صحافة دولية

ديلي بيست: هل ارتكب الأمريكيون مذبحة بالصومال قبل بلاكهوك؟

ديلي بيست: ترامب يزيد اليوم من وتيرة الهجمات بالطائرات المسيرة في الصومال- جيتي
ديلي بيست: ترامب يزيد اليوم من وتيرة الهجمات بالطائرات المسيرة في الصومال- جيتي

نشر موقع "ديلي بيست" تحقيقا للصحافية نتاليا ميغاس، حول عملية قامت بها القوات الأمريكية تحت مظلة الأمم المتحدة عام 1993 في الصومال، حيث ذهب عشرات المدنيين ضحية تلك العملية. 

 

ويشير التحقيق، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن كريستيان "ليس اسمه الحقيقي" كان يعمل مع القوات الأمريكية، وكان يجلس في طائرة هيلوكبتر يغالبه النعاس عندما سمع صوت الانفجار الأول، ويقول: "أتذكر أنني قلت لنفسي أن الانفجار كان كبيرا.. يجب أن يكون من الأمريكيين.. فلم يمتلك أحد آخر تلك القوة في الصومال غيرهم".

 

وتقول ميغاس إن طائرة الهيلوكبتر كانت تحوم في سماء مقديشو من الساعة الثانية صباحا يوم 12 تموز/ يوليو 1993، ولم يكن هناك عمل يذكر لوحدته، حتى رأى الدخان يتصاعد في الافق البعيد، وسمع المزيد من الانفجارات، حيث قامت عشر طائرات هيلوكبتر أمريكية بقصف بناية بستة عشر صاروخا، وحوالي 2000 رصاصة، من مدفع رشاش للطابق الثاني في بيت عبدي في مقديشو، الذي تم تدمير الدرج فيه، ما منع الناس من الهروب ثم تم تدمير البناية.

 

وينقل الموقع عن كريستيان، الذي طلب عدم ذكر اسمه؛ لأن نواح من العملية تبقى سرا، وهو غير مخول بالحديث عنها، قوله: "لقد تم تدمير البناية كاملة.. ولا أظن أن من أمر بها كان يمكن له أن يتخيل عدم وقوع إصابات (بين المدنيين)".

 

ويلفت التحقيق إلى أن الساعة كانت 10:18 دقيقة صباحا، وكانت "عملية ميتشيغان" قد بدأت، حيث كانت القوات الأمريكية تبحث عن محمد عيديد، أمير الحرب الصومالي المتهم بالوقوف خلف مقتل 24 جنديا باكستانيا من قوات حفظ السلام الأممية في الصومال (يونوسوم 2)، ذلك الهجوم الذي أشادت به القوات الأمريكية على أنه كان ناجحا، ونظر إليه على أنه انتقام للعنف المتصاعد، إلا أنه لم يقض على المجلس العسكري لعيديد، بل كان هجوما على اجتماع لتحقيق السلام.  

 

وتفيد الكاتبة بأنه نتج عن استخدام القوة غير المتكافئة، وانتهاك حقوق الانسان والقانون الإنساني، إصابات معظمها مدنية، في وقت لم تكن فيه الأمم المتحدة أو أمريكا في حالة حرب مع الصومال، وأصبح الهجوم على بيت عبدي يعد رمزا لفقدان الأمم المتحدة وأمريكا البوصلة.

 

ويقول الموقع إن ترامب اليوم يزيد من وتيرة الهجمات بالطائرات المسيرة في مناطق، منها الصومال، دون رقيب أو حسيب، بالإضافة إلى أن هناك متعاقدين خاصين تحت هذه الإدارة يورطون أنفسهم ومن يعملون لهم في مواقف خطيرة وقاتلة.

 

ويجد التحقيق أن هناك دروسا كبيرة في عملية ميتشيغان، خاصة أنه وللمرة الأولى تحدث شخص كان جزءا منها، واعترف بأنها لم تحقق أيا من أهدافها المفترضة، وأن ضحاياها كانوا من المدنيين، ما أكد تقارير الصحافيين والأكاديميين وما قاله الصوماليون منذ ذلك الوقت.

 

وتنقل ميغاس عن الجمعية الدولية للصليب الأحمر، قولها إن عدد الضحايا كان 200 في ذلك اليوم، وقام الصوماليون الغاضبون بقتل أربعة صحافيين غربيين بعدها، مشيرة إلى أن قوات التدخل السريع الأمريكية قامت بالعملية، فيما يسميه الصوماليون يوم "الاثنين الدامي"، ذلك اليوم الذي قامت به القوات الأمريكية بعملية ضد مواطنين صوماليين، معظمهم من الوجهاء وزعماء القبائل في اجتماع للضغط على عيديد للتوصل إلى سلام، ويقول الصحافيون الذين كانوا يغطون الصومال بأن ذلك اليوم جعل الصوماليين المدنيين ورجال القبائل يتحولون ضد أمريكا. 

