كتاب عربي 21

أمراض نفسية

جمال الجمل
1300x600
1300x600

(1)
طالبتُ أكثر من مرة بضرورة فحص الديكتاتور عبد الفتاح السيسي للاطمئنان على قواه العقلية وصحته النفسية، ولم تنطلق مطالبتي من أي إهانة شخصية للرجل الذي تبدو الأعراض السيكوباتية واضحة في كلماته وتصرفاته. بالعكس، كنت أنطلق من نقطة عصرية حديثة في تطبيق المعايير العلمية السلمية لضمان سلامة المجتمع، وضمان سلامة الشخص محل الفحص، خاصة وأن السيسي نفسه يعرف أم مثل هذه الفحوصات وأكثر لا بد من تطبيقها على قائد طائرة، وبالتالي فمن الأولى تطبيقها على قائد دولة.

وكما تقتضي شروط الالتحاق بكليات الطيران مثلا إجراء فحوصات شاملة للطالب الذي يتقدم للدراسة، بحيث يتم الاطمئنان على توفر الصفات الصحية والنفسية والعصبية التي تؤهله لقياد طائرة، فمن الضروري أن نطبق هذه المعايير بنفس الجدية على المتقدمين للمناصب المؤثرة في قيادة البلاد، وفي مقدمتها منصب رئيس الجمهورية، كما يجب أن يخضع الرئيس لفحوصات دورية يتم إعلان نتائجها من جانب الجهة المنوط بها إجراء هذه الفحوصات، وهي جهة غير موجودة في مصر، لأن الهيئة الوطنية للانتخابات ليست إلا جهة شكلية هزلية تمارس صلاحياتها في حدود ما تمليه إرادة الجهة التي منحتها حق الوجود، وبالتالي فإنها لا تطبق المعايير الدستورية والديمقراطية بنزاهة وحياد، ومن ذلك شرط الفحص الطبي الذي لا يتجاوز منطقة تستيف الأوراق، أو استخدامه كوسيلة لتصفية المنافسين غير المرغوب في ترشحهم.

 

من الضروري أن نطبق هذه المعايير بنفس الجدية على المتقدمين للمناصب المؤثرة في قيادة البلاد، وفي مقدمتها منصب رئيس الجمهورية

((3)
قبل أيام كتبت عن موقفي من مبادرة منسوبة لجماعة الإخوان المسلمين بعنوان "نداء لرفقاء الثورة، وكانت عبارات رفض المبادرة تتضمن توصيفات من نوع "الهذيان" والوسواس القهري" و"الارتياب المرضي" و"النكوص" و"الانكفاء"، وهي مصطلحات ترتبط بعلم النفس والأمراض النفسية أكثر مما تربط بعلوم السياسة وأمراضها، ولست بحاجة لإعادة التوضيح أن هذه التوصيفات لا تتعمد الإهانة أو الاحتقار أو السخرية، لكنها (كما شرحت في كلامي عن السيسي) تعبيرات علمية ينبغي الانتباه لها ومناقشتها. فإذا كانت توصيفات خاطئة نصححها، وإذا كانت صحيحة فإنها لا تفضي إلى حكم بالإعدام، بل إلى قرار بالعلاج وتحسين الصحة النفسية والعقلية، لتحسين الأداء تجاه الذات وتجاه الآخرين.


(3)
عندما فكرت في كتابة هذا المقال، لم أكن أفكر أصلا في استعادة الحديث عن صحة السيسي النفسية، ولم أكن أيضاً قد كتبت شيئا عن مبادرة الإخوان؛ لأنها لم تكن قد ظهرت، لكنني كنت أفكر في الصحة النفسية للمجتمع كله.. كنت أفكر فينا نحن، وكان تفكيري يتجاوز الأحاديث القديمة عن صفات الشعب المصري التي ترسبت بعد قرون من القمع والظلم والمركزية الطاردة، وهي صفات تحولت إلى "هوية شعبية نمطية" حسب استخلاصات بعض المستشرقين والمختصين بدراسة ما يسمى "الشخصية القومية"؛ الذين رموا المصريين بصفات مثل الفهلوة والخنوع ونفاق السلطة، وأحيانا العشوائية أو "الفرعنة"، أو استخدام الحيلة بدلا من المواجهة المباشرة.

