قضايا وآراء

مصر: العمل الإسلامي السياسي بعد 8 سنوات من ثورة يناير إلى أين؟

أسامة رشدي
1300x600
1300x600

مما لا شك فيه أن ثورة يناير قد باغتت التيار الإسلامي كما باغتت جميع القوى السياسية الأخرى، في انطلاقتها ونتائجها التي أسقطت مبارك بعد 30 عاما في السلطة.

وقد نتج عن ذلك واقع جديد حصلت من خلاله الحركة الإسلامية بجماعاتها المختلفة للمرة الأولى على الحق في التنظيم السياسي، لتؤسس بناء على ذلك عددا من الأحزاب السياسية التي كان يشار إليها باعتبارها الذراع السياسي لهذه الحركة أو تلك الجماعة.

ولادة هذه الأحزاب السياسية من رحم الجماعات الإسلامية منحها بالتأكيد قدرا من الامتياز، وذلك لتجذر هذه الجماعات واتساع رقعة عضويتها ونشاطها الدعوي والاجتماعي والخيري والاقتصادي، مما أكسبها قدرا كبيرا من الجماهيرية التي حملتها للسلطة، سواء من خلال الانتخابات البرلمانية بمجلسيها الشعب والشورى أو من خلال فوز أحد رموزها، وهو الدكتور محمد مرسي، بالانتخابات الرئاسية، كأول رئيس مدني منتخب في انتخابات تعددية حقيقية.

وبعد ثماني سنوات على ثورة يناير، نحتاج لتقييم أداء الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم الجماعات الإسلامية، في إطار الفرص والتحديات التي واجهتها، وأين كان الخلل في الإخفاقات التي تحققت بعد هذه الانتكاسة السياسية التي أدت لتراجع المشروع الإسلامي بعد النجاحات الكبيرة التي تحققت طوال الأربعين عاما الأخيرة.

 

نحتاج لتقييم أداء الأحزاب السياسية التي خرجت من رحم الجماعات الإسلامية، في إطار الفرص والتحديات التي واجهتها، وأين كان الخلل في الإخفاقات التي تحققت بعد هذه الانتكاسة السياسية التي أدت لتراجع المشروع الإسلامي

لا أزعم أنني سأجيب على هذا التساؤل في مقال، فالأمر يحتاج ربما لكتاب، ولكن واجب المراجعة والنقد الذاتي تحتاج لسرعة فتح باب النقاش الواسع لإعادة تقييم هذه التجربة، ومن ثم تصحيح ما يجب تصحيحه، حتى يمكن لهذا التيار الكبير أن يستمر في ممارسة دوره السياسي الذي لا يستطيع أحد مهما علا شأنه وتضخمت قوته أن يعزله سياسيا أو يقصيه مجتمعيا، ولكنني سأركز هنا على هيكلية هذه الأحزاب ومدى استقلالها عن الجماعات التي أسستها.

وأستطيع القول إن هذه الأحزاب السياسية لم تتمتع يوما ما بالاستقلالية عن الجماعات التي أسستها، والتي تعاملت معها بوصفها واحدة من لجان الجماعة، بل إن أخطر القرارات التي اتخذتها هذه الأحزاب قد جرى اتخاذها خارج هذه الاحزاب، ومن أبرزها قرار مجلس شورى الإخوان بخوض الانتخابات الرئاسية في آذار/ مارس 2012، على الرغم من وجود قرار سابق للجماعة اتخذ في10 شباط/ فبراير 2011 بعدم الترشح لمنصب الرئاسة، وتم ترشيح المهندس خيرت الشاطر من قبل مجلس شورى الجماعة، ثم ترشيح الدكتور محمد مرسي الذي جرى في اللحظات الأخيرة وقبل غلق باب الترشيح، بعد أن استيقنوا من رفض ترشيح المهندس خيرت الشاطر لأسباب قانونية. ويدرك الجميع الآن تداعيات هذه الخطوة على مسار الأحداث اللاحقة.

وشهد حزب النور الذي أسسته المدرسة السلفية والذي حصل على 20 في المئة من عدد مقاعد مجلس الشعب؛ انقساما بعد أشهر من تأسيسه، حيث استقال رئيسه الدكتور عماد عبد الغفور وعدد من قيادته، وأسسوا بعد ذلك حزب "وطن"، بعد أن اتضح لهم أنهم خارج دائرة القرار الذي كان يتفرد به الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس المدرسة السلفية، متجاوزا بذلك هياكل الحزب.

ولم يشذ عن القاعدة حزب البناء والتنمية، والذي كانت قيادات الجماعة الإسلامية تتعامل معه باعتباره أحد لجان الجماعة.

وكذلك الأحزاب السياسية السلفية التي أسسها بعض المشايخ كأذرع سياسية للمجموعات السلفية، كحزب الإصلاح وحزب الفضيلة وحزب الأصالة.

الحركة الإسلامية باغتتها الثورة وتقدمت بالمتاح لديها لضغوط الوقت وتواضع الخبرات السياسية، فلم تستوعب سريعا التعقيدات التي أمامها، مع تكالب الأعداء وكثرتهم داخليا وإقليميا ودوليا، فلم تتمكن من بناء هياكل قيادية وإدارية مستقلة قادرة على المناورة ودراسة البدائل الممكنة، فكانت طيعة وسهلة القياد والاستجابة للمؤامرات، مما سهل للثورة المضادة مهمتها التي أنجزتها في أشهر معدودة، لتدخل مصر بعدها في نفق عميق من الفاشية العسكرية والاستبداد.

