفيع المستوى لم تكن عادية، بل حملت دلالات تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين الجارين.

اقرأ أيضا: روحاني في أنقرة للاجتماع مع أردوغان.. هذا ما سيبحثانه

خططت طهران جيدا لإنجاح أهداف هذه الزيارة عبر إيفاد محمود واعظي مدير مكتب الرئاسة الإيرانية إلى أنقرة مسبقا، وإجرائه لقاءات مع المسؤوليين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. 

ما أعطى الزيارة أهمية كبيرة، أنها جاءت في خضم تطورات إقليمية ودولية بالغة الحساسية تشهدها ملفات عديدة، منها الملف السوري، والتصعيد الأمريكي ضد إيران، والملف اليمني، والتطبيع الإسرائيلي الخليجي وقضايا أخرى. 

 

ما أعطى الزيارة أهمية كبيرة، أنها جاءت في خضم تطورات إقليمية ودولية بالغة الحساسية


أهم تلك القضايا كانت حاضرة بقوة في نقاشات الرئيسين، والتي تمحورت في تناولهما لها حول مفهوم "الأمن الإقليمي" الذي قال الرئيس التركي إنه "يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق تركيا وإيران"، وذلك انطلاقا من مخاوف أمنية مشتركة، يبدو أنها باتت تدفع البلدين لتبني مقاربات جديدة للمتغيرات الإقليمية.

بيد أن تلك المقاربات جاءت نتيجة تراكم عوامل ومتغيرات عديدة ظهرت خلال العامين الماضين، بدءا من الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا عام 2016، مرورا بمستجدات العامل الكردي في المنطقة، منها الاستفتاء على الاستقلال في إقليم كردستان العراق وكذلك تطورات شمال سوريا، ووصولا إلى الأزمة الخليجية وبزوغ تحالف رباعي معاد للبلدين بين واشنطن، وتل‌أبيب، والرياض وأبوظبي.

هذه المتغيرات تطورت رويدا رويدا إلى توترات كبيرة وصغيرة سادت العلاقات الثنائية، وشكلت سمتها البارزة لسنوات عديدة لأسباب يعرفها القاصي والداني، وفي مقدمتها السبب السوري، كانت قد طغت عليها لغة الاتهام، والتجريح والحديث عن مساعي الآخر لإحياء إمبراطوريات "فارسية" و"عثمانية".
 
مع ذلك، نجحت الدولتان في الحفاظ على أواصر العلاقة بينهما إلى أن أصبحتا اليوم أمام مرحلة جديدة محفوفة بفرص تضيق مساحة الخلافات، وتفتح آفاقا للتعاون والتنسيق بينهما وسط استمرار الخلافات حول بعض قضايا إقليمية وطرق معالجتها.

فضلا عن أن تلك العوامل آنفة الذكر التي أخرجت العلاقات الثنائية من ذلك المسار التوتري نحو بناء مسار تقاربي، أن أسباب الخلافات بين البلدين أيضا لم تعد قائمة كما كانت في السابق، أو على الأقل فقدت تأثيرها الكبير في التحكم بالعلاقات وقيادتها، فعلى سبيل المثال أن القضية السورية التي كانت ومازالت تمثل جوهر تلك الخلافات الإقليمية بين البلدين أصبحت تجمع البلدين في عملية أستانة ولو بدوافع مختلفة.
 
المسار التقاربي الجديد بين تركيا وإيران أعطتها دفعة قوية الرغبة المشتركة والرسائل الودية التي تبادلها أردوغان وروحاني خلال اللقاءات الثنائية أو في الاجتماع الخامس للمجلس الإستراتيجي الأعلى للبلدين في أنقرة، حيث لم يسبق أن تحدث الرئيسان بهذا الشكل عن أهمية العلاقات الثنائية وضرورة تطويرها.
 