وفي المقابل، انتقد دارسون مصريون هذا التنميط، وحاولوا إظهار الجانب الإيجابي من نفس القيم، فاعتبروا الفهلوة شطارة، واعتبروا الخنوع والنفاق والتحايل من وسائل تجنب ظلم الحكام، واعتبروا العشوائية نوعا من الحلول الشعبية لعلاج تقصير السلطة. وكما قلت، فإنني لم أكن أفكر في استعادة هذا الجانب من الأحاديث القديمة.. كنت أفكر أكثر في أعراض المرض النفسي التي ظهرت في المجتمع نتيجة الصدمة الهائلة التي أحدثتها ثورة يناير، بتطلعاتها وانكساراتها معاً.

 

تتضمن علوم النفس دراسات مستفيضة للأعراض الجمعية التي تصيب المجتمعات في أعقاب المحن، كالحروب والكوارث الطبيعية، أيضا في حال انكسار الأحلام وانهيار التصورات الجمعية


(4)
تعبير "الصدمة" يبدو لي مناسبا جداً لأنه يربط بين التاريخي والنفسي، وقد تم استخدامه كثيرا في تاريخنا. ولعل أبرز أمثلته يرتبط أكاديميا بانتقال مصر من العصور الوسطى إلى العصر الحديث، حيث مثلت الحملة الفرنسية في نهايات القرن الثامن عشر "صدمة" لوعي المصريين في العالم، أطلق عليها المثقفون: صدمة اللقاء الحضاري بين شرق متخلف وغرب متقدم. فقد كانت مصر مدفونة في كهف الوالي العثماني الذي يحرسه مماليك جباة احتكروا كل المزايا، وحبسوا الشعب في سجون الضنك والجهل والمرض. هذا على الصعيد التاريخي، أما على الصعيد النفسي، فإن أعراض المرض النفسي الجمعي تبدو واضحة في الفئات المتصارعة التي ورثت المجتمع القديم (المتماسك بالضرورة والإذعان)، ما أدى إلى تفسخ منظومة القيم القديمة دون قدرة على بناء منظومة غيرها. وبالتوازي، اتسعت رقعة المرض النفسي لدى الأفراد، وعجزت الوسائل القديمة والحديثة معا عن احتواء مخاطر هذه الأمراض، ما أدى إلى تصاعد معدلات الانتحار والاكتئاب والفصام، وهذا ما تشير إليه الدراسات المتعجلة التي تعتمد على الظواهر وعلى ملاحظات العيادات النفسية والمختصين في هذا المجال، وعلى إحصائيات مراكز الإحصاء البيروقراطية في "الدولة المريضة".

(5)
تتضمن علوم النفس دراسات مستفيضة للأعراض الجمعية التي تصيب المجتمعات في أعقاب المحن، كالحروب والكوارث الطبيعية، أيضا في حال انكسار الأحلام وانهيار التصورات الجمعية، كما حدث بعد نكسة 1967 التي اعتبرها باحثون مثل الفرنسي جيل كيبل سببا لحالة النكوص والانكفاء التي مهدت لانتشار ظاهرة الأصولية الإسلامية، كمظهر من مظاهر رفض مشروع التحديث العلماني، واعترافاً مجتمعياً بفشله في الوفاء بتعهداته، سواء من حيث الديموقراطية ومستوى المعيشة، أو من حيث المبرر المقابل لتأخير هذه المستحقات الداخلية نظير حسم الصراع العربي الصهيوني، لكن الشعوب لم تحصل على نصيبها الداخلي، ولم تحقق الهدف الذي تحملت التضحيات من أجله، فحدثت حالة الارتداد والعودة إلى الكهف بحثا عن أمان، أو تخلصاً من وطأة الأحلام صعبة المنال، أو تلمساً لأمجاد في ماض تصور البعض أن النجاة في استعادته كاملا بلا فرز يضع الحاضر والمستقبل في حسبانه.


(6)
الحديث عن "الصدمة" وما جلبته من أمراض نفسية، ينبغي أن لا يظل في دائرة القدر الاضطراي الذي يصيب الشعوب نتيجة ظروف طبيعية، أو مصادفات غير مقصودة، لكن الجانب الأكبر منه مصنوع وفق إرادات مضادة امتلكت فيها القوى المتربصة بمصر مفاتيح التحكم في المجتمع عبر دراسته أنثربولوجيا وسيكولوجيا، وعبر اختراق نخبته الهشة، وبالتالي فإن هناك من يصطنع الصدمة لإرباك المجتمع وتشتيته جميعا وتشتيت أفراده أيضاً.