 

الحركة الإسلامية باغتتها الثورة وتقدمت بالمتاح لديها لضغوط الوقت وتواضع الخبرات السياسية، فلم تستوعب سريعا التعقيدات التي أمامها

وإذا كنا قد التمسنا الأعذار لهم في السابق، فاليوم وبعد مرور كل هذا الوقت، تصر هذه الجماعات الإسلامية على العمل بنفس الطريقة، وبنفس الأسلوب القديم الفاشل، ولا تدرك أن هذه الكيانات كالشركات والمؤسسات التي إذا تعثرت نُصحت بإعادة الهيكلة وتصحيح الأخطاء لتنطلق من جديد.

هناك حاجة ماسة للمراجعات اليوم قبل الغد، فمن لا يتعلم من تجاربه وأخطائه لن يكون جديرا بالنجاح من جديد.

الأحزاب السياسية هي مؤسسات ومدارس متخصصة؛ تعد القيادات السياسية المؤهلة للمشاركة في قيادة بلادها في مختلف المجالات، سواء السياسية أو الاقتصادية أو القانونية، أو في مجالات التعليم والصحة والزراعة والري والبيئة وغيرها من مجالات الحياة. ولا يعني التخصص فيها فصلا للدين عن السياسة، أو انتقاصا من رؤية هذه القيادات الحزبية وآرائها الشخصية والحزبية في ما يتعلق بالنموذج الذي تتبناه عند معالجة القضايا، كما يحدث في العالم كله، حيث يقع التنوع في البرامج والرؤى، وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "انتم أعلم بأمور دنياكم".

أما الأحزاب ذات الازدواجية التنظيمية، فقد أضرت بقضيتها، سواء الإسلامية كالدعوة والعمل الاجتماعي أو الخيري، وأضرت أيضا بمهمتها الأساسية وهي العمل السياسي، وساهمت في إحداث قدر من التشوش والخلط وعدم وضوح الرؤية؛ استغله أصحاب الثورة المضادة عندما روجوا للهتاف الشهير "يسقط حكم المرشد"، رغم أن المرشد كان أو (ينبغي له أن يكون) أبعد الناس عن مؤسسة الحكم واتخاذ القرار.

 

الأحزاب ذات الازدواجية التنظيمية، فقد أضرت بقضيتها، سواء الإسلامية كالدعوة والعمل الاجتماعي أو الخيري، وأضرت أيضا بمهمتها الأساسية وهي العمل السياسي، وساهمت في إحداث قدر من التشوش والخلط وعدم وضوح الرؤية

الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية في حاجة ماسة لكي تؤكد على استقلالها التنظيمي والمالي عن أي كيان آخر، مع كامل الاحترام لهذه الجماعات وتاريخها، والتي يجب المحافظة عليها، وتجنيبها تبعات التفاعلات والمعارك الخاصة بالعمل السياسي، في بيئة تفتقر لرسوخ قواعد الممارسة السياسية، وأن تركز هذه الأحزاب على ممارسة العمل السياسي في إطار التقاليد والممارسات التي تسري على الجميع. وهذا سيسهم بالتأكيد في بناء المظلة السياسية الجامعة التي تحتاجها مصر الآن لإحداث التغيير ومواجهة الفاشية العسكرية والاستبداد؛ الذي استفاد من أخطائنا وضخمها ولعب عليها.

السنوات تمر، ويجب عدم إهدار الفرصة التي وفرتها بلاد المهجر التي يعيش فيها عدد لا بأس به من هذه القيادات القادرة على اتخاذ القرارات الحاسمة؛ لترشيد العمل السياسي الإسلامي وإعادة الاعتبار للتخصص وعدم خلط الأوراق، والانطلاق من جديد، فالحكمة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها.

التعليقات (1)
مصري جدا
الأربعاء، 23-01-2019 11:47 ص
الفاضل المحترم أسامة رشدي ،،، اولا ،،،موضوع النقد والتقييم والتقويم منهج علمي لمن أراد التواجد والمزاحمة في دنيا الناس ،، وازاحته آو تأجيله لأي مبرر هو هروب من تحمل المسؤلية والمحاسبة ،،، ثانيا ،، التخصص الوظيفي الذي تدعو إليه أصبح مطلوبا وملحا ،، وهو التطور الطبيعي للحركة الإسلامية اذا أرادت لنفسها مكانا في المقدمة بعيدا عن الحشد والتعبئة ،،، شغل المقاولات في حشد العمال والانفار ،،، والذي أثبت فشله وعدم فاعليته أمام الأنظمة القمعية التي لا يعنيها ارواح الشعوب ،، الحشد أمامها خطيئة لأننا نقدم لها خيرة الشباب الى مذابح وسلخانات الإحرام ،، الحشد دون رؤية او خطة للمقاومة والحصار جريمة في حق الوطن والمواطن لأنك تجعل منهم منصات النشان و الاستهداف ،، وهذا ما حدث في مصر ،،، ثالثا ،،، بقايا منصات القيادة في الحركة الاسلامية وفي المقدمة الإخوان لا رهان عليهم فقد انتهت دورة حياتهم في الإدارة والتنظيم بعد جولات الفشل والإخفاق المتكررة ،،، رابعا ،،، إتاحة الفرص لمنصات قيادة بديلة وجديدة هو واجب الوقت ،، منصات قيادة قادرة على صناعة أدوات إعادة التوازن لمعادلة الصراع القائم ، وأيضا قادرة على امتلاك رؤية لمرحلة ما بعد السيسي و الانقلاب الآثم حتى لا نكرر الأخطاء والخطايا السابقة والحالية ،،