قضايا وآراء

زيارة الأسد واستقالة ظريف الجدلية

1300x600
1300x600

ذهبت أغلب التقارير الإعلامية إلى القول أن استقالة وزير الخارجية الإيراني جاء احتجاجا على زيارة الأسد لطهران وغياب التنسيق بين الرئاسة الإيرانية ووزارة الخارجية بشكل أضعف مصداقية وزير الخارجية وأضعف مكانته في إدارة الملفات السياسية؛ ألا أنها تجاهلت الحقائق المتعلقة بالتوقيت المرتبطة بتصاعد التوتر بين الأسد وروسيا في أعقاب المواجهات بين الفرقة الرابعة بقيادة ماهر الأسد والفرقة الخامسة بقيادة نمر الحسن المقرب من الروس.

 

توقيت لافت


توقيت الزيارة وتفاصيلها دفعت محمد جواد ظريف في مقابلة نشرتها صحيفة "الجمهورية الإسلامية" إلى القول: "إن الصراع بين الأحزاب والفصائل في إيران له تأثير (السم القاتل) على السياسة الخارجية"، خصوصا بعد أن ظهر قاسم سليماني قائد فيلق القدس في صورة الحدث أثناء استقبال رئيس الجمهورية روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي للأسد في طهران؛ مستفزا بذلك الشريك الروسي بل والتركي.

 

التوتر بين روسيا وإيران في سوريا بل وبين روسيا والأسد عكسه تسريب وسائل الإعلام الروسية صور جديدة لزيارة بوتين إلى قاعدة حميميم تظهر الرئيس السوري كلاعب ثانوي مهمش؛


الحسابات الفصائلية والميدانية برزت بشكل واضح مهددة بإمكانية تفاقم حالة التصارع والتنافس الإيراني الروسي في سوريا؛ منذرة برفع مستوى التوتر بينهما ليخرج عن الأطر الدبلوماسية بين الشركاء؛ رفع من مستوى التحديات والضغوط والتعقيدات التي يعاني منها ظريف في عمله كوزير لخارجية؛ خصوصا وأنه يعد لمؤتمر أستانا 12 والقمة الثلاثية التي ستجمع روحاني وأرودغان وبوتين في أنقرة؛ إذ نقل عن ظريف قوله لموقع (انتخاب الإيراني): "لا يوجد أي مصداقية لجواد ظريف كوزير خارجية إيران في العالم"، معبرا بذلك عن امتعاضه من الزيارة وتوقيتها الذي جاء في ظرف حساس تصاعد فيه التوتر الميداني بين الفصائل والقوى العسكرية المتنافسة على الساحة السورية.

 

تجاهلت علاقة إيران بتركيا وروسيا


وسائل الإعلام التي تسابقت في نقل الأخبار المتعلقة باستقالة ظريف ركزت على تداعيات استقالته على الملف النووي الإيراني وعلى علاقة إيران بالغرب باعتباره الوسيط المقبول والسفير المناسب لعرض المسألة الإيرانية في المحافل الدولية؛ مستندة في ذلك إلى إشاراته الواضحة حول مصداقيته التي سقطت كوزير للخارجية؛ غير أنها تجاهلت تداعيات الاستقالة على العلاقة مع روسيا وتركيا والعملية السياسية المرتقبة في أستانا 12 والقمة الخامسة المتوقعة في أنقرة والتي ستجمع الروس والإيرانيين والأتراك لمناقشة الدستور السوري والتي يسعى الأسد إلى إعاقتها وخلط الأوراق المتعلقة فيها من خلال شن حملة على إدلب.

 

إقرأ أيضا: الأسد يلتقي خامنئي في زيارة غير معلنة إلى طهران (شاهد)

التوتر بين روسيا وإيران في سوريا بل وبين روسيا والأسد عكسه تسريب وسائل الإعلام الروسية صور جديدة لزيارة بوتين إلى قاعدة حميميم تظهر الرئيس السوري كلاعب ثانوي مهمش؛ تسريبات أعقبت خطاب الأسد الذي هاجم فيه تركيا الشريك القوي لروسيا في سوريا بل وفي العديد من الملفات الإقليمية والدولية.

 

الأسد يسعى لتحسين تموضعه ومكانته من خلال توثيق العلاقة مع طهران والحملة على إدلب ليصبح لاعبا في أستانا 12؛


فروسيا حتى اللحظة تتمسك باتفاق إدلب لخفض التصعيد مع تركيا؛ بل إنها رفعت مستوى التنسيق في الشمال السوري إلى حد بلغ الحديث عن إنشاء منطقة آمنة برعاية روسية ـ تركية مشتركة استنادا إلى اتفاق "أضنة" ليظهر الأسد معزولا ومهمشا في الترتيبات السياسية والأمنية؛ عزلة فاقمها إعلان الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط تجاوز مشاركة النظام السوري في القمة العربية المزمع عقدها في تونس بلغت حد قوله: بأن ما يتردد عن عودة سوريا مجرد إشاعات خلقها الإعلام؛ فالعزلة والحصار الذي يعانيه الأسد من خصومه ومنافسيه؛ فاقمها عزلة وتهميش من حلفائه وشركائه الذين يستعدون لتشكيل اللجنة الدستورية في "استانا 12 " ويعدون العدة لقمة أنقرة الثلاثية التي يمكن تسميتها "سوتشي 5".