 

ما يعنيني الآن هو الانتباه لأعراض الأمراض النفسية المتباينة التي أصابت مصر كلها أفرادا وجماعات بعد الصدمة الهائلة التي أحدثتها ثورة يناير، وهي صدمة فاصلة بين عالمين وبين عصرين

ومن يريد الاستفاضة في تفصيلات تصنيع الصدمة يمكنه مطالع كتاب المثقفة الكندية اليسارية "ناعومي كلاين"، المترجم بعنوان "عقيدة الصدمة"، لكن ما يعنيني الآن هو الانتباه لأعراض الأمراض النفسية المتباينة التي أصابت مصر كلها أفرادا وجماعات بعد الصدمة الهائلة التي أحدثتها ثورة يناير، وهي صدمة فاصلة بين عالمين وبين عصرين، ولا تقل خطورة وأهمية عن الصدمة التي أحدثتها قنابل نابليون ومطبعته، ومظهر حملته المفارق للحال الذي كان يعيشه المصريون؛ لأن يناير لم تكن مجرد صراع متخلف على السلطة، بقدر ما كانت لحظة ميلاد شعب يسعى لفرض نوعية السلطة التي يريدها، وهي سلطة غائبة في الواقع حاضرة في ذهن المصريين منذ قرون طويلة؛ لا أبالغ إذا قلت أن أول إشارة لها تكمن في شكاوى المصري الفصيح، وأول سعي للحصول عليها كان مع ثورة إيبور المغدورة، التي انتفض فيها الخدم محتجين على المظالم والانحطاط في فترة حكم بيبي الثاني في نهايات عصر الأسرة السادسة.

(7)
قد يغريني هذا المقال بالتوسع في رصد الأعراض النفسية لقيادات وجماعات تمارس سلوكاً عصابياً يبتعد بها عن السياسة وعن العقل السوي، وتبدو لي شخصية الدكتور أحمد عكاشة نفسه أفضل اختيار للبدء في هذه الدراسة، لربما تفاعل معنا وأفادنا برأيه المهم في هذا المجال.

[email protected]

 

الكاتب الصحفي جمال الجمل: الرئيس #السيسي بحاجة لفحص عقلي لدراسة تغير تصريحاته وانفعالاته@liliandaoud pic.twitter.com/80LUpz8nJO

