مقالات مختارة

الجزائر: حلم التغيير السياسي

ناصر جابي
1300x600
1300x600

تعيش الجزائر بمناسبة الانتخابات الرئاسية المزمع تنظيمها في الربيع المقبل، على وقع نقاشات واسعة على وسائط التواصل الاجتماعية تحديدا. مرشحة للانتقال إلى الشارع عن قريب، تطرح بحدة مسألة دور النخب في التغيير السياسي، ودور «الشعب» والجيش. نقاشات لم تعد ترفا فكريا، انطلقت بعد الإعلان عن ترشح الرئيس بوتفليقة إلى عهدة خامسة وهو في حالة صحية متدهورة، لا تجعله قادرا على أداء وظائفه الرسمية بحدها الأدنى. ترشح جعل الكثير من الجزائريين يتخوفون على مصير بلدهم، هم الذين يعرفون بالتجربة أن الرئيس المرشح هو الرئيس الفائز، حتى وهو في هذا الوضع الصحي الخطير.


انتخابات سبقتها هذه المرة نقاشات واسعة يتم فيها تشخيص للنخب التي أصبحت تعني أفرادا معينين، كبعض الكتاب المعروفين، المطالبين من قبل رواد المواقع الاجتماعية، بخبث واضح، بإبداء رأيهم في هذه الانتخابات الخطيرة، التي ستنظمها عصب مسيطرة على مراكز القرار، من دون حصولها على الإجماع الشعبي المطلوب، كما عبرت عنه حركات احتجاجية، اندلعت هذا الأسبوع، في أكثر من مدينة، ضد ترشح الرئيس لعهدة خامسة، (عنابة /جيجل/ برج بوعريريج / حاسي مسعود/خراطة /بجاية /الشلف وغيرها).


حركات احتجاجية مرشحة للتوسع عن قريب، بعد التحاق المواطنين الغاضبين بها، ليس في المدن الكبرى فقط، بل حتى الصغيرة والمتوسطة ولدى المهاجرين الجزائريين في فرنسا وكندا، في انتظار ما ستفصح عنه نداءات لأيام التجنيد التي حدد تاريخها في 24 شباط/فبراير من قبل حركة «مواطنة»، من دون أن يكون واضحا من يكون وراء النداء الأول الذي حدد يوم الجمعة 22 شباط/ فبراير للقيام باحتجاج مشابه.


تعيش الجزائر بداية هذا الحراك وهي لم تقطع تماما مع خبرتها السابقة في الاحتجاجات التي تعودت عليها، بخصائصها المعروفة كدور الشباب داخلها، من أبناء المدن الكبرى وأحيائها الشعبية، على وجه الخصوص، وطابع العنف الرمزي الذي ميزها على الدوام، وبضعف تأطيرها السياسي الذي يبرز على شكل غياب شعارات أو تحديد أهداف سياسية بغية بلوغها. حركات تنطلق كموجات لفترة محددة عادة ما تكون قصيرة لتتلاشى، وتعود مرة أخرى مع جيل آخر، من دون أن تتعلم من أخطائها، لغياب النخب المؤطرة التي كان يمكن أن تراكم التجارب، وتطور أداء هذه الحركات التي غلب حتى الآن على مطالبها الطابع الاقتصادي والاجتماعي. كان من السهل على النظام الريعي القائم أن يتفاوض حولها، وهو يعيش في حالة بحبوحة مالية، لم تعد قائمة في السنوات الأخيرة. وضع مالي لم يمنع الحكومة هذه الأيام، من التلويح بقرارات شعبوية، كان التفاوض حولها مرفوضا إلى وقت قريب، كعدم الزيادة في أسعار الغاز والكهرباء المبرمجة، أو إعفاء الشباب من المتابعة القضائية، بعد فشلهم في رد القروض المتحصل عليها.


احتجاجات تحولت إلى نوع من الرياضة الوطنية في الجزائر، من دون أن تساعد على تغيير أداء النظام السياسي الجزائري، الذي فشل الشارع حتى الآن في الضغط عليه جديا، ومن باب أولى تغييره.

