قضايا وآراء

الأبعاد السياسية لزيارة نتنياهو إلى الهند

نبيل السهلي
1300x600
1300x600
تطرح زيارة رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى الهند، بعد أيام، التي ستتوج بعقد صفقة بيع أسلحة بقيمة (3،5) مليار دولار، أسئلة حول أهمية الهند في ميزان مصلحة الاحتلال، ومدى تطور العلاقات بينهما. 

ولعبت الأجواء الإقليمية والدولية والمحلية أواخر الثمانينيات دورا في تشجيع الهند على القيام بخطوات رسمية نحو تطبيع علاقاتها مع الاحتلال، خصوصا أن انتهاء الحرب الباردة قد غير الصورة النمطية للمشهد العالمي، وفرض معطيات جديدة في العلاقات الدولية، وظهرت الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة لا منازع لها في إطار العلاقات الدولية. 

وتشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق تحالفات القوى بحسب رغبات الأمريكيين الذين ساعدوا الاحتلال بصفته أقرب حليف لهم، وهو ما فتح المجال أمامه لتعزيز وتنويع علاقاته الدولية.

الهند والصراع العربي الإسرائيلي


اللافت أنه بعد انتقال قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى حركة فتح في عام 1968، وعلى ضوء الظروف المتغيرة، تبنت الهند توجها نشطا، وأصبحت تعبر عن مساندتها لمنظمة التحرير الفلسطينية ومعاداتها الاحتلال الإسرائيلي، وفي السنوات التالية لذلك شهد الوضع تغيرا نوعيا، فقد ظهرت عداوة هندية صريحة لدولة الاحتلال، وكان مرد ذلك في الغالب إرضاء وجهة النظر العربية. 

وانخرطت الهند حينها في الصراع العربي- الإسرائيلي كمعاد حقيقي للاحتلال. ولم يستطع حتى حزب جاناتا، الذي كان مواليا لدولة الاحتلال، تجاهل العرب والحقوق الفلسطينية. 

ومن أمثلة مواقف الهند المساندة لمنظمة التحرير الفلسطينية، زيارات وفود المنظمة المتكررة للهند، ودعم الهند القوي للمنظمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في فترة ما بعد حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1975، وقرار الهند منح المنظمة الوضع الدبلوماسي الكامل في آذار/ مارس 1982.

في مقابل ذلك، شهد عقد الثمانينيات من القرن الماضي تلطيفا في الموقف الهندي تجاه الاحتلال الإسرائيلي. 

مع بداية التسعينيات، أصبحت سياسة الهند تجاه دولة الاحتلال أكثر وضوحا، فقد أكملت حكومة "ناراسيما راو" عملية التطبيع مع الأخيرة. 

ومع وصول "ناريندرا مودي" إلى سدة السلطة التنفيذية في الهند، برزت ملامح تغير حقيقي في العلاقة الهندية مع الاحتلال. 

واعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية امتناع الهند عن التصويت بمجلس حقوق الإنسان قرار يدين إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة في صيف عام 2014 انتصارا لدبلوماسية دولة الاحتلال، حيث كانت الهند منذ عقود تقود حركة دول عدم الانحياز التي تدعم الحقوق الفلسطينية في الأروقة الأممية. 

ويمكن الجزم بأن مرد التغيير في الموقف الهندي من الاحتلال يعود إلى "ناريندرا مودي" الذي أصبح رئيسا للوزراء في الهند في نيسان / أبريل 2014، الذي قرر بدوره تغيير النهج الهندي إزاء دولة الاحتلال، وعزز التوجه الهندي اتفاقية أوسلو (1993)، التي كانت أحد أهم العوامل الجوهرية التي دفعت نحو التحولات النوعية في العلاقات بين الهند والاحتلال، ولهذا اعتبر الاحتلال الإسرائيلي تغير الموقف الهندي انتصارا لتوجهات السياسات التهويدية، في وقت ارتفعت فيه وتيرة المقاطعة الرسمية والشعبية في الغرب للمؤسسات الأكاديمية في الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك لاقتصاد المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على الأراضي الفلسطينية، بكونها أهم الرموز الاحتلالية.