جاء في هذا السياق، حديث الرئيس التركي عن أهمية "غرس شجرة الصداقة" وضرورة "قلع شجرة العداوة" من خلال استشهاده ببيت للشاعر الإيراني الكبير "حافظ شيرازي"، والذي ألقاه باللغة الفارسية قائلا: "درخت دوستي بنشان كه كام دل به بار آرد ... نهال دشمني بركن كه رنج بي‌شمار آرد" (إغرس شجرة الصداقة التي تحقق غاية القلب، واقلع شجرة العداوة التي تخلق مصاعب لا تحصى).

 

المسار التقاربي الجديد بين تركيا وإيران أعطتها دفعة قوية الرغبة المشتركة والرسائل الودية التي تبادلها أردوغان وروحاني


إيران التي تجد اليوم في مواقف أردوغان الرافضة للعقوبات الأمريكية، ما لم تجدها في المواقف الأوروبية، معنية أكثر من أي وقت مضى بإرسال رسائل وإشارات إيجابية للجارة التركية وإنجاح أول زيارة خارجية لرئيسها بعد المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية الشاملة التي تريد الولايات المتحدة الأمريكية أن تجعلها الأقسى على إيران في التاريخ كما توعد بذلك وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في أيار/مايو الماضي بعيد الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي في الشهر نفسه. 

رهانات إيرانية

تعوّل إيران اليوم على تركيا في الالتفاف على العقوبات الأمريكية على ضوء مماطلة الأوروبيين في العمل بالتزاماتهم بموجب الاتفاق النووي بعد الانسحاب الأمريكي منه وترجمة أقوالهم إلى أفعال مؤثرة تحفظ لإيران بعض مكاسبها الاقتصادية من الاتفاق، بما يساعدها في تجاوز آثار العقوبات الأمريكية ولو جزئيا. 

هذا الرهان الإيراني لا يأتي من فراغ، بل هو مسنود بتجربة ناجحة لطهران حينما كانت تتعرض لعقوبات أمريكية وأوروبية وأممية قبل التوقيع على الاتفاق النووي في تموز / يوليو 2015، فكانت تركيا تمثل بوابتها الرئيسة للالتفاف على تلك العقوبات والتغلب عليها.
 
اليوم الحكومة الإيرانية تستحضر تلك التجربة بعد تأكيدات تركية رافضة للعقوبات الأمريكية، جددها الرئيس أردوغان خلال لقاءاته مع نظيره الإيراني، مؤكدا أن بلاده تقف إلى جانب إيران في مواجهتها بالقول إن هذه العقوبات تشكل فرصة إيجابية لتعزيز العلاقات الثنائية، وأنه واثق بشكل تام بأن ذلك سيحصل.
 
إلى جانب ذلك، تؤكد مصادر إيرانية أن الجانبين اتفقا على خطوات عملية في مواجهة العقوبات الأمريكية على طهران، إذ أكد حسا الدين آشنا المستشار الإعلامي للرئيس الإيراني أن الرئيس أردوغان تحدث عن مفتاح سيفتح أقفال جميع العقوبات، حسب قوله. 

خلاصة القول: إن إيران وتركيا بالرغم من العلاقة الندية بينهما، وبغض النظر عن أن لكل منهما مشروع إقليمي مختلف، إلا أن ظروفا موضوعيا تقود علاقاتهما الثنائية نحو مسار تقاربي يحتم عليهما التعاون والتنسيق تحت سقف محدد، درءا لمخاطر وتهديدات مشتركة.

وذلك انطلاقا من فهم مشترك أن ما يجمع بين البلدين اليوم أكثر مما يفرق، فأهم من العامل الكردي أنهما مستهدفان من قبل حلف أمريكي إقليمي (إسرائيل والسعودية والإمارات) في أمنهما الداخلي واقتصادهما، ما خلق أمام علاقاتهما فرصا استثنائية للعمل المشترك، تهمش التهديدات التي تعترض تلك العلاقات. نتيجة ذلك بات يتحرك البلدان صوب الآخر استثمارا لتلك الفرص التي تحقق مصالحهما الاستراتيجية.

 

اقرأ أيضا: أردوغان وروحاني يدعمان وحدة سوريا والمفاوضات باليمن

التعليقات (0)