أفكَار

بنكيران والعثماني.. حزب واحد بخطابين سياسيين مختلفين(1من 2)

قال إن لكل منهما خطابه السياسي الخاص على الرغم من انتمائهما لذات المدرسة
قال إن لكل منهما خطابه السياسي الخاص على الرغم من انتمائهما لذات المدرسة

الظاهرة التواصلية التي شكلها رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، دفعت البحث الأكاديمي إلى أن يشحذ آلياته البحثية لتحليل خطابه، وشكل تواصله، والآليات التي يستعملها، كما حفزت البحث العلمي لتناول هذه الظاهرة التواصلية الفريدة في تاريخ المغرب السياسي، وقد كتبت في هذا الموضوع العديد من الدراسات والكتابات، وحاولت التوقف عند أهم خصائص هذا الخطاب، وبيناته الخطابية.

ومع تجربة الدكتور سعد الدين العثماني في رئاسة الحكومة وظهور التباين على مستوى الأسلوب والخطاب ونمط التواصل، توجه البحث العلمي لتناول خطاب بنكيران بمنحى مقارن، يسعى إلى كشف أوجه التشابه والاختلاف بين خطابي رئيس الحكومة المغربية السابق والحالي، وفي هذا السياق، يمكن أن نذكر الدراسة الحديثة التي صدرت تحت عنوان "دراسة تحليلية مقارنة في خطاب رئيسي الحكومة المغربية السابق والحالي" والتي كتبها الباحثان في جامعة الحسن الثاني، كلية ابن مسيك بالدار البيضاء، إيمان العمادي وعبد المجيد بوزيان، ونشرت في مجلة Journal of the Geopolitics and Geostrategic Intelligence، في نهاية شهر تشرين أول (أكتوبر) الماضي من سنة 2018، في الجزء الأول رقم 2، ص (22 ـ 38).

 

السلاح الأقوى عند بنكيران هو اللغة الدينية، وأنه لا يستطيع أن يقول أي كلمة دون أن يعقبها بكلمة "إن شاء الله" أو "إذا أراد الله"


تكتسي هذه الدراسة أهمية كبيرة، ليس فقط من زاوية الموضوع الذي تمحورت حوله، أي دارسة الخطاب السياسي لرئيسي حكومة، ينتميان إلى الإسلاميين الذين يدبرون الشأن العام من هذا الموقع لأول مرة، ولكن أيضا، لكونها، تتوسل بمدخل المقارنة بين رئيسين للحكومة السابقة والحالية، ينتميان لنفس الحزب (حزب العدالة والتنمية)، ويحتفظ كل واحد منهما بأسلوبه، كما أنها تتوسل بآليات بحثية لسانية تداولية في تحليل الخطاب، تظهر بعض الفروقات الجوهرية في خطاب رجلين ينتميان لنفس المدرسة الفكرية والسياسية.

 

إقرأ أيضا: حكومة العثماني.. هل تعمق شروخ العدالة والتنمية المغربي؟

ومع أن هدف الدراسة، يتمركز بالدرجة الأولى على تحليل الخطاب السياسي لكل من الأستاذ عبد الإله بنكيران والدكتور سعد الدين العثماني من موقع الحكومة، إلا أن قصدها الأساسي يتوجه إلى رصد وتحليل كيفيات إدماج الدين والأيديولوجيا والسياسات العمومية في خطاب رجلين ينتميان إلى نفس المدرسة الحزبية.

تركز الدراسة على الخطاب السياسي، لاعتبارين مهمين، أولهما لأن الخطاب السياسي يعتبر الآلية المهمة التي يمتلكها السياسي في إدارة الشأن العام وإقناع الجمهور بسياساته وقراراته، وثانيهما، لأن الخطاب السياسي هو الذي يقع عليه الاهتمام والتركيز على مستوى وسائل الإعلام، بحيث يعتبر المادة الأساسية التي يعتمد عليها لبناء شرعية السياسي ومصداقيته لدى الجمهور المتلقي.

أوجه التشابه والاختلاف

بعد أن تستعرض الدراسة بشكل مختصر مسار حزب "العدالة والتنمية"، وجذوره الأولى (تجربة الشبيبة الإسلامية)، والمراجعات التي دشنها لبناء حركة تسعى للاندماج في العملية السياسية، وكذا مسار البحث عن صيغة للمشاركة السياسية عبر التحالف مع حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، وتغيير اسم الحزب إلى حزب العدالة والتنمية، وعقد المؤتمر الاستثنائي للحزب، تنطلق بتحديد سؤالين أساسيين التزمت بالإجابة عنهما:

1 ـ ما هي الأنماط اللغوية التي يستعملها كل من رئيس الحكومة السابق والحالي؟
2 ـ ما أوجه التشابه والتباين بين خطاب كل من رئيس الحكومة السابق ورئيس الحكومة الحالي؟

