كتب

قراءة في كتاب جزائري عن "الإسلام السري" وأسئلة الراهن

كتاب يدعو إلى التمييز بين المطلق والنسبي عند الحديث عن السياسة في الإسلام
كتاب يدعو إلى التمييز بين المطلق والنسبي عند الحديث عن السياسة في الإسلام

عاد الكاتب الصحفي أحميدة عياشي إلى سرديات التاريخ الإسلامي لتتبع ما أسماه بالإسلام السري من خلال تناول التاريخ الآخر للمسلمين، التاريخ المنزاح عن الرواية المعتمدة رسميا.

كتاب أحميدة ـ الصادر عن دار "الوطن" الجزائرية لصاحبها الكاتب والناشر كمال قرور ـ حمل عنوانا إشكاليا، "مقالات في الإسلام السري.. صراع الدين والسياسة".. فما هو المراد من صيغة الإسلام السري؟ 

 

عودة لصدر الإسلام 


في الكتاب استحضار لما حوته سرديات تراثية وحداثية عن الأحداث التي عرفتها فترة صدر الإسلام، سرديات تعددت في اتجاهاتها التأويلية للروايات وفي صيغ سردياتها وفي الجوانب التي ركزت عليها. وهي عودة سلكها عدد من الكتاب والباحثين المعاصرين مثل طه حسين وأحمد أمين والعقاد ومحمد حسين هيكل وعبد الرحمن الشرقاوي ومعروف الرصافي وهادي العلوي ومحمد طالبي والعفيف الأخضر وهشام جعيط ومحمد عابد الجابري ومحمد أركون و حسن حنفي وأدونيس وسيد القمني وحسين أحمد أمين وخليل عبد الكريم وإبراهيم عيسى وهالة الوردي...الخ.
 
والعودة لصدر الإسلام تبقى متجددة لأن كل الصراعات والتوترات مرتبطة بما تراكم ومرتبطة أساسا بطريقة تمثل ذلك التراكم وبالكيفيات التي جرى بها إعادة بعثه والآليات التأويلية التي وظفت لأغراض مرتبطة بالتنازع حول السلطة، فما يحدث هو حرث لحصاد ما سبق أو بتعبيرات الاقتصاديين مخرجات لمدخلات معيّنة.

 

اقرأ أيضا: نقد التاريخ الإسلامي.. بين الموقف العلمي والهوى السياسي

عودة تختلف باختلاف منطلقات وأهداف أصحابها، وعودة بديهية لأن استيعاب ذلك التاريخ مفتاح لتمثل الحاضر ورصد إحداثيات الوجهة واستشراف الآتي.
 
وسبق لأحميدة الكتابة عن التيار الإسلامي في الجزائري، وكان ممن لهم سبق التأليف عن الحركة الإسلامية في الجزائر، وكتب في مطلع التسعينيات كتاب "الإسلاميون بين السلطة والرصاص"، الذي تم سحبه من السوق، وحضر هاجس التاريخ في نصوصه ومن بينها روايته "متاهات ليل الفتنة".

يبدأ كتابه بلحظة وفاة النبي عليه الصلاة والسلام، لحظة مدشنة لما سيليها، استحضر ما كتب في المصادر وسعى إلى تقديم قراءة تتضمن في الحقيقة محاولة لتمثل صراعات الراهن، صراعات تعيد استنساخ ما مضى، استنساخا يوّلد الفجيعة، وهذا ما سبق له توظيفه في روايته "متاهات ليل الفتنة"، لما استعاد ثورة صاحب الحمار ضد الدولة الفاطمية وما تبعها من مأساة.

وفي الكتاب استحضار لتشكل المذهبيات كنتيجة للمجابهات التي عرفها صدر الإسلام، ولذلك صلة بتاريخ الجزائر التي كانت أول دولة تأسست في عهدها الإسلامي هي الدولة الرستمية ذات المرجعية الإباضية، ومن الجزائر كانت نواة التأسيس للحركة الفاطمية التي انطلقت لتقيم دولتها وتبني القاهرة، وعرفت الجزائر صراعا سبق لأحميدة استثماره في روايته "متاهات ليل الفتنة".

ويكتب عن الدولة الرستمية: "وهكذا تمكن رجل يدعى عبد الله بن أباض الذي كان معروفا بمعارضته وانتقاده للسلطة الأموية كيف يحول حلم أولئك الذين اضطهدوا بسبب أفكارهم واختلافهم من طرف الأمويين والعباسيين إلى حقيقة تاريخية وسياسية، وذلك ليس من خلال تأسيس الدولة وحسب، بل لفتح المجال واسعا أمام الأفكار لتصبح دليل طريق لطائفة كبيرة من طوائف المسلمين".

