كتاب عربي 21

الإرهاب بين الرؤيتين المصرية والقطرية

محمد هنيد
1300x600
1300x600

لا يزال الإرهاب ملفا عزيزا على الدوائر الإعلامية والسياسية الغربية وتوابعها العربية، حيث نجح هذا الملف بالتحديد في تحقيق غنائم استراتيجية وسياسية جمة ما كانت لتخطر على بال من أسس له. فقد تم احتلال العراق وتدمير سوريا وإفشال ثورات الربيع وترسيخ قدم الاستبداد والاستعمار على حد سواء باسم مقاومة الإرهاب والحرب على الإرهاب. 

لكن من جهة أخرى لا يزال المفهوم غامضا غموض الحرب عليه وغموض العناصر المشاركة فيه والكيانات المستهدفة منه، وهو الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التغطية على الجرائم المرتكبة تحت شعار هذه الحرب الغامضة. 

 

إقرأ أيضا: مفهوم الإرهاب بين الغموض والتوظيف

فمن جهة الدول الغربية التي تقود هذه الحرب الكونية والشاملة، كما تسميها، يُجمع أصحاب القرار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الربط المتعمد بين الإرهاب والإسلام حتى ليكاد الإرهابي لا يكون إلا مسلما. هذا التوجه الخطير والعنصري يكشف أن دعاوى حوار الحضارات والتسامح بين الأديان والثقافات ليست إلا شعارات ترفعها المؤسسات الغربية زورا من أجل الاستهلاك الإعلامي لا غير. 

لكن الموقف المحير هو الموقف العربي من المسألة الإرهابية وخاصة من التعريف المقدم لها والطرق التي تراها كل دولة أنجع في مواجهة الظاهرة الإرهابية. 

مصر أو رؤية النظام الرسمي العربي 

كانت مصر ولا تزال تمثل قلب النظام الرسمي العربي أو ما سمي طويلا محور الاعتدال في السياسة العربية الرسمية، وهو ما يفسر التركيز الكبير على النظام السياسي الحاكم في مصر باعتباره قاطرة أساسية في هذا النظام. 

 

المقاربة المصرية للإرهاب هي الأكثر تماهيا مع المقاربة الغربية التي تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالشعوب،


لم تعرف مصر طوال تاريخها الحديث غير الحكم العسكري الدموي منذ انقلاب 1952 أو ما سمي ثورة الضباط الأحرار وإلى اليوم مع النظام العسكري الانقلابي. فقد رفع هذا النظام منذ وصوله إلى السلطة شعار الحرب على الإرهاب باعتباره الحجة الأساسية والوحيدة للانقلاب على السلطة وتدمير أول تجربة انتخابية ديمقراطية في مصر. 

اليوم يحكم العسكر أكبر الدول العربية وأشدها تأثيرا بشعار الحرب على الإرهاب الذي حصره النظام وأبواقه الإعلامية في الخصم السياسي الرئيسي له ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين. فقد أوغل النظام في تنفيذ عمليات الإعدام ضد الأبرياء والخصوم السياسيين وصار يفعل ذلك بدافع الانتقام والترهيب والتشفي وخلق هالة من الفزع والرعب في صفوف المصريين. بل إن الرئيس الانقلابي قد تجرأ على تقديم النصح للأوروبيين بمزيد مراقبة المساجد في أوروبا لأنها حسب زعمه تفرخ الإرهاب والتطرف والتشدد. أي أن الرئيس الانقلابي الذي اقترف أبشع العمليات الإرهابية ضد المدنيين وضد المتظاهرين صار يقدم نصائح للدول الأوروبية. 

 

إقرأ أيضا: لماذا يحرض السيسي الغرب على الإسلام والمساجد بأوروبا؟

الثابت هو أن هذه الرؤية التي تربط الإرهاب بالإسلام وبالشعوب هي نفس الرؤية الأوروبية لكنها في الحالة المصرية تشكل مدخلا للتخلص من الخصوم ولتبرير تصفية المعارضين السياسيين. 

الرؤية القطرية أو المقاربة الممنوعة

تعدّ القراءة القطرية لملف الإرهاب أحد أهم المقاربات العربية الشجاعة في الأسس التي تقوم عليها. 

تستمد هذه الرؤية عمقها من واجهتين: أما الأولى فتتمثل في الإقرار بعنف الظاهرة وبأنها تشكل خطرا على المجتمعات وعلى الدول وأنه يجب محاربتها، وهي بهذا المستوى تندرج في السياق الدولي لقراءة الظاهرة الإرهابية ولا تخرج عنه. 

