كتب

الهندوس والمسلمون وغاندي في مواجهة احتلال بريطانيا للهند

غاندي قاوم رغبة المسلمين في الانفصال عن الهند، لكنه قبل به في النهاية حقنا للدماء (أ ف ب)
غاندي قاوم رغبة المسلمين في الانفصال عن الهند، لكنه قبل به في النهاية حقنا للدماء (أ ف ب)

الكتاب: غاندي وقضايا العرب و المسلمين
الكاتب: عبد النبي الشعلة 
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت ـ لبنان، الطبعة الأولى آب/أغسطس2018،
(259 صفحة من القطع الكبيرة).

يواصل الكاتب والباحث التونسي توفيق المديني عرض مسار الزعيم الهندي موهانداس غاندي وعلاقته بالقضايا الإسلامية، كما جاءت في كتاب الوزير البحريني السابق عبد النبي الشعلة، "غاندي وقضايا العرب والمسلمين".

ويركز المديني في هذا الجزء على تفاصيل التحولات التي رافقت مسار غاندي من زعيم هندوسي إلى زعيم وطني وحدى الهندوس والمسلمين، لكنه فشل في نهاية المطاف في الحفاظ على وحدة الهند. 

أول حركة احتجاج في الهند بقيادة غاندي:

بعد عودته إلى الهند بعامين، أي في العام 1917م، قاد غاندي أول حركة احتجاج وعصيان مدني في الهند، في منطقة (شامباران Champaran) الواقعة إلى الشمال من ولاية بيهار. في تلك المنطقة كان المزارعون المتضمنون للأراضي الزراعية يعانون من سطوة وإجحاف ملاكها من الإقطاعيين البريطانيين. فوقف غاندي إلى جانب المزارعين والمتضمنين ونظمهم وقادهم في أول حركة احتجاج وعصيان مدني جماعي.

أراد غاندي من تلك الحركة زرع الثقة في نفوس المزارعين وتشجيعهم على المقاومة والارتقاء بمعنوياتهم ورفعها، رافضاً الحلول التي تمر بالقنوات القضائية، لقناعته بأن المتضمنين والمزارعين يسيطر عليهم ويتملكهم الخوف والرعب من سطوة وقوة ونفوذ الإقطاعيين وملاك الأراضي البريطانيين، بالشكل الذي يثبط عزائمهم ويرغمهم على التردد عن مواجهتهم أو مواصلة السعي لإزاحة الظلم عنهم ونيل حقوقهم المشروعة.

 

إقرأ أيضا: الهندوس أقل من 80% من سكان الهند والمسلمون في تزايد

انتاب الحكومة البريطانية في الهند قلق عميق من إمكانيات غاندي الخطابية، وكفاءاته القيادية، ومقدرته على تحريك الجماهير واستنهاضها واستنفارها، فأصدرت إليه أوامر بمغادرة المنطقة، ولما رفض الانصياع لتلك الأوامر تم القبض عليه ومحاكمته.

دُهش الرأي العام الهندي عندما وقف غاندي أمام المحكمة، بكل شجاعة وبراعة وحنكة، واعترف بأنه قد خالف القانون، مضيفاً أنه يدين بالطاعة، قبل كل شيء، "لقانون أرفع وأسمى؛ وهو القانون الذي سنه ضمير الإنسانية، والذي يناهض الظلم والقهر والإجحاف". في النهاية اضطرت الحكومة إلى سحب القضية وإسقاطها.

وعلى الفور قام غاندي وعدد من أتباعه بجولة في أرجاء المنطقة كافة، يسجلون ويوثقون شكاوى المزارعين، وما يكابدونه من معاناة وظلم واستبداد، مما أثار الرأي العام وأرغم الحكومة في شهر حزيران (يونيو) من السنة نفسها على الهندية، واعتبر غاندي هذه الخطوة إنجازاً يضاف إلى رصيد الحركة الوطنية في الهند.

 

غاندي والحكم البريطاني

وعد غاندي الحاكم العام بمساعدته والسعي لتشجيع الهنود على الانخراط في خدمة العلم البريطاني، وأنه شخصياً سيقف إلى جانب البريطانيين، وسيساند جهود الحرب، حيث كان مازال يؤمن وقتها بانتمائه للإمبراطورية البريطانية. وردّ ذلك في الخطاب الذي وجهه غاندي إلى الحاكم العام بهذا الشأن، والذي جاء فيه أيضاً : "إنني أكتب ذلك؛ لأنني أحب الأمة الإنجليزية، وإنني أرجو بذلك أن أستنهض في كل هندي ولاء الفرد الإنجليزي". 