عوامل تحول المواقف الهندية

ما كانت لتحدث التحولات المتسارعة في العلاقات الهندية مع الاحتلال الإسرائيلي لولا عقد اتفاق إعلان المبادئ (أوسلو) بين منظمة التحرير وإسرائيل في أيلول/ سبتمبر 1993، فضلاً عن ارتفاع وتيرة التطبيع بين الدول العربية ودولة الاحتلال، ناهيك عن تراجع العلاقات العربية – الهندية وعدم قدرة الدبلوماسية العربية على بناء علاقات قوية ومتينة مع الهند التي تعتبر من القوى الصاعدة في المشهد الدولي اقتصاديا وسياسيا أيضا.  

وتسارعت وتيرة تعزيز العلاقات خلال السنوات الأخيرة، لأن الهند تعتبر العلاقة مع الاحتلال بمثابة بوابته العريضة نحو دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. 

وترى الهند في تطوير علاقاتها مع دولة الاحتلال ذخرا سياسيا استراتيجيا في إطار صراعها مع باكستان حول قضية كشمير وامتلاك الخيار النووي من جهة، ومحاولة الإخلال بميزان القوى لصالحها في إطار صراعها مع الصين في الزعامة والسيطرة على قارة آسيا من جهة أخرى. 

على المستوى الدبلوماسي تعاونت الهند مع دولة الاحتلال في بعض القضايا التي تعرضت فيها للإدانة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الصهيونية والعنصرية، مقابل تأييد إسرائيل للهند في مواجهة باكستان.

الهند في الرؤى الإسرائيلية

تتبوأ الهند أهمية فائقة في ميزان مصلحة الاحتلال، حيث ستوفر العلاقة الوطيدة معها فرصة إضافية لإفلات الاحتلال من الإدانات في المحافل الدولية، وتفتح في الوقت ذاته السوق الهندية الكبيرة أمام منتجات دولة الاحتلال، وخاصة العسكرية منها، فضلا عن كون الهند قوى صاعدة ولها وزن نسبي هام في إطار العلاقات الدولية. 

ويمكن الجزم بأن زيارة نتنياهو المزمعة للهند لها أبعاد وأهداف آنية وإستراتيجية في الوقت ذاته، حيث يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى تحسين صورته أمام الناخب الإسرائيلي بغرض كسب صوته خلال انتخابات نيسان/ أبريل، عبر ترسيخ العلاقات الدبلوماسية مع الهند، وكذلك عقد صفقات معها، تصل قيمتها إلى (3,5) دولارات، حيث ستشمل بيع طائرتي تجسس تستخدمان للإنذار المبكر والمراقبة الجوية بمبلغ (800) مليون دولار، وصواريخ مضادة للمدرعات من طراز "سبايك"، ومن إنتاج "سلطة تطوير الأسلحة" الإسرائيلي (رفائيل)، ويصل حجم هذه الصفقة إلى نصف مليار دولار، وستستورد الهند مدافع من صنع شركة "البيت" بمبلغ (1،7)  مليار دولار، ورادارات لاستخدام سلاح الجو الهندي بمبلغ (640) مليون دولار، وثمة  مداولات بين الهند والاحتلال حول شراء الهند طائرات من دون طيار من طراز "هارون" التي تصنعها الصناعات الجوية الإسرائيلية، وطائرات "انتحارية" من دون طيار من طراز "هاروب". 

وتسعى الدوائر والمؤسسات الإسرائيلية إلى تطوير العلاقات الاستراتيجية مع الهند بوتيرة متسارعة في ظل تحولات المشهد العربي الضبابية.
التعليقات (0)