استعانت الدراسة بالطريقة التي وفرها الباحث اللساني ستيفان تولمن، والتي تعتمد آليات تحليلية تركز على المكونات الست للحجاج: المطالبة، باعتبارها من أكثر الصيغ العامة المتداولة في الخطاب، والبيانات التي تحمل معها المستندات التي تدعم الحجة الأولى (المطالبة)، والمذكرات التي تبث المعتقدات والقيم التي يتقاسمها السياسي مع الجمهور، والمؤهلات، التي ترتبط بالإمكانيات والاحتمالات وليس بالأمور المؤكدة، ثم الدعم، وهي الحجج الإضافية التي يتم الاستعانة بها لإقناع الجمهور في حالة عدم التفاعل مع حجة المطالبة.

وقد ركزت الدراسة على الخطاب التقليدي لرئيسي الحكومة المغربي، السابق والحالي، ليس فقط عبر مقاربة وصفية، ولكن من خلال تحليل هذا الخطاب، وتأويله وتفسير العلاقات بين التمثلات الحاصلة في عملية الحوار.

وقد اعتمدت الدراسة في حصر عينات الخطاب لكل من رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران ورئيس الحكومة الحالية الدكتور سعد الدين العثماني، على مداخلاتهما المبثوثة عبر اليوتوب، مع تحويلها إلى نص مكتوب، وركزت بشكل أساسي على حلقتين من برنامج على قناة ميدي 1 تيفي، أداره الصحفي يوسف بلهيسي، الأول خاص بعبد الإله بنكيران (2015) بمدة (ساعة ونصف)، والثاني خاص بالدكتور سعد الدين العثماني (2017) بمدة (ساعة و20 دقيقة)...

هذا، وقدمت الدراسة، بشكل مختصر لمسار كل من الأستاذ عبد الإله بنكيران والدكتور سعد الدين العثماني، وتوقفت بشكل خاص على الحياة السياسية للرجلين. 

خطاب بنكيران والتدفق السلس للجمهور

انتهت الدراسة من خلال مقارنة خطاب رئيس الحكومة السابق والحالي، إلى تضخم المفردات الدينية في خطاب عبد الإله بنكيران (44 مفردة) وتقلصها في خطاب العثماني (فقط 3 مفردات)، وأن كلمة الملك، رددها بنكيران في هذا الحوار ثلاث مرات، بينما رددها العثماني أربع مرات، في حين وردت كلمة حزب العدالة والتنمية في خطاب بنكيران 30 مرة، بينما وردت في خطاب العثماني فقط 28 مرة، ولاحظت الدراسة تكرر لفظة المغاربة ومشاكلهم في خطاب رئيس الحكومة السابق 15 مرة، أكثر من رئيس الحكومة الحالي (فقط 10 مرات)، وسجلت الدراسة أن نسبة الخطاب للذات (أنا) في خطاب بنكيران مركزية، بحيث ترددت في خطابه 104 مرة، في حين سجلت على سعد الدين العثماني الحديث عن ذاته فقط 18 مرة، أما الحديث عن "نحن" فقد وردت في خطاب بنكيران 63 مرة، في حين وردت مع سعد الدين العثماني 70 مرة، وسجلت الدراسة مرة أخرى، تكرر لفظة " فهمتني أم لا" في خطاب بنكيران 17 مرة في حلقة واحدة، مؤكدة مركزيتها في خطاب رئيس الحكومة السابق.

وعلى مستوى مضمون الخطاب، أشارت الدراسة إلى أن رئيسي الحكومة السابق والحالي، كانا يسعيان لإظهار عمل الحكومة، وكيف تشتغل بقوة من أجل تحسين صورة المغرب، وأنهما في خطابهما كانا يتوسلان معا لغة بسيطة وسهلة، ويلجآن إلى استخدام بعض الأمثال المغربية، حتى يحققا القرب من الجمهور، كما أنهما يسعيان معا لتوضيح المساطر، وبرنامج العمل المستقبلي للحكومة، بحيث أن أغلب المتلقين للخطاب يمكن لهم فهم خطابهما، سواء كانوا أميين أم غير أميين، وأنهما في سبيل ذلك، يقدمان توضيحات وتفاصيل أكثر.

وقد لاحظت الدراسة أن السلاح الأقوى عند بنكيران هو اللغة الدينية، وأنه لا يستطيع أن يقول أي كلمة دون أن يعقبها بكلمة "إن شاء الله" أو "إذا أراد الله" وأنه يلجأ إلى هذا الخطاب ليؤكد للجمهور أنه صادق وجدي، وأنه يحتاج منهم كي يصدقوه، وأن هذا الخطاب يخلق تدفقا سلسا بينه وبين الجمهور. بخلاف خطاب الدكتور سعد الدين العثماني، فإنه يجيب فقط عن الأسئلة التي تشغله، وأنه لا يزيد عن الشرح المباشر للنقاط التي يريد أن يتحدث فيها، وأن أغلب إجاباته قصيرة، وأنه يريد أن يبعث برسالة أنه ليس هو الوحيد المسؤول في حزب العدالة والتنمية، وأن هناك مجموعة من القيادات التي تعمل بشكل جماعي ومشترك لتدبير قيادة الحزب..

