كتاب عربي 21

عليكم بالرحيل ولا عليكم بالبديل

جعفر عباس
1300x600
1300x600

استخدم حواة (سحرة) الحكومة السودانية كل الحيل لتكسير مجاديف راكبي الطوربيد (القذائف)، عاقدي العزم على إنهاء سطوتهم وسلطتهم وإغراق زورقهم، وفشل التهديد والوعيد في إطفاء جذوة الثورة، فنشط جنودهم من الإلكترونيين في فبركة أنباء وبيانات باسم تجمع المهنيين، وقوى مدنية أخرى لشق صفوف الثوار، ولكن سرعان ما انكشف أمر تلك المليشيات الإلكترونية (يسميهم السودانيون الجداد الإلكتروني، والجداد في العامية السودانية هو "الدجاج"، والتسمية هذه لاذعة، لأن الجداد الذي هو الدجاج، يشقشق كلما استشعر الخطر، ولكنها شقشقة لا تردع أو تخيف الطرف المستهدف بها).

 

إقرأ أيضا: لوموند: "ربطة خبز" تشعل الاحتجاجات بوجه نظام البشير

ولكن ما زال أولئك الحواة يعتقدون أن فزاعة سوريا واليمن وليبيا، وما حدث فيها بعد رحيل الحكومات من تقاتل وتناحر ودمار، كفيلة بتخويف المطالبين برحيل الحكومة من عواقب "اليوم التالي"، الذي هو الفترة التي تلي رحيل الحكومة، بحسبان أن فراغا يستعصي ملؤه سينشأ، وفي هذا مناشدة مكشوفة مؤداها: تحملونا بكل عيوبنا فنحن أو الطوفان.

 

حداة قافلة التغيير في السودان اليوم، يمتطون صهوة ويندوز وغوغل وأبِل وأندرويد وفيسبوك وتويتر وهاشتاق ويوتيوب وواتساب، أي أنهم فرسان لميدان جديد في عصر جديد


ولكن الحكومة السودانية تخدع نفسها كعادتها وهي تحاول إخافة الناس من الحالة السورية ـ الليبية ـ اليمنية، فقد شهدت هذه البلدان منذ عام 2011 اضطرابات دامية وانهيارا للمرافق والبنى التحتية، وغيابا شبه تام للخدمات، بينما ظل السودان يعاني منذ ثلاثين عاما حسوما من كل الذي شهدته البلدان الثلاثة خلال الأعوام الثمانية الأخيرة.

 

إقرأ أيضا: برلماني سوداني: دول متورطة.. والتظاهر لن يسقط البشير

عرف السودان الحالات الصومالية والليبية والسورية واليمنية الراهنة قبل ثلاثة عقود، ولا يعرف التاريخ الغابر والحاضر حكومة جاهدت بالمال والدماء للتخلص من جزء من البلد (الجنوب) الذي تحكمه سوى حكومة السودان الحالية، ولا جيشا غطت الأنواط والميداليات صدور كبار ضباطه، لا لاستبسال في قتال عدو خارجي، بل في حروب ضد مواطنيهم إلا في سودان اليوم.

وقد أكد مسؤولون روس خلال الأيام القليلة الماضية، أن الحكومة السودانية وليس معارضيها من تسعى لاستنساخ التجربة الدموية في سوريا، فبعد أن ذاع أمر وجود مرتزقة روس مناط بهم حماية نظام الخرطوم، قال ديمتري بسكوف الناطق باسم الكرملين إن هناك "مدربين" روس في السودان لتأهيل "الكوادر"، بينما قال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي، إن بعض المدربين يتبعون شركات أمنية خاصة، ثم قامت ماريا زخاروفا بتقديم الإيضاح حول دور أولئك المدربين، حين صرحت بأنهم يدربون عناصر "مؤسسات القوة" في السودان، وترجمت وكالة إنترفاكس الروسية تلك العبارة بـ Institutions of Force.