 

فكيف سيكون الحال هذه المرة ونحن أمام مطالب سياسية واضحة، تركز على رفض ترشح الرئيس إلى عهدة خامسة، يمكن أن تتطور إلى مطالبة بإصلاح النظام السياسي، وترشيد أداء الانتخابات فيه كآلية للتغيير والتداول السلمي على السلطة. فهل ستبقى هذه الاحتجاجات بالتركيبة السوسيولوجية المعروفة نفسها؟ أم إنها ستتغير هذه المرة؟ وما هي التبعات الممكنة لهذا التغيير في سوسيولوجية الفاعل الجماعي؟ وهل سيؤدي هذا التغيير إن حصل فعلا إلى فاعلية أكبر لهذه الحركات في تحقيق أهدافها السياسية؟ أسئلة كثيرة سنحاول الإجابة عن بعضها بالقول في البداية، إن إمكانية مشاركة شعبية أكبر في هذه الحركات الاحتجاجية وارد جدا على المدى القصير، بل في الأيام القليلة المقبلة.

 

كما بدأت مؤشرات كثيرة توحي بها هذا الأسبوع. مشاركة شعبية ستعطي مصداقية أكبر لهذا الحراك وتعوم دور الشباب داخله الذي لن يستأثر هذه المرة بقيادة هذه الحركات، وفرض منطق العنف عليها، الذي يساعد النظام على الرد عليه واحتوائه بسهولة. فالتنوع السوسيولوجي الذي ستظهر به هذه الاحتجاجات، سيكون له لا محالة تأثير في الحد من نزعة العنف حتى إن كان عنفا بهدف التعبير عن حالة الغضب. الطابع الوطني لهذا الحراك هو الآخر سيكون مؤثرا جدا في إقناع الجزائريين بالقطيعة مع الخوف الذي ركبهم من تجربتهم التاريخية غير الناجحة في مجال المطالبة بالتغيير، التي استغل النظام لسنوات طابعها المحدود في منطقة القبائل للتحرش بها وتطويقها.

 

خوف لا يقتصر على الطرف الشعبي، بل يركب كذلك المعسكر الرسمي المقابل وبدرجه أكبر، تعيشه النخب الرسمية، بما فيها الأجهزة الأمنية التي لن تستطيع مواجهة حركات احتجاجية شعبية واسعة وسلمية، تعكس تخوفا على مصير البلد، وتطالب بمطالب أكثر من معقولة، وتحوز على شبه إجماع شعبي، يمس كل التراب الوطني، في مواجهة أقلية حاكمة ستفقد ما تبقى لها من شرعية إن تمادت في تأييدها لطموحات رجل لم تعد مقبولة لا وطنيا ولا دوليا، رغم المظاهر الكذابة التي توحي بالعكس. وضع يضع صلابة المؤسسة الأمنية بمختلف مكوناتها على المحك، هي المعروفة بطابعها الوطني والشعبي، الذي سيكون من الصعب أن تقفز عليه لتستدرج إلى مواجهات ضد المواطنين، ليست في صالح الدولة والبلد بكل تأكيد.


حراك إن نجح فعلا في التجنيد، سيبرز إلى السطح أحسن ما أنتجه المجتمع الجزائري، منذ عقود من قوى اجتماعية ومهنية، تتجاوز النقاشات الحالية التي تركز على النخبة ـ الفرد والشلل الصغيرة إلى قوى اجتماعية ومهنية عصرية واسعة على غرار الأطباء والمهندسين والمعلمين والطلبة وغيرهم، كانوا بعيدين كفئات اجتماعية عن الحراك السياسي، مفضلين الدفاع عن مصالحهم الاجتماعية لوقت قريب.


فهل من حقنا أن نحلم بهذه الجزائر التي تتحرك بشكل جديد ومختلف قد يأتي بالتغيير السياسي المطلوب الذي طال انتظاره وحول البلد إلى استثناء، بل مسخرة على المستوى الدولي.

 

عن صحيفة القدس العربي
0
التعليقات (0)