 

وينوه الموقع إلى أنه في الوقت الذي كانت هناك محاولات سابقة للقبض على عيديد، إلا أن أحداث 12 تموز/ يوليو كانت الأكثر دموية، وعززت من نفوذ عيديد، وشكلت نقطة تحول في عقول وقلوب الصوماليين، ويقول كريستيان: "عندها بدأنا بخسارة الصومال، ولم نكن نعرف ذلك".

 

ويشير التحقيق إلى أنه بعد تلك المذبحة حمل العديد من رجال القبائل السلاح والتحقوا بعيديد، ما جعل أمريكا في مواجهة جيش أكبر في 3 تشرين الأول/ أكتوبر 1993 خلال معركة مقديشو والعملية العسكرية الكارثية التي قادتها القوات الخاصة للقبض على عيديد، حيث تم إسقاط طائرتي هيلوكبتر من طراز "بلاك هوك"، وتم جر عدد من جثث الجنود الأمريكيين في الشوارع، وعرضت الصور على شاشات التلفاز، وكتب مارك بودين كتاب "Black Hawk Down" عن تلك الأحداث، وتم تحويله إلى فيلم عام 2001.

 

وتنقل الكاتبة عن سكوت يترسون، وهو أول صحافي وصل إلى مكان الهجوم الأمريكي في 12 تموز/ يوليو 1993، الذي اصيب برأسه بضربة سكين عندما قام الصوماليون بمهاجمة الصحافيين، قوله: "لا شك أن الغارة ولدت غضبا شديدا في قبيلة عيديد.. ولا شك أن ذلك الغضب ساعد على إشعال العنف البركاني الذي أظهره الصوماليون تجاه القوات الأمريكية بعد ذلك، خاصة بعد إسقاط طائرتي بلاك هوك".

 

ويستدرك الموقع بأنه بالرغم من فظاعة أحداث الاثنين الدامي، إلا أن المسؤولين العسكريين الأمريكيين لم يحققوا فيه، ولم يصدر عن الجيش أي اعتراف بوقوع خطأ، مشيرا إلى أن مراسل "وشنطن بوست" سابقا كيث ريتشبيرغ، كتب في كتابه "Out of America" أن "عدد القتلى الصوماليين لم يكن يهم أحدا على ما يبدو".

 

ويفيد التحقيق بأنه على بعد ميل ونصف من الحدث، سمعت مديرة قسم العدل في قوات "يونوسوم 2"، آن رايت، الانفجار، ولم يكن أحد يعرف ما الذي حصل، حتى وصلت أخبار الصحافيين الذين قتلوا، وقالت بدأنا نسأل بعدها عما حصل، و"كلما اكتشفنا المزيد زاد قلقنا"، ثم قامت رايت بكتابة مذكرة سرية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص للصومال الأميرال الأمريكي جوناثون هاو، ذكرت فيها أن الهجوم لم يكن "أقل من جريمة قتل تم ارتكابها باسم الأمم المتحدة".

 

وتبين ميغاس أن القوات الأمريكية نزلت بعد الغارة بأربع دقائق للتأكد من إصابة الهدف، لكن الرسالة على جهاز اللاسلكي كانت “.N.E” يعني أن الضربة لم تكن مجدية، بحسب ما يذكر كريستيان أنه سمع، وعندما طلب أحدهم الإيضاح فإنه تم إخباره بأن "الهدف ليس حاضرا".

 

وينقل الموقع عن كريستيان، قوله معلقا: "لقد كانت لدينا قائمة بالأهداف، ولم يقتل أو يعتقل أي شخص ممن كانوا على تلك القائمة في ذلك اليوم.. شعرت دائما أنها كانت محاولة اغتيال أخطأت وقادت إلى مقتل أبرياء".

 

ويلفت التحقيق إلى أن كلا من هاو والجنرال ثوماس مونتغمري، الذي قاد القوات الأمريكية في الصومال، وكان في طائرة هيلوكبتر خلال العملية، أصرا على أن العملية كانت سليمة، وشككا في مقتل مدنيين، مصرين على أن الاجتماع كان لمجلس عسكري.