وفي طريق عودته مشياً على الأقدام إلى كيدا، وتنفيذاً لذلك الوعد، باشر غاندي عملية حث الهنود على الانخراط في الجيش البريطاني، وقد عقد اجتماعات ولقاءات لهذا الغرض في كل مدينة أو قرية يمر بها، إلا أن تجاوب الهنود مع تلك الدعوة كان ضعيفاً محدوداً.

قانون رولات... تعطيل الحريات والحقوق الأساسية:

بعد احتجاجات وإضرابات أحمد أباد وكيدا، والعصيان المدني الذي صاحبهما، وبعد أن اتسع نطاق الاحتجاجات التي تثيرها المجموعات المطالبة بالحكم الذاتي، وبعد أن أخذت الأصوات المناهضة للحكم البريطاني في الارتفاع بشكل متصاعد، وبدأت الكثير من الأمور تفلت من قبضة أيدي البريطانيين، شكلت الحكومة البريطانية في الهند لجنة سميت "لجنة رولات"، وذلك لغرض دراسة ما سمته بـ "ظاهرة الإرهاب في الهند" التي وصلت إلى درجة مقلقة لنظام الحكم البريطاني فيها، كما ادعت الحكومة. وبناءً على توصية اللجنة أصدرت الحكومة البريطانية في الهند "قانون رولات Rowlatt Act ، الذي يعطي البريطانيين السلطة في سحق ما أسموهم بالإرهابيين في أي مظاهرة لهم.

مجزرة متنزه جاليانوالا:

بعد الفرحة التي عمت البلاد لنجاح غاندي في تنظيم حملة ناجحة للعصيان المدني على مستوى الهند بأكملها في مواجهة قانون رولات، غرقت الهند في بحر من الحزن والأسى على ضحايا مجزرة "متنزه جاليانوالا Jallianwala Bagh التي ارتكبها البريطانيون في شهر نيسان (أبريل) العام 1919م. ويقع متنزه جاليانوالا في مدينة  "أمريتسار Amrisar " بشمال الهند.

 

إن الوحشية التي ارتكبت بها مجزرة متنزه جاليانوالا جعلت غاندي يتأكد من قسوة وصلافة وحماقة البريطانيين، وبدأ الشعور بالامتعاض والتذمر منهم يتغلغل في داخل أعماقه.


في يوم المجزرة علم الجنرال البريطاني ريجينالد داير Reginald Dyer بتجميع أكثر من عشرة آلاف متظاهر في المتنزه الذي تبلغ مساحته سبعة فدادين، ومحاط بسور عال له خمسة مخارج فقط. فأمر الجنرال داير قوات مسلحة من الشرطة بالتوجه إلى الموقع، مصحوبة بسياترتين مصفحتين مجهزتين برشاشات نارية لتفريق المتظاهرين، وأعطاهم أوامر بإطلاق النار لتحقيق ذلك.

بحسب التقارير غير الرسمية، فإن عدد القتلى بلغ أكثر من ألف شخص، قُتِلوا جميعاً في مدة عشر دقائق، بالإضافة إلى ألف وخمسمائة جريح. وبأمر من الجنرال داير، فقد تُرك الجرحى في العراء في موقع المجزرة من دون إسعاف لأكثر من اثنتين وسبعين ساعة، وتم فرض قانون الطوارئ على إقليم البنجاب بأكمله.

إن الوحشية التي ارتكبت بها مجزرة متنزه جاليانوالا جعلت غاندي يتأكد من قسوة وصلافة وحماقة البريطانيين، وبدأ الشعور بالامتعاض والتذمر منهم يتغلغل في داخل أعماقه.

وعلى أثر تفجر موجات الغضب لدى الناس جراء المجزرة وانتشار أعمال العنف والمواجهات، أمر غاندي بتعليق حركة العصيان المدني إلى أن يتمكن الناس من استيعاب وفهم مبادئ الساتياغرا، وتستقر في نفوسهم وعقولهم ويدركون أهمية الالتزام بأساليب ممارساتها السلمية.

