كتب

الخيار العروبي والنزعة الأمازيغية في الجزائر 2من4

قال بأن أمازيغ الجزائر ليسوا كتلة واحدة، وأن غالبية النافذين في المؤسسة العسكرية منهم- الأناضول
قال بأن أمازيغ الجزائر ليسوا كتلة واحدة، وأن غالبية النافذين في المؤسسة العسكرية منهم- الأناضول

الكتاب: البربر الأمازيغ عرب عاربة ـ وعروبة الشمال الإفريقي عبر التاريخ
الكاتب: الدكتور عثمان سعدي
الناشر: دار الأمة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر.
الطبعة الأولى: 2018 ـ 269 صفحة من القطع الكبير.


بعد استقلال الجزائر، أسس الفرنسيون الأكاديمية البربرية 1967 في جامعة باريس 8 فانسين، وذلك من أجل تعميق خطتهم في الإبقاء على الجزائر المستقلة، في فلك التأثير الفرنسي. بدأت هذه الخطة تنفذ منذ مجيء الجنرال ديغول للحكم سنة 1958، الذي كان مقتنعاً أن الجزائر مستقلة لا محالة، وأن الذي يبقيها مرتبطة بفرنسا هو الإبقاء على وضع اللغة الفرنسية المهيمن على الحياة الجزائرية. وأعطى تعليمات بتوسيع ما يسمى (ببروموسيون لاكوست)، والتي تتمثل في إعداد مئات من الإداريين الجزائريين الشبان في المراكز الإدارية الفرنسية، لكي يخلفوا الفرنسيين الذين كانوا يسيطرون على الإدارة بالجزائر. وكان ديغول مقتنعاً أن هؤلاء سيغادرون الجزائر بعد الاستقلال.

وتأسست الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بالقاهرة في نفس السنة لمجيء ديغول للحكم سنة 1958، وبدل أن تعد خطة مضادة لخطة ديغول، وذلك بأن تؤسس نواة لإدارة الدولة الجزائرية باللغة العربية (كما فعل هو شي مينه ورفاقه في تاريخ الثورة الفيتنامية)، معتمدة على مئات الطلبة الجزائريين الذين كانوا يدرسون في جامعات ومعاهد المشرق العربي، في الزيتونة بتونس، والقرويين بالمغرب العربي. بدل أن تفعل ذلك أحضرت طلاب الجامعات الفرنسية إلى القاهرة، وكونت منهم إدارة الدولة الجزائرية باللغة الفرنسية، ومعنى هذا أنها نفذت خطة مكملة لخطة ديغول. 

وهكذا فتح الباب على مصراعيه منذ 1962 لتحقيق ما عجزت فرنسا عن تحقيقه في قرن وثلث قرن من الاستعمار المباشر، ألا وهو (الجزائر الفرنسية). وتحققت بذلك نبوءة ديغول التي أطلقها سنة 1962، عندما علق على استقلال الجزائر فقال: "الجزائر حرة لكنها جزائر ـ فرنسية". وقد ذكرت جريدة لوموند الفرنسية بنبوءة ديغول هذه في عددها الصادر يوم 20 آب (أغسطس) 1994، للتأكيد على بقاء الجزائر فرنسية.

واستمرت الأكاديمية البربرية في باريس تعمل، تحت رعاية الأجهزة الفرنسية الخاصة، وسخرت لها أموالاً ضخمة، وهدفها البعيد ليس خدمة البربرية، ولا البربر، وإنما خدمة بقاء هيمنة اللغة الفرنسية بالجزائر وبالمغرب العربي. ويرى استراتيجيو الاستعمار الفرنسي الجديد أن الشعب الجزائري لا بد وأن يقسّم إلى شعبين: شعب يتكلم البربرية وشعب يتكلم العربية، حتى يضمن أن تبقى وإلى الأبد، اللغة الفرنسية لغة مشتركة بين الشعبين. وما دام المغرب الذي توجد فيه أكبر نسبة من الناطقين بالبربرية: 60 بالمائة من السكان. (النسبة بالجزائر 20 بالمائة)؛ منضبطاً داخل النادي الفرانكفوني، ملتزماً بإبقاء الفرنسية في ميدان تدريس العلوم بالتعليم العام والجامعة، مسيطرة على الكليات العلمية بالجامعة وعلى الميدان الاقتصادي، فينبغي ألا تثار المسألة البربرية فيه. 