 

وتقول الكاتبة إنه بحسب التقرير، الذي أعده مونتغمري بعد العملية، فإن من قتل في العملية كانوا من كبار الممولين والمخططين، بمن فيهم المخططون العسكريون للكمين الذي قتل فيهه الجنود الباكستانيون، مشيرة إلى أن مونتغمري رفض إجراء مقابلة مع "ديلي بيست".

 

ويذكر الموقع أن عدد الضحايا الرسمي كان بحسب "يونوسوم 2" كان 20 (13 قتيلا و 7 جرحى)، لكن الصليب الأحمر الدولي قال إن عدد القتلى 54 والجرحى 161، فيما ادعى عيديد أن عدد القتلى كان 73، بمن فيهم نساء وأطفال، وجرح أكثر من 200.

 

وبحسب التحقيق، فإن هاو شكك في الرقم الذي أعطاه عيديد، وقال إنه "لا دليل على وجود ضحايا من غير المقاتلين"، في الوقت الذي شككت آن رايت، التي خدمت في الجيش الأمريكي 29 عاما، وقالت إن الجنود الذين نزلوا لتفحص نتيجة الهجوم لم يبقوا في المكان فترة طويلة للتعرف على الضحايا أو عدهم.

 

وتلفت ميغاس إلى أن كريستيان وفريقه حاموا حول الموقع أكثر من عشر مرات، وكل مرة حصلوا على نظرة أقرب إلى "الأضرار الجانبية" على الأرض، وكان جزءا من مهمته هو تقدير التهديد على الأرض، ويقول كريستيان: "كنت أحاول أن أرى إن كان هناك تهديد، لكن لم أر أي تهديد"، إلا أن ما رآه عندما هبط لتحميل الجنود هو جثث مدنيين.

 

ويورد الموقع نقلا عن سجل الأمم المتحدة، قوله إن الجنود لم يمكثوا أكثر من 9 دقائق أخلوا خلالها المنطقة، وفتشوا بيت عبدي، وغادروا بسرعة، وبعد مغادرة الجنود مباشرة وصلت حشود الناس، بحسب كريستيان.

 

ويفيد التحقيق بأن رايت والصحافيين الذين غطوا الهجوم يصرون على أن المخططين العسكريين الأمريكيين كانوا يعلمون بوجود مدنيين، حيث تقول رايت: "اعتمدوا على معلومات من مخبر مدفوع الأجر بأن الجنرال عيديد سيكون في اجتماع مع وجهاء العشائر، فهم كانوا يعلمون أن الوجهاء سيكونون موجودين".

 

وتنقل الكاتبة عن سكوت بيترسون في كتابه Me Against My Brother، قوله إن الاجتماع كان معلنا عنه في الصحف الصومالية على أنه اجتماع سلام، لكن هاو قال لـ"ديلي بيست": "هناك أدلة كثيرة على أنه كان اجتماعا للمتشددين للتخطيط في مركز عبدي"، مضيفا أن اجتماع الوجهاء الذين يبحثون عن حلول سلمية كان يبعد عدة بنايات.

 

ويستدرك الموقع بأن الصحافيين الذين قابلوا شهود عيان، وشاهدوا فيديو يصور نتائج الهجوم، وصفوا الحضور في بيت عبدي على أنهم رجال دين وقضاة وأساتذة وشاعر مشهور، وأكبر شيخ قبيلة في التسعينيات من عمره، وشباب وشابات ونساء، وكان هناك بعض المتشددين لكنهم حضروا للتفاوض حول السلام.

 

ويورد التحقيق نقلا عن مونتغمري، قوله عن العملية في مقابلة مع "فرونتلاين" إنها كانت "عملية دقيقة جدا وحاسمة جدا"، بهدف قتل الأشخاص السيئين، أما هاو فقال: "كما أذكر سارت (العملية) بشكل جيد من وجهة نظر ما كنا نريد فعله في حينه. الضغط على عيديد الذي كان يلعب بذيله.. وهناك صورة كبيرة خلال تلك الأحداث، وكان ذلك يوما واحدا وهجوما واحدا".

 

ويختم "ديلي بيست" تحقيقه بالإشارة إلى أن كريستيان ففقد ثقته في المهمة برمتها بعد عملية ميتشغان ومعركة مقديشو، فترك عمله في الجيش، وعانى من اضطراب ما بعد الصدمة لسنوات طويلة بعد ذلك، وبعد مرور 25 عاما، فإنه يقول إنه لا يزال يفكر في يوم 12 تموز/ يوليو 1993.

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)