التعليقات (5)
متفائل
الخميس، 31-01-2019 07:45 م
السيد المصري الصعيدي ، كان يحاول من قريب أو بعيد مساءلة الكاتب ، السيد جمال الجمل ، عن مفهومه للديمقراطية ، و إن كان لم يصرح بذلك مباشرة ، و يمكن أن أكون مخطئا في تقديري ، الأخ الصعيدي يقول : " السيد الجمل لطالما أتحفنا بآرائه عن القيم وعن الحرية واحترام الآخر .. وعن إيمانه العميق بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير حكامها " . و يختم بالقول : " وبناء على ماسبق – لا افهم كيف يجد بعض المثقفين والكتاب مبررات التفافية لولبية لتفسيرهم للديمقراطية – وكيف أن الديمقراطية تلك – لا يعتد بها وتفقد معناها إن أتت بمن يختلفون معهم أيدلوجيا أو فكريا " . و على هذا الأساس نناقش المسألة من الزاوية التالية أو من وجهة النظر التالية : المشكلة قائمة من قديم على أساس علاقتنا بالغرب الليبرالي الرأسمالي الاستعماري الذي ساند أنظمة الاستبداد التي تستعبدنا ، و الأدهى أن هناك من يسوق لوجهات نظر و رؤى متشبعة بالروح الاستعمارية ، فينقل آراء و مواقف معلبة من دون أن يمعن فيها النظر أو يردها إلى بيئاتها و يبحث عن مسوغاتها ، إذا راجعنا مفهوم الديمقراطية في مهده ، وجدناه متشبعا بروح الأثينيين في دولتهم المدينية أيام بريكلاس ، هذا الأخير الذي ترجم تطلعات الشعب الأثيني إلى الحرية و الأمن و الأمان ، فعبر عن ذلك أحسن تعبير في حدود أثينا على أقل تقدير ، حيث قال : " على الدولة الديمقراطية أن تعمل لخدمة السواد الأعظم من الناس ، وأن تطبق مساواة الجميع أمام القانون " . و لكم أن تتأملوا في قول " ليسلي ليبسون " : " فبعد أرسطو طاليس ، توقفت التأملات حول هذا الموضوع ، لأن الديمقراطية ذاتها زالت من الوجود " . و لكم أن تتأملوا كذلك أن الفلاسفة اللاحقين أصيبوا بما يشبه العقم التأملي بخصوص تحديد مفهوم الديمقراطية ، و تتأملوا كذلك كيف حمل الغرب الليبرالي الرأسمالي الاستعماري من بعد ذلك ، الديمقراطية ، كل انحرافاته و أخطائه . و قبل مناقشة أكثر ، وجب التذكير بمقولة " بريكلاس " القرن الرابع قبل الميلاد : " إننا ندير شكاواتنا العامة بروح الرجال الأحرار " . و عليه يمكننا أن نتساءل رفقة الأخ الصعيدي ، والكاتب المحترم جمال عن فحوى الرجال الأحرار ؟ و أجدني في حاجة إلى التذكير بالمعنى الذي ذهب إليه المفكر الجزائري مالك بن نبي ، من خلال تأملاته بخصوص الفكر الديمقراطي ، حيث خلص إلى أن الإنسان الديمقراطي هو : " الرجل الحر الذي يقف حدا فاصلا بين نافية ال( أنا ) و نافية ال( آخر ) " . ولا بأس أن أقدم مفهوما حول الديمقراطية بالقول : " الديمقراطية سلوك حضاري ينظم نشاط الحاكم و المحكوم في المجتمع على سبيل الإلزام " . ومثل هذا المفهوم القريب من التعريف الجامع ، يقتضي التفسير التالي : 1 ـ هي سلوك حضاري كونها لا يمكن أن تتحقق سلوكا و ممارسات في واقع أي مجتمع إلا إذا رسمنا خطها البياني وفق عالم المجتمع الثقافي و عمقه الحضاري. 2 ـ وهي بهذا المعنى ، لأنها تلغي السلوك البدائي ، ولو بصفة تدريجية ( فكرا و ممارسة ) ، تخلية و تحلية ، إذ تنتقل بالإنسان من دائرة الفردية ، سواء في تصور جان جاك روسو لإنسانه المفضل ، الإنسان الطبيعي الذي يعشق العزلة ، أو في صورة الفرد المتشبع بانتماء القبيلة التي كان يفضلها العرب على وجه الخصوص ، إلى الإنسان المجتمعي ، أو الإنسان الشخص في المجتمع ، وهو الإنسان الغاية ، أو الإنسان الرسالي ، أو الإنسان الحر الذي يقف حدا إيجابيا فاصلا بين نافية الأنا و نافية الآخر ، وفق توصيف و تحديد مالك بن نبي ، وهما نافيتي الشعور الديمقراطي كبذور محفوظة في ضمير الإنسان ، تتحول تدريجيا عن طريق العمل المؤسساتي إلى طاقة فعالة ، متفردة تاريخيا و أخلاقيا ، تترك أثرها في حياة الفرد و الجماعة ، ضمن عمليتي التقييم و التقويم التي تستمر ما استمرت الحياة . 