وهناك تباين بين تعاطي يسقط بتعسف معطيات الراهن على أحداث الماضي وبين تعاطي يضع الأحداث في سياقها الزمني بكل ما يكتنفه من ملابسات. بين تعاطي منطلق من أفكار مسبّقة وبين تعاطي ينشد بلورة وعي يتجاوز ما ترسب ليفتح أفقا.

يكتب أحميدة: "لقد كشف رحيل الرسول أن الخلاف بين أطراف النواة الصلبة للدولة الإسلامية الناشئة لم يكن على أساس ديني بل كان خلافا سياسيا واضحا، ارتبط بالسلطة أو ما كان يسمى "بالإمامة" وهو بحسب الأشعري (أول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين ـ بعد نبيهم ـ اختلافهم في الإمامة، وفي نظر الشهرستاني.. وأعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان".

 

اقرأ أيضا: الأزمة الدستورية في الفكر الإسلامي.. أصلها ومساراتها

إن العودة إلى الخلفيات التاريخية يبقى حاضرا ولا بد منه، وفي كل فترة تستدعي الحاجة ذلك، وفي كل فترة تتبلور آليات ومعطيات تساعد على إبداع تمثل جديد، تمثل يعيد القراءة، بوعي يفصل بين المثالي والواقعي، ويؤنسن التجربة أي يستوعب تناقضاتها وصراعاتها، فمن البداية تبلور الصراع بين ثلاثية عبّر عنها محمد عابد الجابري بالعقيدة والقبيلة والغنيمة، صراعات تزامنية وتعاقبية، وطرح مالك بن نبي ما عبّر عنه بأطوار الروح والعقل والغريزة.. 

وربما من الأساسي العودة لما أبدعه ابن خلدون من مقاربة في مقدمته التأسيسية فالبدو ظلوا كما يكتب أحميدة: "مشدودين إلى عاداتهم وثقافتهم القبلية وولاءاتهم العتيقة إلى سلطة القبيلة بدل هذه الأمة الجديدة التي لم يمر وقت طويل على انبثاقها بحيث كانت في طور التكوين ولا تزال تعاني من الهشاشة من التمكن من القوة، قوة الدولة القادرة على فرض الطاعة وعلى الحفاظ على النظام الجديد الذي لم تكن قد استساغته مختلف القبائل التي لم تر بعين الرضا إلى انتقال السلطة الرمزية والسياسية إلى قريش القبيلة المنافسة والغريمة ..".

انطلاقا من ذلك كانت مقاربة أحميدة، وهي مقاربة مرتبطة بدوره السجالي في المشهد الثقافي والإعلامي الجزائري ـ ولقد أثار في السنة الماضية سجالا بخصوص تاريخ ومسار ابن باديس.

وتنخرط القراءة في سياق مراجعات تتباين وتتقاطع، مراجعات منها ما يسعى إلى الفصل بين المطلق والنسبي، بين الديني في أصوله وبين الدنيوي باشتباكاته، وهناك التباسات مترتبة عن التمترس بالديني في السعي لتملك الدنيوي.

 

اقرأ أيضا: طه حسين.. من الإسلام إلى الإسلام!

فمثلا محمد أركون انتقد ما أسماه بالإسلاميات الكلاسيكية وهي "خطاب غربي حول الإسلام" وتحصر تلك الرؤية اهتمامها بدراسة الإسلام من خلال كتابات الفقهاء المتطلبة من قبل المؤمنين، ويتم إهمال الممارسة أو التعبير الشفهي للإسلام وإهمال المعاش غير المكتوب وغير المقال، وإهمال المعاش غير المكتوب لكن المحكي وإهمال المؤلفات والكتابات المتعلقة بالإسلام، المنظور إليه بأنه غير نموذجي أو تمثيلي وإهمال الأنظمة السيميائية غير اللغوية، من ص 51 إلى  54 "تاريخية الفكر العربي الإسلامي"، وطرح كبديل ما أسماه بالإسلاميات التطبيقية.

في كتاب أحميدة اعتبار للعوامل ذات الطابع الأنثربولوجي والسوسيولوجي والسيكولوجي في مقاربة ومحاولة تمثل التاريخ وفك شيفراته. و للأسف لم يحدث ما كتبه أحميدة نقاشا، وربما ذلك ما يفصح عن وضع البؤس المكتسح ثقافيا في الجزائر، نتيجة غياب المنابر الثقافية ونتيجة هشاشة شبكة توزيع الكتب.

*كاتب جزائري

التعليقات (1)
مواطن صالح و شريف.
الجمعة، 18-01-2019 06:30 م
الكل يعلم ان الاسلام دين سماوي ارتضاه الله تعالى لعباده الذين يعيشون على ارضه ويقتاتون من رزفه . من اخذ به نجى دنيا واخرة و من تخلى و ادبر خاب و خسر . للاسف لم يسمح للاسلام السياسي ان يثمر و يزدهر و تجربة الجزائر و تونس ومصر معروفة .اذن لا يجب ان نحمل الاسلام ما لايتحمله وشكرا .