أدرك غاندي، في الوقت نفسه، أن تصعيد حدة القسوة والقمع والكبت من جانب البريطانيين ضد الهنود ستؤدي بالضرورة إلى اشتداد عزيمة وشكيمة الشعب الهندي وتصميمه على تحقيق أهدافه الوطنية المشروعة.

بعد تلك المجزرة عقد حزب المؤتمر الوطني الهندي اجتماعًا، حث فيه غاندي حزب المؤتمر على اتخاذ قرار بتبني حملة جديدة للمقاومة والاحتجاج والعصيان المدني، فوافق حزب المؤتمر على مقترح غاندي في ذلك الاجتماع، وانتخبه رئيسًا للحزب.

المسلمون والهندوس:  "حركة الخلافة" الإسلامية.. نقطة الالتقاء وبداية الافتراق
 
اندلعت "حركة الخلافة Khilafat Movement في العام 1919م نتيجة لقلق المسلمين في الهند ومخاوفهم من دسائس الدول الأجنبية وأطماعها في ديار المسلمين، وجاءت كردة فعل لإعلان بريطانيا عن وقوفها إلى جانب الثوار الجمهوريين الأتراك، الذين كانوا يسعون إلى الإطاحة بالسلطان العثماني، وتغيير نظام الحكم في تركيا. وقد ترأس مولانا محمد علي جوهر وفداً من وجهاء الهند المسلمين، توجه إلى بريطانيا في العام 1919م لإقناع الحكومة البريطانية بالتأثير والضغط على القائد التركي الصاعد مصطفى كمال، لكي لا يخلع السلطان العثماني، إلا أن البريطانيين رفضوا ذلك. 

عاد مولانا محمد علي جوهر والوفد المرافق له إلى الهند حانقين، وفور وصوله، بادر هو وأخوه شوكت علي، بالإضافة إلى مولانا أبو الكلام آزاد وعدد من علماء وقادة المسلمين في الهند، إلى تأسيس منظمة باسم "حركة الخلافة" للقيام بجملة من الفعاليات والأنشطة والإضرابات، ومقاطعة الحكومة، والاحتجاج على مواقف الحكومة البريطانية تجاه الوضع في تركيا، والسعي لحماية الخلافة، والتصدي لخطط مصطفى كمال في تركيا الهادفة إلى فصل الخلافة عن الحكم، وقد حدد مؤسسو هذه الحركة هدفين أساسيين لهم، الأول: ضمان احتفاظ سلطان تركيا، بوصفه خليفة، بسلطاته الدنيوية، والثاني: تأكيد استمرار سيادته على الأماكن الإسلامية المقدسة.

 

إقرأ أيضا: إيكونومست: كيف يعيش مسلمو الهند في ظل حزب هندوسي متعصب؟

كان معظم المسلمين يعتبرون السلاطين العثمانيين خلفاء الرسول في الأرض ورؤوس الأمة الإسلامية، وكان المسلمون في الهند بشكل خاص ينظرون إلى سلاطين الدولة العثمانية كآخر سد في وجه زحف الإمبريالية الغربية، وآخر رمز لقوة المسلمين، بعد أن تمت الإطاحة بملوك الإمبراطورية المغولية الإسلامية في الهند في العام 1858م.وقد نشر مولانا أبو الكلام آزاد، في العام 1920م كتاباً بعنوان؛ مسألة الخلافة، جاء فيه : "بدون الخلافة لا يمكن وجود الإسلام، ويجب أن تُوجَه كل جهود المسلمين في الهند من أجل هذا الهدف".

وفي كلمة ألقاها مولانا محمد علي، في باريس، العام 1920م، قال: "تعتبر الخلافة أكثر مؤسسة ضرورية للأمة الإسلامية في العالم، والأغلبية الساحقة من المسلمين في العالم يعترفون بسلطان تركيا كأمير للمؤمنين وكوريث لخليفة نبيهم. وكجزء جوهري من هذا المعتقد أن يكون للخليفة، أمير المؤمنين، أقاليم كافية وقدرات عسكرية وبحرية مناسبة وموارد مالية ملائمة".وقال في موقع آخر: "كان حاكم تركيا هو الخليفة، وخليفة النبي وأمير المؤمنين، ومن الضروري أن تكون الخلافة همنا الديني، شأنها شأن القرآن وسنة النبي". 