3 ـ و هي بهذا المعنى تخدم الإنسان بغض النظر عن معتقده و عرقه و جنسه و لونه و لغته . 4 ـ و هي بهذا المفهوم تحرر المجتمع تدريجيا من دائرة ردود الأفعال ، فتخرجه من حلبة الصراعات المفتعلة أو المصطنعة ، لتضعه على طريق الفعل الحضاري فكرا و ممارسة . 5 ـ و هي بهذا المدلول تثمن القدرة و الكفاءة و الاختصاص ، كخلاصة لاستثمار القدرات الذاتية من خلال العمل المؤسساتي في نطاق تنمية المهارات و تنويع الخبرات ، و تفعيلها من أجل تحرير المجتمع من دائرة العجز فكرا و ممارسة . 6 ـ و هي بهذا المدلول ، سلوك ملزم بسبب تسليم الجميع بقصور العقل البشري وعدم كفايته في مواجهة الأهواء و النزوات النفسية ، و الأغراض الفئوية ، و شتى الانحرافات و الإخفاقات ، و ذلك سر قول سيدنا عثمان رضي الله عنه : " يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن " . 7 ـ و هي بهذا المعنى تهدف إلى تحقيق مجتمع إنساني صالح ، خصوصا إذا أدركنا : أولا : استحالة الفصل بين الطمأنينة الروحية و اليقظة الفكرية . ثانيا : استحالة الفصل بين الحق و الواجب . ثالثا : استحالة ، و عبثية الفصل بين العدل والحرية والإخاء و المساواة . رابعا : حاجة الإنسان إلى القانون كضرورة من ضرورات الحياة . خامسا : التعيين في مناصب إدارة شؤون المجتمع واجب و تكليف أكثر منه حق و تشريف . الخلاصة : بعد هذه الرؤية المتواضعة حول تحديد مفهوم و معنى الديمقراطية ، يمكن القول أن الممارسة لا تعبر عن فكرة مجردة محفوظة في عالم الأفكار ، بقدر ما تعبر عن قيمة الإنسان داخل حدود هذا المجتمع أو ذاك ، فالفكرة ، تبقى بذورها محفوظة في ضمير الإنسان ، تحتاج دوما إلى من يتعهدها بالرعاية و الاهتمام ، قصد ترجمتها إلى سلوك يجد توظيفاته في شتى ميادين الحياة و على هذا الأساس يمكن القول أن الديمقراطية نظام مجتمع و نظام دولة أكثر و أشمل من أن نختزلها في نظام حكم من الأنظمة القائمة هنا أو هناك ، خصوصا تلك التي تكيل بمكيالين في وضح من النهار .
الصعيدي المصري
الخميس، 31-01-2019 03:12 م
لاشك ان الاستاذ الجمل واسع الاطلاع واعتبره من المثقفين الحقيقيين (القارئين ) وليس المدعين غير انني ومنذ فترة تاكد لي انطباع ما عن مدى قدرة المثقف باستغلال معرفته الواسعة لينعكس ذلك على محاربته هواه والذي قد ينحرف عن الحق والحقيقة قليلا او كثيرا - بصورة تتناقض مع ما يفترض به من معرفة واطلاع كان يجب ان يكون لها تأثيرا قناعاته بحكم الخبرة والتجربة - ومدى تأثير معرفة المثقف بصفته قارئا للتاريخ والادب على استجلاء وتوقع المستقبل وما ستئول اليه الامور - ليس من قبيل علم الغيب - بل من حقيقة من عرف التاريخ كان اكثر قدرة على توقع المستقبل . السيد الجمل لطالما اتحفنا بآرائه عن القيم وعن الحرية واحترام الآخر .. وعن ايمانه العميق بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير حكامها لكن يظهر ان هذه المباديء قد تناقضت مع هواه حينما اتت هذه الديمقراطية بآخرين ليسوا على وفاق ايدلوجي مع افكاره وقناعاته . المؤمنون الحقيقيون بالحرية والديمقراطية .. يتقبلون نتائجها سواء اتت بالشرفاء او الشياطين الديمقراطية مؤهلة لتصحيح اخطائها عبر فرصة وجود الاختيار سلطة فاشلة اتت بصورة ديمقراطية وتذهب بصورة ديمقراطية هي وضعية قابلة للتصحيح عن سلطة ديكتاتورية حتى ولو كانت ناجحة لانه ببساطة ستنقلب هذه السلطة عاجلا او اجلا لسلطة شمولية فاسدة