أما الواجهة الثانية وهي الأهم فإنما تتمثل في أنها لا تقر بالمفهوم الدولي أو العربي الرسمي للإرهاب باعتباره إرهابا مرتبطا بالفرد فقط أو بالدين أو بالشعوب، بل إنها ترى أن التطرف والتشدد والغلوّ ليس إلا مظهرا من مظاهر إرهاب الأنظمة واستبداد الدولة. قطر هي الدولة الوحيدة في العالم التي ركزت على هذه النقطة وهي نقطة لم تركز عليها ولم تثرها أية دولة عربية أو مسلمة أخرى.

 

إقرأ أيضا: أمير قطر يصدر مرسوما يستهدف تعزيز الحرب على الإرهاب

ليس التركيز القطري على هذه النقطة مقتصرا على الإعلام بل تم التعبير عنه على أعلى المستويات في الدولة، إذ تطرق له أمير قطر الشيخ تميم أكثر من مرّة على منبر الأمم المتحدة عندما أشار إلى أن وصف الشعوب بالإرهاب هو وصف ظالم وأن الأنظمة القمعية وغياب الأفق عند الشباب هو الذي يدفع إلى التطرف والعنف. بالأمس القريب وخلال مؤتمر مونيخ للأمن تطرق وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن إلى نفس النقطة عندما أشار إلى أن المقاربة الأمنية وحدها غير كافية لمحاربة الظاهرة الإرهابية، وأنه يجب الحديث عن إرهاب الدولة وإرهاب الأنظمة إذا أردنا أن نقدم مقاربة صحيحة لهذا التهديد الدولي. 

خلفيات المقاربتين

لم تتجرأ الدول العربية على تبني المقاربة القطرية أو حتى على دعمها، ولا غرابة في ذلك لأن التصور القطري لا يتماهى مع تصور النظام الرسمي العربي واستثماره في الإرهاب. فالإرهاب الذي هو صناعة النظام العربي أمر مسكوت عنه لأنه قد يعري هذه الأنظمة ويفضح جرائمها في حق شعوبها باعتبارها الصانع الأول والمسؤول المباشر عن الصناعة الإرهابية. إن الرؤية القطرية لا تخرج عن نفس السياق الذي جعلها تدعم ثورات الربيع وتقف معها باعتبارها ثورات شعبية سلمية مشروعة. إن وقوف الدوحة مع مطالب الشعوب هو الذي يفسر رفضها للمقاربة التي تربط الإرهاب بالشعوب، وهو كذلك الذي يفسر في جزء هام الهجمة الكبيرة التي تعرضت لها الدولة العربية الصغيرة والتي كان آخر فصولها الحصار الجائر من الإخوة الجيران.

 

إن وقوف الدوحة مع مطالب الشعوب هو الذي يفسر رفضها للمقاربة التي تربط الإرهاب بالشعوب،

أما المقاربة المصرية فإنها الأكثر تماهيا في الآن نفسه مع المقاربة الغربية التي تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالشعوب، ومع مقاربة السلطة السياسية العربية التي ترى فيها مدخلا لتبرير الدكتاتورية. إن ما اقترفه النظام السوري في حق المدنيين العزل من قصف بالبراميل وبالأسلحة الكيماوية ومن تعذيب وخطف وتهجير إنما تم تحت راية الحرب على الإرهاب. وهو الأمر نفسه الذي يحدث في مصر وفي ليبيا وفي أغلب الدول العربية التي تبرر فيها الحرب على الإرهاب كل أنواع القمع والتنكيل الذي تمارسه الأنظمة على شعوبها. 

ليس غريبا إذا أن تستثمر الدول العربية كل هذا الاستثمار في شيطنة قطر سياسيا وإعلاميا إلى حدود وصمها بالإرهاب واتهام الدوحة بأنها دولة راعية للإرهاب، وهو أمر لا يقتصر فقط على إيوائها المعارضين للنظام المصري من جماعة الإخوان المسلمين بل لأنها تحمل رؤية مغايرة للرؤية التي يريد النظام العالمي ووكلاؤه العرب فرضه على المنطقة وشعوبها. 

إن نجاح المقاربة القطرية للظاهرة الإرهابية يشكل خطرا مزدوجا على العرّاب ووكيله لأنه يكشف زيف التهمة الأخطر عربيا ودوليا فيعري الأطماع الاستعمارية من ناحية كما يكشف من ناحية أخرى كيف استعمل النظام الرسمي هذه التهمة للبقاء جاثما على صدر شعوب وثرواتها.

 

إقرأ أيضا: حرب الإرهاب وشرعتة الاستبداد

التعليقات (0)