وقد نشرت صحيفة "الرفيق Comrade" في عددها الصادر في دلهي بتاريخ 2 تشرين الثاني (نوفمبر) 1921م، خطاباً وردها من محمد عاصف، وهو ناشط سياسي بارز؛ شدد فيه على أهمية الواجب الشرعي في وجود الخلافة، وجاء فيه: "هيبة تركيا تتطابق مع هيبة الإسلام، ووجود الدولة العثمانية ضروري للتقدم.وقد دُعيّ غاندي للمشاركة في مؤتمر دلهي حول "حركة الخلافة"، الذي عقد في شهر أكتوبر /تشرين الأول 1919م. كما تم انتخابه لرئاسة الاجتماع الذي عقد لـ "مؤتمر الخلافة" بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه. 

تسلّم غاندي قيادة "حركة الخلافة"، ونجح في صهر الهندوس والمسلمين حول هدف واحد، مؤكداً بقوة وحزم ضرورة الالتزام بمبدأ اللاعنف، وأن يكون الحراك سلمياً خالصاً. وبلغ غاندي، في تلك الفترة، أوج لمعانه وقمة تألقه، فبالإضافة إلى الهندوس، كان غاندي وقتها يقود مسلمي الهند أيضاً، أي أنه كان يتمتع بثقة ثلث المسلمين في العالم لمواجهة البريطانيين ومنعهم من السيطرة على الأماكن المقدسة للمسلمين والقضاء على سلطانهم ورمزهم الروحي. وبذلك فقد أصبح غاندي بين العامين 1919م و 1922م، أول قائد غير مسلم لحركة جهاد إسلامية سلمية، وقد قبل قادة المسلمين وعلماؤهم قيادة غاندي لحركتهم.

ومن المفارقات الصارخة الجديرة بالذكر هنا، أن محمد علي جناح، في تلك المرحلة، كان قد نصح غاندي وحذره من مغبة خلط الدين بالسياسة وإقحام رجال الدين المتشددين في العمل السياسي، بجانب أن محمد علي جناح، أثبت في تلك المرحلة، كما سنرى فيما بعد أنه كان أكثر إدراكاً واستيعاباً للحالة الإسلامية في الهند ولأبعاد تطورات ونتائج الحرب العالمية الأولى، والوضع في تركيا، ومصير "حركة الخلافة"، التي لم ينسق وراء شعاراتها. وفي ظل الظروف والمعطيات التي أفرزتها الحرب فقد تفهم محمد علي جناح رغبة وتوجه الشعب والجيش في تركيا والدور الذي اضطلع به كمال أتاتورك والمكانة التي تبوأها.

لم يتفق محمد علي جناح كذلك مع أسلوب غاندي في إثارة الجماهير وتحريكها والزج بها في الشوارع، ضمن برامج المقاطعة للبريطانيين وعدم التعاون معهم في إطار فعاليات "حركة الخلافة"، ومع أن جناح كان يرفض أسلوب تعامل الغرب مع تركيا، إلا أنه كان قلقاً من أسلوب تحريك الجماهير الذي يتبعه غاندي، حيث إن جناح كان يفضل الأساليب الدستورية والحوارات المباشرة شرائح واسعة من الصف الإسلامي في الهند، تلك المواجهة التي أفضت إلى الافتراق عنه، مما أدى بالنتيجة إلى تغذية شرايين وتيارات الانفصال، وإلى تمسك غالبية المسلمين بالهوية الإسلامية وتمترسهم وراءها.

تعبئة هواجس ومخاوف المسلمين: 

لقد شعر الكثير من المسلمين في الهند بالخطر من تسلط الأغلبية الهندوسية عليهم، والإمعان في تهميشهم بعد انسحاب البريطانيين. وسكنهم الخوف من أن يصبحوا أقلية فاقدة للكثير من مقومات البقاء والنمو، بعد ما تعرضوا له من حصار وإقصاء لعقود طويلة على يد المستعمرين البريطانيين، الذين انتزعوا منهم السلطة والجاه عندما قضوا على الدولة المغولية وعلى نظام الحكم الإسلامي في الهند.