بنكيران: الجمهور في قلب الخطاب

في تحليلها لخطاب بنكيران وفق الحجج الست لستيفان طولمين، اعتمدت الدراسة على عينات كثيرة من خطابات بنكيران وبيناته الخطابية، وركزت على استعمالاته لعدد من الصيغ، مستنتجة أنه يسعى بكل الوسائل لوضع الجمهور في قلب الخطاب، فهو يعرف إبلاغ الرسالة في الوقت المناسب، ويظهر أنه يهتم بالمواطنين، وينشغل بهمومهم، ويهتم بظروفهم، وذلك حتى يجلب اهتمامهم، ويضعهم في أفضل الشروط لتلقي خطابه، وأنه يتحدث عن نفسه، ليس لأنه مغرم بـ "الأنا"، ولكن، حتى يضمن الفرصة للجمهور ليكونوا أقرب إليه، ويسمح لنفسه بذلك لبناء علاقة متينة مع الجمهور، كما أنه يريد أن يقدم كل المعلومات للجمهور، ويحاول الربط بين الماضي والحاضر، لبناء خلفية صلبة للفهم بالنسبة للجمهور.

 

الناس في العادة، كما ترى الدراسة، لا يحبون أن يسمعوا "لا" أو "لا أستطيع"، ولذلك يلجأ بنكيران إلى وضع كل شيء بيد الله، الذي لا يمكن أن يسأل، أو يكون المرء غير راض عنه

وتستعين الدراسة بأهم النظريات التحليلية للخطاب في تفسير البينة الخطابية لدى بنكيران، وتخلص إلى أن إيراد قصة لوصل الماضي بالحاضر ليست فقط مفيدة، ولكنها أساسية لوضع الجمهور في قلب الخطاب.  

وتنعطف الدراسة لتحليل الحضور الكثيف للدين في خطاب بنكيران، مؤكدة بهذا الخصوص أن بنكيران يستعمل الدين في الخطاب لسببين اثنين، لأن الكائن الإنساني هو متدين بالفطرة والطبيعة، وأيضا لأن الناس لا يمكن لها أن تفصل فضاءها الخاص عن الفضاء العام. وسجلت الدراسة بهذا الخصوص أن بنكيران يعرف كيف يلعب بعواطف المغاربة، وحاجياتهم، ونقاط الضعف الخاصة بهم، وأنه يمتلك معرفة كافية تمكنه من إدراك كيفية التأثير فيهم، وأنه أشبه بطبيب نفساني يعرف نقاط ضعف المغاربة، وأنه لهذا السبب يردد لفظة "الله" بشكل مستمر. 

الناس في العادة، كما ترى الدراسة، لا يحبون أن يسمعوا "لا" أو "لا أستطيع"، ولذلك يلجأ بنكيران إلى وضع كل شيء بيد الله، الذي لا يمكن أن يسأل، أو يكون المرء غير راض عنه في حالة عدم تحقق ذلك. وترى الدراسة أن المغاربة هم أكثر حساسية اتجاه الدين، ولهذا كانوا يؤمنون ويثقون في رئيس الحكومة السابق وفي خطابه.

وترى الدراسة استنادا إلى عينات مختلفة من خطاب بنكيران، أنه يسعى دائما إلى إدماج المواطن في الوضعية للتفكير بعمق، مستعينا بالأسئلة، وأقوال الآخرين، وخطاباتهم وشهاداتهم، كما يظهر أنه يتقاسم مع الشعب قيمه وعقائده وهمومه، وحياته البسيطة، ولذلك لبناء مصداقية، تمكنه من إقناعهم بسهولة. وترى الدراسة أن بنكيران، يعي جيدا عواطف الجمهور، ويملك أيضا فن الخطاب، ورصد الحجج، التي يستعين بها لتغيير قناعات الجمهور. 

 

إقرأ أيضا: العثماني يخلف ابن كيران على رأس "العدالة والتنمية" المغربي

التعليقات (1)
مصري جدا
الإثنين، 14-01-2019 03:35 م
المطروح لغة الخطاب وليس الخطاب ،، لأن الخطاب يعبر عن المحتوى والبرنامج ،، وهو خطاب واحد لنفس الحزب ،،، لكن التعبير عنه من الطبيعي ان تتعدد اللغة في طرحة ،، تتعد لغة الخطاب بتعدد المتكلم المتلقي بل والأجواء والأحداث والاماكن ،،، عادي ،،، هنيئا لكم أنكم تملكون ترف طرح هذه الموضوعات ،،،