ملفات وتقارير

كيف تبدو ليبيا بعد ثماني سنوات على ثورة 17 فبراير؟

تشهد ليبيا حالة من الفوضى السياسية والأمنية مع دخولها العام الثامن على ثورة فبراير- جيتي
تشهد ليبيا حالة من الفوضى السياسية والأمنية مع دخولها العام الثامن على ثورة فبراير- جيتي

لا زالت ليبيا تشهد حالة من الفوضى السياسية والأمنية مع دخولها العام الثامن على ثورة 17 فبراير، التي أطاحت بالزعيم معمر القذافي ونظامه الذي حكم البلاد على مدار عقود طويلة.


واستبشر الليبيون بولادة عهد جديد يطوي عقودا من الاستفراد بالسلطة والحكم الديكتاتوري الذي مارسه نظام القذافي ضد مواطنيه منذ انقلابه على الملكية، وتوليه السلطة عام 1969، إلا أن هذه الطموحات اصطدمت بصراع محموم على السلطة والنفوذ والثروات في بلد غني بالنفط، وهو ما جعل تحقيق ما قامت من أجله ثورة فبراير أمرا صعب المنال، في ظل فشل كل الجهود وعلى رأسها الأممية في انهاء الصراع الناشب بين عديد أطراف الأزمة في البلاد.

وفي دلالة على عمق الهوة بين مختلف أطراف الأزمة السياسية في البلاد وتصارع المصالح الفئوية، هاجم المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة القوى السياسية في ليبيا خلال إحاطة قدمها إلى مجلس الأمن في التاسع عشر من الشهر الماضي.

وقال سلامة إن "حالة الجمود السياسي في ليبيا مرتبطة بالمصالح الضيقة والإطار القانوني الممزق ونهب الثروات العظيمة للبلاد"، داعيا الأطراف الليبيىة إلى لقاء جامع برعاية أممية في محاولة لحلحلة أزمات البلاد.


وطالب سلامة ممثلي الأطراف الليبية إلى أن ينظروا إلى الملتقى الجامع بوصفه شأنا وطنيا، وأن يعلوه على مصالحهم الشخصية من أجل تجاوز الصعوبات الماضية وصولا إلى انتخابات عامة ترضى بها جميع الأطراف.


وحذر سلامة من تراجع الأوضاع في ليبيا لسنوات إذا ما تم السماح بحدوث ذلك، مشيرا إلى أن الدعم والرسائل الحازمة الواضحة تجاه المخربين أمر في غاية الأهمية.

ولا يمكن الحديث عن انسداد الافق السياسي في ليبيا بمعزل عن تدخلات أطراف دولية عديدة التي تدعم بدورها قوى ليبية بالمال والسلاح، ما يطيل أمد الأزمة ويجعل من الصعب الوصول لنقطة التقاء بين المتصارعين.


وتوجه اتهامات إلى أطراف عديدة بالتدخل في الشأن الليبي طمعا في الحصول على حصة من ثروات البلد الذي يسبح على بحر من لنفط والغاز، لعل أبررزها إيطاليا وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وعربيا في مصر والإمارات.

 

اقرأ أيضا: "الوفاق" تتهم حفتر باستغلال الحرب على الإرهاب لمصالحه

وتوظف بعض القوى مليشيات ومجموعات مسلحة بعينها في حرب بالوكالة تنوب فيها أطراف ليبية تحت مسميات عدة، إذ يسيطر اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الشرق الليبي، فيما يحاول بسط سيطرته على الجنوب مدعوما من أطراف خارجية عدة. أبرزها الإمارات ومصر.


وكثيرا ما اتهمت مصادر مناوئة لحفتر، الإمارات بدعمه بالمال والسلاح فضلا عن مشاركة طيران مصري وإماراتي غير مرة في قصف مجموعات مناهضة لحفتر في الشرق كجماعة أنصار الشريعة في بنغازي، أو مجلس مجاهدي درنة في الجنوب التي شن حفتر عملية واسعة عليها أفضت إلى سيطرة كاملة لقواته فيها.


وفي دليل على التدخل المصري الداعم لحفتر أعلن الجيش المصري أنه قصف مجموعات ومعسكرات لمسلحين في درنة في ال 27 مايو/ أيار 2017 ، تحت ذريعة رده على هجوم نفذ على حافلة للأقباط في ألمنيا وأسفر عن 29 قتيلا، الأمر الذي أثار استهجان المجلس الرئاسي في ليبيا برئاسة فايز السراج وقال حينها إن القصف لم يجر بالتنسيق معه.

وأطلق حفتر عملية عسكرية جنوب ليبيا بـ"هدف تطهير الجنوب من العصابات الأجنبية والمجموعات المتطرفة". حسب ما أعلنه متحدث عسكري باسم قواته.


الكاتب والمحلل الصحفي الليبي عبد العزيز مغنية قال إن الحدث التاريخي "الثورة" لم يفض إلى نتائج مرضية حتى الآن إذا ما تم تقييم ما يجري على الأرض.

