مقالات مختارة

الاتحاد المغاربي.. 30 سنة من الفشل

محمد قيراط
1300x600
1300x600

تفاءل كثيرون بالربيع العربي وبالتغييرات التي شهدتها كل من تونس وليبيا وزحف الإسلاميين على البرلمان في المغرب وحراك سياسي نحو التغيير والقطيعة مع الفساد في كل من الجزائر وموريتانيا.

فالكل كان ينتظر ربيعا لاتحاد المغرب العربي ومستقبلا زاهرا لشعوب المنطقة. هل ستستفيد دول المنطقة من هذه الأحداث لترى اتحاد الشعوب الذي يحقق التكامل الاقتصادي والثقافي والاجتماعي. هل سيساعد النظام الجديد في تونس وفي ليبيا في إيجاد إستراتيجية جديدة لبعث الاتحاد وإخراجه من حالة الاحتضار التي يعاني منها إلى حالة من النشاط والحيوية والتعاون والتكامل بين دوله.
يعتبر الاتحاد المغاربي النموذج الأمثل لفشل العمل المشترك بين مجموعة من الدول تتقاسم اللغة والدين والتاريخ وأشياء أخرى كثيرة.

دول الاتحاد تنعم بخيرات وإمكانيات ووسائل تمكنها من التكامل فيما بينها لتنعم باقتصاد قوي وبأنظمة اجتماعية وثقافية وسياسية فعالة ورشيدة.

الواقع يقول إن الاتحاد المغاربي يعتبر من أكبر التكتلات السياسية فشلا في التاريخ المعاصر. الرئيس التونسي المنصف المرزوقي بعد تسلمه الحكم زار دول المنطقة وأعلن عازما ومتفائلا وحازما أنه سيغير مجريات الأحداث وسينفخ الروح في الاتحاد المغاربي ووعد بقمة مغاربية في سنة 2012، لكن شيئا لم يتجسد في الميدان من أقوال ووعود المرزوقي. فرغم الربيع العربي والتغيرات التي شهدتها المنطقة ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر وأصبح يوما بعد يوم يفقد حتى أسباب ودواعي وجوده.

أيعقل أن نتكلم عن اتحاد مغاربي والحدود مغلقة بين أكبر دولتين في الاتحاد والتي تضمان فيما بينهما أكثر من 80 مليون نسمة. هل يعقل أن لا تتجاوز التجارة البينية بين دول الاتحاد 4%؟ ماذا عن الربط الكهربائي؟ ماذا عن سكة حديدية تسافر عبرها شعوب المنطقة من الرباط إلى نواكشوط مرورا بالجزائر وليبيا وتونس ؟ ماذا عن التعرفة الجمركية؟ ماذا عن التكامل في المجال الزراعي والصناعي؟ ماذا عن التعليم العالي والبحث العلمي؟ والقائمة قد تطول وشعوب المنطقة طال انتظارها في عصر التكتلات والكيانات الإقليمية.

 

فالاتحاد عجز حتى عن تنظيم كأس الاتحاد المغاربي لكرة القدم للأمم أو للفرق الفائزة بالكأس أو البطولة. المنطق يقول أن التغييرات التي شهدتها المنطقة في الفترة الأخيرة تبشر بالخير وتؤشر لربيع على مستوى الممارسة السياسية والديمقراطية وصناعة القرار.

 

وإذا شاركت الشعوب المغاربية في الفعل السياسي فإنها دون أدنى شك ستعمل على التكامل بين الدول الخمس بما يعود بالفائدة على المنطقة برمتها. فالمنطقة مؤهلة بثرواتها وخيراتها ومواردها المادية والبشرية للنجاح والتكامل الاقتصادي. بطبيعة الحال كل شيء سيتوقف على نجاح المرحلة الانتقالية في كل من تونس وليبيا ونية السياسيين وصناع القرار في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا في خدمة شعوبهم بدلا من الاستثمار في الخلافات والوضع الراهن من أجل الاستمرار في السلطة.

فالاتحادات والتحالفات بين الدول نجحت بفضل الديمقراطية ونجحت بفضل الحكم الرشيد والاستغلال الأمثل للثروات المادية و البشرية في كل قطر على حدة ثم في الأقطار المتحالفة والمتحدة مجتمعة. فالاتحاد المغاربي بحاجة إلى دول مغاربية قوية بفضل الحكم الراشد والديمقراطية والتواصل الفعال بين القمة والقاعدة.

في الفترة ما قبل الربيع العربي كان هناك حكم تسلطي استبدادي في ليبيا وحكم فاسد في تونس.
أما بالنسبة للجزائر والمغرب وموريتانيا فهناك حاجة ماسة إلى النظر إلى الأمور والمعطيات بمنطق جديد وهو منطق يقوم على احترام الحريات الفردية واحترام الشعب وإشراكه في العملية السياسية وفي صناعة مصيره ومستقبله. نجاح الاتحاد يتوقف على نجاح كل دولة على حدة فيما يتعلق بالمجتمع المدني، والفضاء العام والأحزاب السياسية والمعارضة والنظام الإعلامي الحر والمسئول والملتزم والفصل بين السلطات والقضاء العادل...الخ.