لا تتوقف فصول أزمة الأسد على الحصار والتجاهل بل تمتد إلى حملته على إدلب التي فشل حتى اللحظة في تطويرها نتيجة الممانعة الروسية والتجاهل الإيراني ما دفعه إلى زيارة طهران على أمل توجيه رسائل غاضبة إلى موسكو بتوثيق علاقته بالحليف الإيراني المستاء من التقارب بين الأسد وروسيا خصوصا بعد زيارته لموسكو قبل أشهر.

 

إقرأ أيضا: هذا هو السبب الذي دفع ظريف للاستقالة.. ما علاقة الأسد؟

الأسد يسعى لتحسين تموضعه ومكانته من خلال توثيق العلاقة مع طهران والحملة على إدلب ليصبح لاعبا في أستانا 12؛ تقابلها رسائل طهران الراغبة في التأكيد على دورها ومصالحها الميدانية والتي يعبر عنها قاسم سليماني الفصيل المهم في المعادلة السورية؛ والذي يضغط باتجاه تعزيز الحضور الإيراني في سوريا.

فالعلاقة بين طهران والأسد شهدت توترا في أعقاب زيارته إلى موسكو وتجنبه زيارة طهران حينها تخللها توقيع اتفاقات استراتيجية شملت ميناء طرطوس السوري؛ توتر ظهر على شكل تعليقات من مسؤولين عسكريين وسياسيين إيرانيين انتقدوا فيه الأسد وعبروا عن امتعاضهم منه مذكرين بدورهم في حمايته والحفاظ على نظامه؛ انتقادات ورسائل لا تختلف كثيرا عن رسائل روسيا للأسد عبر التسريبات الإعلامية الأخيرة لصورة في قاعدة حميميم.

زيارة الأسد لطهران مناورة أعاد فيها الأسد الكرة إلى الملعب والحضن الايراني بعد أن أظهرت روسيا تجاهلا لمطالبه؛ وبعد أن ازدادت مخاوفه من امكانية تجاوز متطلباته السياسية؛ زيارة تعد استفزازية لروسيا وتركيا وهما الشريكان الاساسيان لإيران في سوريا؛ تقدم البعد الميداني والفصائلي على البعد السياسي للدولة الإيرانية؛ أمر دفع ظريف إلى التعبير عن استيائه بالإعلان عن استقالته نظرا لتوقيت الزيارة ودوافعها.

فالأسد بهذا المعنى لم يربك المشهد السياسي والإقليمي والشراكة الروسية التركية الإيرانية فقط بل وأربك المشهد الداخلي في إيران؛ وهنا تكمن المشكلة الأساسية فكلفة زيارة الأسد أعلى بكثير من منافعها لطهران وهذه رؤية السياسي العقلاني المطلع على تفاصيل المشهد السوري والإقليمي محمد جواد ظريف.

فطهران من وجهة نظر ظريف الموضوعية تحتاج إلى شركائها الأتراك والروس لمواجهة العقوبات الاقتصادية والتحديات الأمينة والسياسية؛ وتوتر العلاقة مع الشريكين لن يخدم المصالح الإيرانية خصوصا وأن الاستعراض المرتبط بزيارة الأسد لن يقلب المعادلة في سوريا ولن يغير شيئا جوهريا في المشهد بل سيزيد من شكوك الشركاء الإقليميين؛ حقيقة تفسر قول ظريف أن الصراعات الفصائلية تؤثر على فاعلية وزارة الخارجية قاصدا المزاودات بين القوى السياسية؛ والتي تتم على حساب علاقات طهران الخارجية وتحالفاته الصلبة فالعقوبات لا يمكن مواجهتها دون تركيا وروسيا .

ختاما: إن الشق الغائب والرسالة المختبئة في ثنايا استقالة ظريف يكمن في العلاقة مع الشركاء والحلفاء الاقليميين؛ اما الاحتفاء الغربي وخصوصا الأمريكي والإسرائيلي بالاستقالة فهو مجرد ترهات؛ إذ أن الرسالة موجهة أساسا إلى الداخل الإيراني وإلى الشركاء الأتراك والروس وليس إلى الغرب وهنا تكمن العبرة والفكرة.

 

إقرأ أيضا: طهران تبدي استعدادها للعب دور وساطة بين أنقرة ودمشق

التعليقات (0)