 

قاوم غاندي فكرة التقسيم، لكنه في نهاية المطاف اضطر إلى الموافقة عليها، عندما وصل الوضع إلى حد اللاعودة، وقَبِل بتقسيم الهند بين الهندوس والمسلمين تفادياً لمزيد من إراقة الدماء


انتاب المسلمين في الهند القلق على قدرتهم، كأقلية منهكة، على صون هويتهم وعقيدتهم والحفاظ على وجودهم، فشعروا بأنّ لهم خصوصية تحتاج إلى مساحة خاصة بها، وإلى فاصل جغرافي وسور سياسي يحميها وإلى قلعة يحتمون بها. خليط من الأحاسيس بالخوف والضعف وعدم الأمان وانعدام الثقة بالهندوس تحولت إلى منظومة من الهواجس والمخاوف والعقد يصعب تجاوزها، فتأصل الشعور بالحاجة إلى وطن يؤويهم، يعيشون فيه بأمان، يحميهم ويحمي دينهم وهويتهم. وقد امتزجت هذه الأحاسيس بآلام الحسرة والهوان بعد انهيار إمبراطوريتهم المغولية المسلمة والقضاء على الحكم الإسلامي فيها.

لقد ظل وجدانهم متشبثاً ومتعلقاً بذكريات المجد المغولي الإسلامي التي كانت الذاكرة تختزنها، والتي ظلت محبوسة مكبوتة إلى أن تهيأت الظروف والمستجدات الملائمة لتحريكها وإيقاظ الأمل في استعادة، ولو جزء من المجد والجاه الضائعين، ولو على بقعة أصغر من الأرض، وليس القبول بالبقاء كأقلية ضمن معادلة غير متوازنة أو شراكة غير متكافئة محفوفة بالمخاطر والمجازفات والمحاذير. إنّ للمسلمين الهنود تاريخاً يضرب في أعماق الوجود في الهند، وحكما إسلامياً يمتد لأكثر من ألف عام أرسى قواعده محمد بن القاسم، الذي غزا الهند تنزلق الأمور إلى هذا المستوى من الحدة والضراوة.

قاوم غاندي فكرة التقسيم، لكنه في نهاية المطاف اضطر إلى الموافقة عليها، عندما وصل الوضع إلى حد اللاعودة، وقَبِل بتقسيم الهند بين الهندوس والمسلمين تفادياً لمزيد من إراقة الدماء ومزيد من الاقتتال وإزهاق الأرواح وهتك الأعراض بين أبناء الوطن الواحد، وتجنباً لإتلاف وتدمير مزيد من الممتلكات والأواصر والقيم. 

كان غاندي يعمل لصالح الهند كوطن ولصالح الهنود كشعب، ولم يكن يعمل ضد أي طرف، أو ينحاز للهندوس أو للمسلمين، ولذلك كرهه المتعصبون والمتشددون من الطرفين.فالمتعصبون والمتشددون الهندوس، بشكل خاص، استشاطوا غضباً من تراجع غاندي وقبوله بالتقسيم، واعتبروا ذلك غدراً وخيانة لهم وتفريطاً في حقوقهم وتضحية بمصالحهم وروضخاً وانصياعاً لمطالب المسلمين وضغوطهم. كما رأوا أن موافقته على التقسيم كانت خطوة هدف من ورائها كسب ود الأقلية المسلمة وإرضائها على حساب مصالح الأكثرية الهندوسية.

وكلما ارتفعت أصوات الغاضبين على غاندي، وكلما تصاعدت أعمال العنف بين الهندوس والمسلمين، ارتفع وتصاعد معها حجم الأخطار التي تحيق بغاندي وتهدد حياته، بما في ذلك احتمال الاعتداء عليه واغتياله.

وعلى الرغم من محاولة فاشلة لاغتياله، ومن تحذيرات الكثيرين من المقربين إليه بضرورة اتخاذ الحيطة والحذر وتقليص مساحة اختلاطه بالناس وتعزيز حراسته وحمايته أثناء تحركاته وتنقلاته، إلا أن غاندي، في تلك الفترة المصيرية الحرجة من تاريخ بلاده، رفض أن يسمح للخوف على حياته بتقييد وعرقلة جهوده ومحاولاته لوقف نزيف الدم بين الهندوس والمسلمين وتحقيق السلام والتعايش فيما بينهم.

 

إقرأ أيضا: غاندي كان مسؤولا عن تديين السياسة وتسييس الدين في الهند

التعليقات (0)