 

إقرأ أيضا: أمازيغي مغربي يُحذّر من أجندات غامضة خلف احتجاجات "الساعة"

أما الجزائر التي تملك خلفية ثورة أول نوفمبر، فيبقى فيها خطر التعريب قائماً على استمرار هيمنة اللغة الفرنسية. ولهذا فقد كونت الأكاديمية البربرية في باريس، منذ تأسيسها سنة 1967، مجموعة من الجزائريين وأعطتهم الجنسية الفرنسية، وعلى رأسهم سالم شاكر، وتاسعديت ياسين، ومنحتهم شهادات الدكتوراه في الدراسات البربرية، ووجهتهم لإدارة عملائها بالجزائر، ويقوم شاكر بجولات بالعالم على نفقة الأجهزة الفرنسية الخاصة، يحاضر فيها الجزائريون المقيمون بالمدن الأوروبية والأمريكية حول المسألة البربرية، من وجهة نظر فرنسا.

الأحزاب البربرية والصراع على هوية الدولة الجزائرية

توجد في الجزائر أحزاب تمثل البربر تحديداً، والواقع أن هناك قطبين سياسيين يتنازعان الخريطة الأمازيغية ، الأول هو "جبهة القوى الاشتراكية" التي كان يتزعمها الزيم الراحل حسين أيت أحمد، والثاني "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" الذي يقوده الدكتور سعيد سعدي. والقطبان متنافران ومتخاصمان، فإلى جانب المنافسة على النفوذ هناك الخلاف الأيديولوجي، فاشتراكيو حسين أيت أحمد يدعون إلى إشراك "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة في الحوار الوطني، ويطالبون بإعطاء البربر الحقوق الثقافية بما في ذلك الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية في البلاد، وهم يعتبرون أن نيل هذه الحقوق يندرج في إطار تحقيق مستوى عال من التنوع الثقافي الذي يساهم في تعزيز الوحدة الوطنية للجزائر، ويعبد طريق نهضتها والتحول الديمقراطي فيها.

أما "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" فهو حزب فرانكفوني يدعو إلى "إعادة الاعتبار إلى اللغة الفرنسية لأسباب فنية وعلمية"، لأنه يعتبر ذلك مدخلا إلى إنهاء دور اللغة العربية. وهو يرفض مشروع التعريب في الجزائر، ويدعو إلى وقفه، ويطالب بإقرار اللغة الأمازيغية لغة وطنية رسمية ثانية بصورة متكافئة مع اللغة العربية. وهو حزب علماني مفرط في تطرفه الفرانكوفوني، إذ يعتبر الحركة الإسلامية الأصولية نوعا من الكوليرا والطاعون التاريخي، ويرتبط بعلاقة قوية مع جنرالات الجيش الذين لهم ميول كبيرة للفرانكوفونية، وهو أقرب ما يكون إلى فرنسا منها إلى الجزائر العربية المسلمة. وقد شارك سعيد سعدي في الائتلاف الحكومي ولم ينسحب منه إلا بعد الانفجار القبائلي، وعلى خلفية عدم خسارة شعبيته التي انعطف قسم منها في اتجاه خصمه اللدود حسين آيت أحمد، الزعيم التاريخي والمعارض الدائم للحكم منذ 1990 ، ولعله الأكثر تجسيدا ً للتطلعات القبائلية.