لقد حان الوقت بالنسبة لدول المنطقة أن تحارب الفساد وإهدار المال العام وعدم الاستغلال الرشيد للثروات المادية والبشرية. لقد حرك الربيع العربي المياه الراكدة ووجه إنذارا شديد اللهجة لتلك الأنظمة التي ما زالت بعيدة كل البعد عن شعوبها وعن الواقع وما زالت تعاني من فجوة كبيرة بين آليات الحكم التي تمارسها والواقع. لكن بعد مرور سنتين على الربيع العربي ما زال الاتحاد المغاربي يحتضر ومازالت أسباب أفوله تتفوق على أسباب نجاحه.

فرغم تحديات العولمة و تربصات الاتحاد الأوروبي بالدول المغاربية والتنافس الأوروبي الأمريكي على المنطقة، نلاحظ أن دول المغرب العربي لم تدرك حتى الساعة، أو بالأحرى لم تنجح في وضع آليات عملية للتكامل الاقتصادي و للعمل المشترك من أجل إقامة كيان موحد يستطيع أن يواجه التكتلات المختلفة في العالم.

أزمة القضية الصحراوية و تعقدها بالنسبة للمملكة في المغرب و النظام في الجزائر كانت وما زالت الحجرة التي انكسرت عليها كل محاولات العمل المشترك بين دول الاتحاد. وهذا ما يتطلب دراسة هذه المشكلة وحلها في أقرب الآجال بطريقة ترضي الجميع ومن أجل مصلحة الجميع. الفعل الديمقراطي في دول الاتحاد مغيّب، و نلاحظ أن طاقات هائلة سواء كانت مادية أو بشرية غير مُستغلة بطريقة جيدة. فالقرار لا يُتخذ بطريقة مدروسة و علمية و السلطة تعيش بعيدة عن هموم ومطالب الشارع . النظام الإعلامي لا يقوم بدوره الحقيقي و ما يفعله هو التملق والتسبيح والتمجيد. فالفجوة إذن كبيرة جدا بين السلطة والجماهير، هذا على مستوى كل دولة في الاتحاد، فكيف تنجح هذه الدول في تحقيق عمل مشترك وهي عاجزة على تجسيد قواعد الديمقراطية داخل حدودها. فدول الاتحاد اليوم عاجزة على إنشاء شبكة سكك حديدية مشتركة ولا طريق سيار يربط دول المنطقة، و لا ربط كهربائي تستفيد منه كل دول الاتحاد.

ومن هنا فإن اتحاد الشعوب مغيّب تماما، و العمل المشترك بين دول الاتحاد نجده غائبا على مختلف المستويات سواء تعلق الأمر بالسياسة أو الاقتصاد أو التعليم أو الثقافة أو الرياضة...الخ. فبدون تكامل اقتصادي وبدون تبادل في مختلف المجالات بين شعوب المنطقة لا يُكتب النجاح للاتحاد المغاربي ويبقى بذلك جسد بلا روح. دول الاتحاد المغاربي بحاجة إلى وقفة مع الذات لتحديد آليات التغيير والتأقلم مع متطلبات القرن الحادي والعشرين. التغيير لا بد منه و يجب أن يأتي من الداخل وبإيمان عميق من صانع القرار. فمستقبل الاتحاد المغاربي يكمن في تحرير المواطن المغاربي وإعطائه إمكانيات الابتكار والإبداع والتميز حتى يساهم بطريقة إيجابية وفعالة في بناء مستقبله ومصيره.
لقد حان الوقت أمام دول الاتحاد المغاربي لتعي أنها أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الإصلاح والشروع في الديمقراطية والتخلي عن الآليات البالية السلطوية التعسفية، أو المحافظة على الوضع الراهن وهذا يعني الموت البطيء للاتحاد المغاربي والعمل المشترك والخنوع والخضوع للقوى الخارجية التي تتربص بالمنطقة.

فالسلطة الحقيقية تكمن في الشعب و ليس في أجهزة البوليس والمخابرات وقوات الردع. الأمر يتطلب إعادة ترتيب أوضاع دول الاتحاد بإجراء إصلاحات حقيقية على المستوى الداخلي لكل قطر وعلى مستوى العلاقات بين دول الاتحاد بما يحقق التنمية الشاملة والإصلاحات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والفكرية في إطار نظام مغاربي متكامل يقوم على الديمقراطية واحترام شعوبه بالدرجة الأولى واحترام الدول الأعضاء بدون مزايدة و لا مساومة. بعد مرور 27 سنة على إنشائه لم تتغير الأمور قيد أنملة بالنسبة للاتحاد المغاربي، وأقل ما يقال عن هذا التجمع أنه فقد سبب وجودة وأنه أصبح جسم بلا روح رغم التحديات العديدة والجسيمة التي تواجهها الدول المغاربية الخمس.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل