مقالات مختارة

الخرطوم.. فرص قبول العرض الأمريكي

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

حالة مخاض عسير تسيطر على المشهد السوداني، فيما ينتاب المحيط الإقليمي والدولي قلق متزايد من احتمالات الانزلاق نحو أحد النموذجين الليبي والسوري.


الاحتجاجات، على الرغم من خفوت وتيرتها كمّا ونوعا، إلا أن شوكتها لم تنكسر، وفي المقابل يبدو أن خيار المواجهة الأمنية الذي تتمسك به حكومة الرئيس عمر البشير، قد أرهق القوات الأمنية وفتّ من عضدها. فوبيا الفوضى الأمنية دفعت الولايات المتحدة الأمريكية وفقا لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إلى ممارسة ضغط على الرئيس عمر البشير للتنحي. وقالت الـBBC عن مصادرها الدبلوماسية، إن المبعوث الأمريكي للشؤون الأفريقية قد قدم عرضا للبشير خلال زيارته الأسبوع الماضي، ويتضمن قيام مجلس الأمن الدولي بتعليق قرار المحكمة الجنائية ضد البشير مقابل أن يتنحى عن الحكم، بالإضافة لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.


ويأتي العرض الأمريكي في سياق انتباه واشنطن إلى خطورة سقوط الأنظمة الحاكمة في المنطقة بشكل دراماتيكي، سواء بسبب العنصرية أو الجهوية أو التطرف السياسي. ومن أقوال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المدهشة قوله، "إن الشرق الأوسط كان سيكون أفضل في ظل وجود صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، مشددا على ضرورة بقاء بشار الأسد في سوريا".

 

وهذا قد يشير إلى تفكير الولايات المتحدة، إذ إنها قد تكون مع بقاء النظام في السودان وقد يكون في مخيلتها دعم تغيير محدود لا يأتي على النظام من القواعد، مع تقديم طرح سياسي مقنع يستجيب لإصلاح سياسي مقنع جماهيريا. العرض الأمريكي قد لا يجد ردا إيجابيا من الرئيس البشير الذي عرف بتمسكه بالسلطة، وقد أدخل حليفه السياسي (الحركة الإسلامية) في مأزق تاريخي حين نكث بالاتفاق الذي تم بموجبه الزواج المصلحي بين قادة الانقلاب في العام 1989، وعلى رأسهم حينها ضابط المظلات العميد عمر البشير، وبين الحركة الإسلامية بزعامة الراحل حسن الترابي.

 

لقد أربك الاستفراد بالسلطة مجمل خطة الحكم التي وضعتها الحركة الإسلامية؛ فتعثرت فكرة تبادل السلطة داخل المنظومة الحاكمة، وأصبح المسؤول في الدولة مثل الخليفة العباسي لا يتخلى ولا يتحول عن القيادة إلا بالموت الطبيعي أو المؤامرات الداخلية. وكان الانشقاق الذي أدى لخروج الشيخ الترابي من السلطة في 1999 وصمة في جبين مشروع الحركة لحكم البلاد، وما تبعه من أحداث وملاحقات وملاسنات ذهبت بكل بريق.


لقد فات على قادة الحركة أن من يمسك بالسلطة دون ضمانات تركها، لن يتخلى عنها.


بل إن بعض قادة الحركة ممن انحازوا للسلطة المطلقة، أسكرتهم النشوة السُّلطوية ونسوا أن السُّلطة وفقا لأدبيات الحركة، يفترض ألا تمثل غاية في حد ذاتها بل وسيلة. فحركة النهضة التونسية رغم اكتساحها للانتخابات، ارتضت نهج تغليب الشرعية التوافقية على الشرعية الانتخابية؛ لأن الواقع التونسي لا يحتمل ذلك التصدر. في المقابل استولت الحركة الإسلامية في السودان على السلطة عنوة، واليوم تحصد هشيما وتخرج من المولد بغير حُمص. ليس هذا فحسب، بل تحمل وزر إخفاقات تجربة حكم لنحو 30 عاما، وهي فترة كانت كافية لإحداث التغيير الذي بشّرت به أدبياتها السياسية، بل كانت فترة كافية للمراجعة ومعالجة الإخفاق والقصور.

 

وربما اليوم، اقتنع الكثيرون من قادتها - بعد فوات الأوان - بعدم صواب فكرة فرض الإسلام عن طريق أجهزة الدولة، بل كان الأجدى العودة للمجتمع.


إن ما يزيد اليوم الغموض وربما التعقيد، حقيقة كون أن الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة الأعظم في العالم التي تفرض رؤاها وسياساتها على العالم فرضا، فكيف تتعاطى أي حركة أو تنظيم إسلامي تمكن من السلطة مع هذه الحقيقة، علما بأن التوجس الأمريكي من الحركة الإسلامية السودانية ينسجم مع حالة "الإسلاموفوبيا"، التي أضحت مرضا أمريكيا مستعصيا إثر هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001، التي استهدفت برجي التجارة الدولية بمدينة نيويورك. وكما هو معلوم فإن "الإسلاموفوبيا" مفهوم يشير إلى الخوف الجماعي المرضي من الإسلام والمسلمين، فضلا عن أنه نوع من العنصرية قوامه جملة من الأفعال والمشاعر والأفكار النمطية المسبقة، المعادية لكل ما يمت إلى الإسلام.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)