ورأى مغنية في حديث لـ"عربي21" أن ليبيا تعيش الآن "مرضا مزمنا" يتمثل في الصراع بين المكونات والاحزاب السياسية، ووصفه بأنه مرض تعاني منه معظم دول العالم الثالث، إذ لا تسليم بنتائج الانتخابات والاستفتاءات التي تجري، في ظل طغيان معارك النفوذ والمحاصصة.


وشدد بقوله: "إن السلاح ما زال حاكما في ليبيا منذ الثورة إلى الآن، ولا تزال ليبيا مطمعا لقوى خارجية تتدخل في الشأن بهدف ضمان حصتها من الثروات وبأقل التكاليف، مثل  ايطاليا وفرنسا وبريطانيا، وهو ما يفسر نشاطا غير مسبوق لسفراء هذه الدول في ليبيا، حيث يلتقون باستمرار مع بعض المكونات السياسية والمحلية في ليبيا في إطار التدخل في الشؤون الداخلية".

وأكد المحلل السياسي أنه لا يمكن تحقيق أهداف الثورة في ليبيا؛ إلا إذا غابت المصالح الفئوية وجرى تغليب مصلحة البلاد لا مجال لتحقيق ذلك إلا بالتوافق الحقيقي التي يخدم تطلعات الليبيين وواقعهم.

واعتبر أن الخلاف القائم بين حكومة الوفاق في طرابلس والبرلمان في طبرق واللواء خليفة حفتر في الشرق يأتي انعكاسا لخلافات غير مرئية لقوى أخرى، خارجية وداخلية تتحكم في المشهد، مشيرا إلى أن المحاصصة والنفوذ تلقي بظلالها على الصراع الدائر.


واستطرد: "ليبيا دولة مستهدفة سواء بالغزو الخشن أو الناعم، والصراع الحالي هو صراع مصطنع على الثروات، والمكونات الموجودة الآن غير قادرة على المضي قدما في مشروع وطني كبير يلتقي عليه كل الليبيين".


وختم بالقول: "الشباب الليبي كان له طموح في أن تصبح ليبيا دولة ديمقراطية يحكمها القانون والدستور، كانت هناك أحلام جميلة لدى الليبيين بعد الثورة، لكن الواقع انقلب إلى كل ما يمكن أن ينغص حياة الليبيين، وأصبح هناك قصور في كل شئ وسط تدخلات خارجية تعصف بليبيا الأمر الذي جعل الليبيين يترحمون على أيام القذافي مع الأسف". واستدرك: "لكن مع ذلك ما زال هناك فرصة لتصحيح المسار، فالشمس تشرق كل يوم، ولا بد من التخلص من كل التجاذبات السياسية التي تورث الأحقاد وتدمر البلاد".

 

اقرأ أيضا: الناطق باسم السراج: لا خصومة مع أي طرف في الجنوب الليبي

من جهته قال الكاتب الصحفي الليبي السنوسي بسيكري، إن ثورة فبراير ستظل حادثا استثنائيا عفويا أوجدها شباب لا أجندات أو مخططات تدفعهم وكان نتاج فعلهم المجرد من النوايا الخبيثة تغييرا ما كان ليحدث لولا انتفاضتهم.

 

ورأى في مقال نشرته "عربي21" أن  النتائج التي أعقبت "فورة" الشباب يتحملها بالدرجة الأولى رأس النظام السابق، ثم الجشع والطمع والجهل والغباء والعنف والإقصاء الذي هيمن على ممارسات من انحازوا للثورة، وهي بالأساس موروثات سنين تزييف الوعي والتفريغ من أي درجة من النضج الفكري الرصين واستبدالها بحشو ثوري جماهيري لا منطق أو مضمون منتجا له.

ولفت إلى أن كثير من أنصار النظام السابق بمختلف مستوياتهم يعقدون المقارنة بين اليوم والأمس للتأكيد على كارثية فبراير وخيرية سبتمبر (ثورة الفاتح)، ومن العبارات المستخدمة هي القول بأنه في مقابل الفوضى الأمنية بعد فبراير فإن عهد سبتمبر "أمن وأمان".


وقال إن ما فعله القذافي وغيره من المستبدين هو ترحيل الأزمة وإطالة عمرها باستخدام الحديد والنار، ولا يدرون أنهم يراكمون بركان الغضب لينفجر، فالأمن الحقيقي هو الأمن المستدام أي الدائم، عبر مقوماته الشاملة.
 
واستطرد: "الأمن المستدام يحصل ببناء مجتمع متعلم واع ناضج محترم حريص على وطنه وراق في تعامله مشارك بشكل حقيقي في القرار، مسؤول ليس فقط عن حماية المكتسبات، بل وتنميتها بشكل مستمر، لتكون هي الحصن الحصين والسد الأول أمام أي حدث أو فعل يهدف إلى تقويض الاستقرار".

التعليقات (0)