فاشلة دموية نجاح الاخوان المسلمين بارادة الشعب وبطريقة ديمقراطية – لو استمرت التجربة – كان افضل من انقلاب عسكري غاشم ودموي غير قابل للتغيير الا بانقلاب ودماء وبناء على ماسبق – لا افهم كيف يجد بعض المثقفين والكتاب مبررات التفافية لولبية لتفسيرهم للديمقراطية – وكيف ان الديمقراطية تلك – لا يعتد بها وتفقد معناها ان اتت بمن يختلفون معهم ايدلوجيا او فكريا الديمقراطية كمفهوم وتطبيق حقيقي – نعم لها سلبيات – وغير مكتملة – ولكنها الطريق الاوحد والاقصر للوصول الى حرية وعدالة وتداول سلمي للسلطة غير ذلك وبتعريف – من يريدون اعادة تعريفها – لا تعتبر ديمقراطية من الاساس – مهما حاولوا ان يلتفوا ويبرروا ويحتجوا حول معناها البسيط والمباشر
أبو حلموس
الخميس، 31-01-2019 12:43 م
كاتبنا المحترم ، مقالك في الصميم هذه المرة مع تعليق متواضع في شكل نصيحة يمكن أو رأى يمكن ، لا ادرى . ان تبدو مثقفا فهذا حقك و اعتقد انك كذلك و لست متقمصا ، و ان تبدو ثوريا أيضا فهذا اختيارك و بالطبع اعتقد انك أيضا كذلك ، أما أن تبدو مختلفا باعتمار التقعر و الفوقية و سوق المصطلحات التخصصية او التى لا يعرفها الا اهل اختصاص من اى نوع و من ثم يتم الاستدراك لتوضيحها و تفسيرها و الابتعاد بمعناها عن ما فهمه الناس و محاولة الاقتراب بشروحات و هوامش .! هذا ما استغربه منك و اسوق اليك مطلب ان تكون اقرب ما يمكن من المعنى المباشر لكلامك ، فهذا في ظنى يوسع دائرة من يقرأون و يتابعون و يتفقون معك في المنظور و المشى معك الى نفس الهدف الجمعى للثائرين على المظلمة المفتوحة الأفق و التي لم و لن ترحم لا مثقف ولا جاهل ولا متدين و لا علمانى و لا زنديق .. نعم فبين الثائرين خليط من كل ذلك ولا صفوة فيهم تستطيع ان تنفصل بخطابك لهم وحدهم فأثرهم كعدد على الأقل أنت و أنتم و نحن كلنا في حاجته . ارجو تقبل تعليقي برحابة صدر من يتصدى للعمل بشكل عام و يفصح عن مكنونات تفكيره في تحقيق نفس أهدافه التي بالحد الأدنى تتفق مع كل الثائرين .. ((( عودة مصر حرة مستقلة محترمة لها مستقبل كما كان لها تاريخ)))
ادم
الأربعاء، 30-01-2019 10:54 م
الكل يعرف أن جمال الجمل مريض نفسى ،يعانى من الفصام، فهو "يظن" انه "يفكر" ولكنه لا يدرك أن بعض "الظن" إثم. من أتى بالمحتال؟ إنه جمال الجمل ومن هم على شاكلته. اللهم أرنا فيهم قدرتك وجبروتك، اللهم آمين.
متفائل
الأربعاء، 30-01-2019 07:05 م
الصدمة كثيرا ما تربك الحاكم و المحكوم على السواء ، إذ يمكن أن ينكفئ المصدوم على كيانه ، و بدل أن يواجه مشكلاته بنفسه ، يتحول إلى أداة فاعلة ضمن معارك بالوكالة ، لم يبدأ هذا أيام انقلاب السيسي الذي اختير بعناية فائقة لأداء دور لا ينوء بمفاتيحه كثير من الأصحاء ، جل المعارك التي خاضتها نخب مصر ، من قوميين ، يساريين ، و إسلاميين ، لم تكن معارك المصريين ، بقدر ما كانت معارك أعداء مصر المتربصين من وراء قناع ، و أعطيك مثالا : الصراع الوهمي بين الإسلاميين و العلمانية ، فكأن هذه الأخيرة ولدت في مصر ، و كأن الشعب المصري كان ينادي بسقوط الكنيسة و رفع ظلمها ، و غلق محاكم التفتيش التي حكمت على العلماء من مثل عالمة الرياضيات " هيباثيا " فسحلوها في وضح النهار ، مع أن هيباثيا لم تكن مصرية ، فبدل أن يثمن الوكلاء دور العلمانيين الأحرار داخل حدود أوربا ، حيث خلصوها من وطاة القساوسة والإقطاع ، راحوا يخوضون من على منابرهم معارك وهمية مع عدو وهمي ، فارتاح لذلك أعداء مصر ، و تأكدوا من أن الصدمة آتت أكلها ، وأن الحالة النفسية باتت مستعصية ، إلى الحد الذي يمكن إغراق بلد بحجم مصر في بحر من الميوعة والفساد .

خبر عاجل