 

من المعروف تاريخيا أن كبار الجنرالات الأكثر نفوذا في الجيش الجزائري هم من البربر


ويلتقي حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" موضوعيا وسياسيا مع الأقلية الثقافية البربرية الأكثر تطرفاً التي تطالب بانفصال البربر، والتي لها منظرون، وتجمع الأموال في الخارج، وتشتري أسلحة ترسلها إلى تيزي أوزو وبجاية، إذ يقيم صقور هذه الحركة البربرية في فرنسا وبلجيكا وايطاليا واسبانيا، ويعقدون مؤتمرات دورية. ويعتقد المحللون السياسيون للشؤون الجزائرية أن هذه الأقلية المتطرفة من صفوف البربر قد تكون وراء البيان الذي أعلن ولادة الجناح المسلح باسم "الحركة البربرية المسلحة". وهكذا تتحول اللغة الأمازيغية في الجزائر إلى برميل بارود جاهزة فتائله للانفجار في أي لحظة. 

ومن المعروف تاريخيا أن كبار الجنرالات الأكثر نفوذا في الجيش الجزائري هم من البربر. وفيما يسيطر الشاويون على الجيش الجزائري، فإن المخابرات الجزائرية التي أسسها العقيد عبد الحفيظ بوصوف في عام 1960 "وهو بربري"، وتتكون من الأجهزة التالية: جهاز الأمن العسكري، وجهاز مكافحة التجسس، وجهاز الأمن الخاص، وجهاز الأمن الخارجي ـ يسيطر عليها الأمازيغ من القبائل.

وبالفعل فإن استعراضاً لأسماء قيادات المخابرات يؤكد ذلك، فقاصدي مرباح، والجنرال محمد بتشين، والجنرال محمد مدين الملقب بـ "سي توفيق" الذي كان قبل إزاحته من قبل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منذ ثلاث سنوات، يُعَدُّ المسؤول الأول عن أمن رجال المؤسسة العسكرية كما عن أمن ثكنة "بني مسوس" التي تخرج كوادر الأمن الاستخباري والعسكري، هؤلاء كلهم من البربر، إضافة إلى معظم السفراء ومديري البنوك والمؤسسات، وأصحاب الفنادق، ومديري الإدارات. وفضلا عن ذلك فإن الفساد كآلية من آليات الحكم إنما ركزتها في الجزائر الأقلية الشاوية ومعها من القبائلية، فتغلغلت في مختلف أجهزة الدولة، وكل من هدد مصالح الأقلية الشاوية والقبائلية كان مصيره النفي عن مجالات التحرك الحيوي للشاويين، لا سيما في مجال الفضاء السياسي.

إن هذه الحقيقة التي قلما يلتفت إليها المحللون السياسيون في العالم العربي تجعل السؤال الموجه إلى الحركة البربرية السياسية قاسيا جداً، هل تعارضون دولة أنتم عمادها وأصحاب القرار فيها، أم أنكم تخوضون صراعا داخل العشيرة بين القبائل والشاوية، أم أن تعريفكم للبربري فذلكة إعلامية، أم أن هذه المعارضة تخوضونها لغير حسابكم؟ 

العرب في الجزائر هم المهمشون الحقيقيون، وحظهم في هذا الحديث قد يكون أوفر من حظ البربر. فمن يشتكي من الآخر، ومن يحكم فعليا في الجزائر؟ وهل يعيش العرب في "بحبوحة" بينما يتخبط البربر في الفقر والبطالة؟ ثم أليست المشكلات التي تعاني منها الجزائر تشمل كل مكونات وفئات المجتمع الجزائري، مثل البطالة وأزمة السكن والأزمة الاقتصادية والاجتماعية؟ 

 

هذا مدار حديث الفصول المقبلة من الكتاب..

 

إقرأ أيضا: الخيار العروبي والنزعة الأمازيغية في الجزائر (4-1)

4
التعليقات (4)