مقالات مختارة

عندما يعترف الأمريكيون بتراجعهم أمام طالبان

وائل عصام
1300x600
1300x600

تراجع النفوذ الأمريكي الملحوظ في الشرق الأوسط بات موضوعا يشغل كبار المؤسسات البحثية الأمريكية، فبعد تقرير الجيش الأمريكي عن إخفاقات السياسة العسكرية في حرب العراق، تنصب كثير من التحليلات الآن حول الانسحاب المقبل للأمريكيين من المنطقة، بعد سوريا وأفغانستان.
«لماذا خسرت أمريكا في أفغانستان؟» كان عنوانا لافتا لصحيفة التحليلات الخارجية الأبرز للسياسة الأمريكية «فورين بوليسي»، تنقل الصحيفة الأمريكية المختصة بتحليل السياسات الخارجية لواشنطن، عن ترامب قوله: «أعطيت جنرالاتنا كل المال الذي أرادوه. لقد كانوا يقاتلون في أفغانستان منذ 19 عاما…. لكنني أريد نتائج».

 

عدم التعلم من دروس فيتنام كثيرا ما يتحدث عنه الأمريكيون، عند الحديث عن أفغانستان، والنظر لتجربة العراق هو ما يتبادر لأذهان الكثير من صانعي القرار، عند الحديث عن الانسحاب من سوريا. وزير الدفاع الأمريكي، روبرت مكنمارا، في تشرين الأول/أكتوبر 1966 أخبر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون بأنه لا يستطيع وضع استراتيجية للدفاع عن فيتنام الجنوبية من الشيوعيين، فلجأ جونسون إلى خبيرين مدنيين اثنين، هما: ورست روستو وروبرت كومر، وسرعان ما اقترحا استراتيجية أمريكية جديدة في الحرب، مكافحة التمرد الشامل مدنيا كما عسكريا من أسفل إلى أعلى، بمعنى أن المفتاح الأهم للنصر العسكري هو تعزيز التغلغل الاجتماعي، من خلال حلفاء محليين، وهو الذي أخرجهم من العراق لصالح إيران المتنفذة اجتماعيا وأمنيا، وهو أيضا ما أربك الأمريكيين في سوريا، عندما تبين أن الأكراد علاقاتهم مرتبكة مع جيرانهم، لدرجة تجعلهم موطئ قدم زلقا للأمريكيين، فهم محاصرون بالنفوذ الإيراني جنوبا وشرقا، وعلى عداء شرس مع حليف آخر للأمريكيين شمالا، حيث تركيا.


الأمريكيون يبحثون عن مخرج لائق لهم، يجنبهم الهزيمة العلنية، بعد تعذر انتصارهم، لأنهم ببساطة استخدموا استراتيجية خاطئة، وكما سمتها الـ«فورين بوليسي» معرفة كيف تقتل الناس أبعد ما يكون عن أن تكون كافية لهزيمة التمرد. ولعل أبرز الدروس المستقاة هي أنه يمكن لحركة محدودة القوة العسكرية مثل طالبان أن تعود للسلطة في أفغانستان، رغما عن قوة عظمى كالولايات المتحدة شنت حربا شعواء، وأنفقت مليارات الدولارات والآلاف من أرواح جنودها أزهقت هناك على مدى عقدين. ويبدو أن طالبان نجحوا في ما فشل فيه العرب فصائل مسلحة وحكومات، في العراق وسوريا، بل إن جلوس سجين سابق في غوانتانامو كمفاوض عن طالبان أمام خليل زادة المفاوض الأمريكي، له دلالات عدة، خاصة إذا تذكرنا أن خليل زادة كان صديق وعراب القيادات العراقية المقربة من واشنطن، سواء طارق الهاشمي أو إياد علاوي أو غيرهما، ممن اعتبروه المنقذ والداعم الأمريكي بوجه إيران، ولكنهم غدوا مبعدين أو مهمشين أمام القوى المدعومة من إيران، سواء الشيعية منها أم السنية، رغم دعم «أبو عمر» الأمريكي كما يحلو لبعض القادة العراقيين تسميته، بينما تمكنت طالبان من العودة وبقوة وبلغة القوة التي يفهمها الأمريكيون ويتعاملون في سياساتهم الخارجية مع من يملكها، وإن اختلفوا أيديولوجيا وقيميا معه.


وهكذا تقر لهم فورين بوليسي قائلة: «خلصت حركة طالبان إلى أنها يمكن أن تصمد أمام قدرة الولايات المتحدة على استخدام القوة الصارمة، وأن واشنطن لا تملك القوة الناعمة لاستخدامها ضدها، وكانوا على حق. أصبح بديل البنتاغون عن استراتيجية ناجحة لمكافحة التمرد، إلى حد كبير، عملية لا نهاية لها. والآن أصبح الاستراتيجيون الأمريكيون متعبين ولا يملكون أي فكرة عن كيفية إلحاق الهزيمة بمقاتلي طالبان».

 

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)