 

إقرأ أيضا: البشير: وسائل إعلام تعمل لاستنساخ ربيع عربي بالسودان (شاهد)

عندما أجمعت وسائل الإعلام الأمينة على أن حكومة الخرطوم قتلت ثلاثمائة ألف نفس في دارفور، قالت الحكومة: إن عدد القتلى لا يتجاوز الثلاثة عشر ألفا، وهي التي عجزت عن إبادة 13 ألف جرادة عندما غزت البلاد، وأهلكت الزرع، ثم رمت الجراد بدائها وانسلّت، وجعلت منه شماعة لـ"المجاعة"، بينما قال كهنة المعبد الحكومي، إن الجراد غضب من الله لفساد أهل البلاد (وحاشا للحكام الأطهار الغر الميامين)، وكأنما الحكومة تقول: ويش يعني يموت 13 ألف شخص في إقليم فيه كذا مليون نسمة؟

 

معارضو الحكم الذين يتخوفون من "المجهول" بعد سقوط النظام الحالي في الخرطوم، يقولون له: المهم أن ترحل، وحتما ليس في الإمكان أسوأ مما كان في عهدكم.


ومنذ اشتعال الشوارع في جميع أركان السودان غضبا على النظام، وأبواق الحكومة تقول بصوت جهير إن المخربين في صفوف المتظاهرين من دارفور، والتخريب المشار إليه هو حرق مقار الحزب الحاكم في بعض أقاليم الشمال والشرق، بينما دارفور التي في الغرب الأقصى، تعرضت لتخريب وتجريف وتطفيف على أيدي قوات حكومية، ومليشيات شكلتها الحكومة "خصيصا" لتلك الغاية، وبالتالي غسل هتاف الساعين لإسقاط نظام الخرطوم: يا العنصري ومغرور كل البلد دارفور، بعض أحزان أهل الإقليم.

وفي اتساق مع النهج الحكومي في تخويف معارضيها (وهم سواد الشعب)، من الزج بالبلاد في أتون حروب أهلية (وهي، أي الحكومة، ذات باع طويل في إشعالها)، فإن أبواقها الإعلامية تحسب أنها تطرح على المعارضة سؤالا تعجيزيا: ما ومن هو البديل؟

ولتلك الأبواق الحق في طرح ذلك السؤال، لأن الحزب الحاكم لم ينجب عبر تجربته الطويلة في الحكم، شخصا أهلا للرئاسة سوى المشير عمر البشير، ومن عجب أن كورال دعم الحكومة يردد موال "طولوا بالكم وسنة 2020 ليست بعيدة، واختاروا من يحكمكم في تلك السنة عبر صناديق الانتخاب" ثم يرددون في تجمعاتهم المتلفزة أن البشير هو مرشحهم لتلك الانتخابات، رغم أن دستورهم لا يعطيه حق خوضها (هناك مشروع قرار في أضابير البرلمان بجعل البشير رئيسا مدى الحياة).

والملاحظ أيضا أن الحكومة تركت أمر الدفاع عن نفسها لكوادر من الدرجة الرابعة في الحزب الحاكم بأمره، وبعض الإعلاميين المأمورين العاملين في مؤسسات صحفية تمولها الحكومة مباشرة، أو عبر جهاز الأمن والمخابرات، أو أخرى تابعة للحكومة ولكنها تعمل تحت يافطات مستثمرين معروفين.

وهناك شريحة واسعة من المعارضة تشيل هم البديل، لأنها تفكر بالطريقة التقليدية في تداول الحكم وإدارة الثورات الشعبية، ويفوتها أن حداة قافلة التغيير في السودان اليوم، يمتطون صهوة ويندوز وغوغل وأبِل وأندرويد وفيسبوك وتويتر وهاشتاق ويوتيوب وواتساب، أي أنهم فرسان لميدان جديد في عصر جديد، وشخوص تدير حشودا على مستوى قطر قارة كالسودان بكفاءة، لا شك قادرة على إدارة الفترة الانتقالية التي ستعقب السقوط الحتمي والوشيك للحكومة وصولا إلى انتخابات حقيقية حرة، تخوضها أحزاب تعول على السند الجماهيري، وليس على السندات البنكية، كما الحزب الحاكم، والأحزاب التي استنسخها من حمضه النووي، كي تحظى بالفتات من كعكة السلطة.

ولكن حتى معارضو الحكم الذين يتخوفون من "المجهول" بعد سقوط النظام الحالي في الخرطوم، يقولون له: المهم أن ترحل، وحتما ليس في الإمكان أسوأ مما كان في عهدكم.

 

إقرأ أيضا: البشير يخطب بين مؤيديه ويتحدث عن تسليم السلطة (صور)

التعليقات (0)