قضايا وآراء

ملاحظات أساسية حول التحقيق الدولي في قضية خاشقجي

ماجد عزام
1300x600
1300x600

شهدت إسطنبول الاثنين الماضي الخطوة العملية الأولى نحو التحقيق الدولي في قضية مقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في المدينة، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مع وصول فريق تحقيق تابع لمكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومباشرة عمله بشكل فعلي؛ عبر لقاءات مكثفة مع  وزراء أتراك وجهات أخرى معنية بالقضية.

وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو؛ كان قد قال الخميس الماضي (24 كانون الثاني/ يناير) إن الرئيس رجب طيب أردوغان أمر بالانتقال إلى المستوى الدولي من التحقيق في القضية؛ التي كانت محط اهتمام العالم في الشهور الماضية.

وقال أوغلو إن السلطات التركية بذلت كل ما بوسعها من أجل الوصول إلى كشف ملابسات الجريمة، إلا أنها اصطدمت بالمماطلة ورفض التعاون الجدّي من قبل السلطات السعودية، كما لا مبالاة من قبل بعض الدول وتفضيلها المال - حسب تعبيره - على الحقيقة والعدالة، في إشارة واضحة إلى تفضيل بعض الدول الغربية (أمريكا تحديداً) لمصالحها الاقتصادية مع السعودية على الوصول إلى الحقيقة وكشف ملابسات الجريمة وتفاصيلها، وتحديد المسؤولين عنها ومحاسبتهم.

لا بد من التذكير بأن أنقرة لم تكن تفضل أبداً هذا الخيار (أي المستوى الدولي)، وهي سعت دائماً إلى تحقيق ثنائي مشترك مع السعودية، ولم تخف أبداً رغبتها هذه، ومع المماطلة السعودية وجّهت ثلاثة مطالب، أو أسئلة علنية عن مكان جثة المرحوم خاشقجي، وهوية المتعاون المحلي الذي قام بإخفائها، كما تحديد المسؤول عن إعطاء الأوامر والتوجيهات للفريق الأمني للقدوم إلى إسطنبول وارتكاب الجريمة. وعندما لم يحدث ذلك، رفعت التحقيق إلى المستوى الدولي، لكن أيضاً مع التأكيد دائماً على أن القضية مع السعودية ليست سياسية كونها (أي تركيا) تحرص على أفضل العلاقات معها، كدولة مسلمة شقيقة تحتفظ معها بروابط متعددة، دينية ثقافية وتاريخية.

 

أنقرة لم تكن تفضل أبداً هذا الخيار (أي المستوى الدولي)، وهي سعت دائماً إلى تحقيق ثنائي مشترك مع السعودية

طبعاً، ما كان التحقيق الدولي لينطلق لولا هذا الموقف التركي، إلا أن الأمر يعود كذلك إلى ضغط المؤسسات الأممية الحقوقية (وجهت نداء محددا بهذا الخصوص)، ومناقبية وشجاعة مقررة الأمم المتحدة للإعدامات خارج المحاكمة، المرأة الخارقة أغنيس كالامارد التي اتخذت قرار التحقيق ضمن مهام مسؤولياتها، وقامت بتشكيل الفريق الخاص من أجل العمل على تقييم خطوات الحكومات ودرجة مسؤولية الدول والأفراد عن الجريمة. والفريق مشكّل (كما هي عادة الأمم المتحدة) من أصحاب الكفاءة والخبرات الذين لا يمكن التشكيك أبداً في دوافعهم مهنيتهم أو عملهم، وما سيتوصلون إليه من نتائج.

يجب الانتباه إلى أننا لم نصل بعد إلى المستوى أو الإطار السياسي، بمعنى تشكيل فريق تحقيق دولي رسمي ذي صلاحيات – وأنياب - من الأمم المتحدة، سواء من قبل مجلس الأمن الدولي أو عبر الأمين العام للأمم المتحدة. وفي الحقيقة، نحن أمام خطوة إجرائية من مكتب حقوق الإنسان الأممي الذي يفترض أن يقدم توصياته ونتائجه إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف بعد أربعة أشهر، أي أننا في مرحلة شبيهة بمرحلة فريق غولدستن (تقريره الشهير عن حرب غزة الاولى 2008 وجرائم إسرائيل فيها)، أو الفريق المماثل المعني بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبت - وما زالت ترتكب - في سوريا منذ انطلاق الثورة، والتي يتحمل النظام المسؤولية عن غالبيتها العظمى، وعلى أعلى المستويات. هذا الفريق الذي يضم أيضاً مجموعة من أفضل الخبراء القانونيين في العالم، وتوصل إلى الحقيقة بالأسماء التواريخ والتفاصيل، بما فيها استخدام النظام للسلاح الكيماوي ضد الشعب السورى.

 

لم نصل بعد إلى المستوى أو الإطار السياسي، بمعنى تشكيل فريق تحقيق دولي رسمي ذي صلاحيات – وأنياب - من الأمم المتحدة، سواء من قبل مجلس الأمن الدولي أو عبر الأمين العام للأمم المتحدة. وفي الحقيقة، نحن أمام خطوة إجرائية من مكتب حقوق الإنسان الأممي

بالعودة إلى عمل الفريق المختص بقضية خاشقجي، فيفترض أن يقدم توصياته إلى مجلس حقوق الإنسان في حزيران/ يونيو القادم، مع إجابات للأسئلة التي وضعها كخطوط ومحددات لعمله، أي رد فعل الحكومات ومسؤولية الدول والأفراد عن الجريمة، على أن يتخذ المجلس اللازم، بما في ذلك إمكانية الدعوة لتشكيل محكمة دولية خاصة، أو إجراء المحاكمات في تركيا بحضور ومواكبة أممية أو أي من السيناريوهات الأخرى ذات الصلة.

المسألة ستصبح هنا سياسية بحتة، بمعنى أن مجلس الأمن هو المخوّل في البت في المآلات النهائية للتحقيق، وليس مجلس حقوق الإنسان (الاستشاري). وحسب التوقعات، سيتم غالباً طلب تشكيل محكمة دولية خاصة، وسيكون من المشوق استشراف مواقف القوى الدولية الكبرى المؤثرة في المجلس، وتحديدا الغربية، التي ستقع تحت حرج بالغ، خاصة مع ضغط الرأي العام والإعلام فيها المساندة للقضية، كما تغير الموازين السياسية والحزبية في واشنطن بعد انتخابات التحديد النصفي للكونغرس. وأعتقد أنها ستميل إلى الموافقة على توصيات مجلس حقوق الإنسان والأمين العام بتشكيل محكمة خاصة؛ قد يستغرق عملها سنوات وستكون بدورها وسيلة أخرى لابتزاز السعودية والضغط عليها (كونها لن تتعامل حتماً مع المحاكمة). أما المفاجأة فستأتي من الدول الاستبدادية، كروسيا والصين، والتي تأخذ على عاتقها عادة حماية الأنظمة الاستبدادية في العالم، تحديداً الأولى؛ حيث مع العلاقة الناشئة والمضطردة مع الرياض ستأتي العرقلة منها. ربما هذا قد يرفع بعض الحرج عن الدول الغربية في تأييد التوصيات المحتملة، كونها متأكدة من الموقف الروسي الرافض الذي يخشى تجارب مماثلة في روسيا نفسها، أو في سوريا؛ مع ارتكاب قوات الاحتلال الروسي الجرائم أيضاً ضد المرافق الصحية التعليمية المدنية بشكل متعمد، كما قال تحقيق رسمي للأمم المتحدة.

في كل الأحوال، فإن النقطة المضيئة في المشهد كله تتمثل بالموقف التركي الذي أصر على الوصول للحقيقة، وكشف كامل ملابسات الجريمة التي سعت للنيل من هيبة وسيادة الدولة التركية، ونفذت بشكل همجي ينتهك كل الأعراف والقوانين الدولية، وهي (أي تركيا) فعلت ذلك بتصميم، لكن بحذر أيضاً لإبقاء القضية في سياقها الجنائي القضائي، بموازاة حرص ملحوظ ومسؤول للاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الدولة السعودية، لمصالح مشتركة جدية ومتجذرة للدولتين الشعبين والمنطقة بشكل عام.

التعليقات (0)