مقابلات

هشام جعيط لـ "عربي21": الثورات العربية ستنتصر ولو بعد حين

هشام جعيط: "الدولة الوطنية " انتصرت على مشاريع الوحدة العربية والاسلامية (صفحة جعيط)
هشام جعيط: "الدولة الوطنية " انتصرت على مشاريع الوحدة العربية والاسلامية (صفحة جعيط)

نجح هشام جعيط الفيلسوف والمفكر والمؤرخ التونسي في أن يصدر كتبا علمية وتأليفية معمقة ودراسات نوعية عن التاريخ والتراث العربي الإسلامي ترجم أغلبها بعدة لغات. كما كتب وحاضر عن المستجدات في البلدان العربية وشارك بطريقته في النضالات من أجل الإصلاح السياسي والديمقراطية وحقوق الانسان.


البعض يصفه بأنه أهم مؤرخ ومفكر في الخمسين عاما الماضية، حقق وثائق نادرة مطولا وتوصل من خلالها الى استنتاجات علمية عارضها كثير من المستشرقين والجامعيين والكتاب في الدول الغربية والعربية. وكان بين معارضيه علمانيون واسلاميون سلفيون، خاصة عن كتبه الثلاثة عن السيرة النبوية ومرحلة الإسلام الاولى .

من بين أبرز مؤلفاته : "الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي" و"أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة" و"الكوفة: نشأة المدينة العربية الإسلامية" و"الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر" و"أزمة الثقافة الإسلامية" و"في السيرة النبوية 1: الوحي والقرآن والنبوة" و"تأسيس الغرب الإسلامي" و"في السيرة النبوية 2: تاريخية الدعوة المحمدية" و "السيرة النبوية 3: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الاسلام" و"في السيرة النبوية.3: مسيرة محمد في المدينة وانتصار الإسلام".

كانت حصيلة لقائنا معه الحوار التالي :

س ـ بعد حوالي 50 عاما عن إصدار كتابكم التأليفي الشهير "الشخصية العربية الإسلامية والمصير العربي" وبعد 40 عاما عن كتابكم "أووربا والإسلام" وسلسلة مؤلفاتكم عن المستجدات في العالمين العربي والإسلامي بأبعادها الفكرية الثقافية والتاريخية والجيو استراتيجية كيف ينظر هشام جعيط إلى محيطه التونسي والعربي، ولتباين التقييمات لحصيلة 8 أعوام من الثورة التونسية والثورات العربية؟

 ـ يميل السياسيون إلى تقييم واقع الدول العربية والإسلامية والمستجدات الجيو سياسية بالتركيز على العوامل الآنية والمعطيات الظرفية السياسية والعسكرية والاقتصادية والمؤشرات التقنية، لكن دور المفكر الاهتمام كذلك بالأبعاد التاريخية والفكرية والعلمية وتأثيرات العوامل الدينية والفلسفية.

ويلاحظ تراجع اهتمام غالبية السياسيين في العالم عموما وفي الدول العربية خاصة بحاجة صناع القرار وكبار المسؤولين في الدولة والمجتمع إلى استيعاب الخلفيات الدينية والثقافية والاجتماعية للشعوب العربية والإسلامية مثلا.

 

دولنا تحتاج مفكرين وسياسيين لديهم عمق ثقافي ومعرفي وأوضاع الديمقراطية وحقوق الانسان في الدول العربية تدعو إلى الانشغال


لا يمكن فهم المستجدات والمتغيرات الجيو استراتيجية في الدول العربية، وبينها تونس، دون فهم جذور الفكر العربي الاسلامي وعمق التحولات التي شهدها العالم الإسلامي وأوروبا خلال القرون الماضية، عندما كسبت أوربا ورقة التحديث والحداثة فكريا وفسلفيا وثقافيا ثم اقتصاديا.

حصل التقدم في الغرب في مرحلة تراجعت فيه الدولة الإسلامية الكبرى، بقيادة العثمانيين في اسطنبول وتركيا والصفويين في بلاد فارس القديمة وإيران التاريخية وخراسان وأجزاء من العراق والهند وبلاد القوقاز، وكانت عاصمتها تبريز وقزوين ثم اصفهان.

وكانت المنطقة العربية في تلك الفترة الأقل تقدما وتابعة لإحدى الدولتين المسلمتين الكبريين. فيما كانت دولة المغول تتراجع حتى سيطر الاحتلال البريطاني عليها أواسط القرن 19 على الهند.

وبعد الثورات الفكرية والعلمية الصناعية والسياسية في أوروبا وقع احتلال أغلب الدول الإسلامية والعربية وأصبحت المنطقة العربية الأقل مواكبة للتقدم ولخطوات التحديث الفكري والعلمي والسياسي الذي برز في أوروبا في العهدين الحديث والمعاصر.

تعاقبت مشاريع التدارك وبرز رواد الإصلاح والنهضة في القرن التاسع عشر، قبل وصول الاحتلال البريطاني والفرنسي وبعد انتصابه، فتحققت خطوات في مستوى النخب في اتجاه التحديث أو مواكبة التقدم في الغرب مع تطوير الثقافة العربية الإسلامية. وحاولت قيادات الدولة الوطنية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية وإعلان الاستقلال قطع خطوات جديدة في اتجاه التحديث.

 

العلاقة بين العلمانيين والإسلاميين العرب تحتاج مراجعة


لكن الخطوات التي قطعت محدودة وبرزت نقائص كبيرة من بينها العجز عن تحقيق الوحدة العربية والإسلامية وعن إنجاح سياسات تنمية وتحديث ناجعة تراعي الخصوصيات الثقافية والفكرية والدينية للمجتمعات العربية والإسلامية، وبينها تونس.

كما تسببت صراعات المصالح وتناقضات القوى الاستعمارية القديمة والجديدة في المنطقة العربية وخاصة في فلسطين والدول المجاورة لها ثم في دول الخليج العربية والاسلامية الغنية بثرواتها، في تعقيد أوضاع العالم الاسلامي وتكريس واقع "الدولة الوطنية" بحدودها المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والدول الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية وإعلان إنهاء الاستعمار بشكله القديم.

 

تعثر مسار الإصلاحات والثورات لا ينفي نجاحه على المدى المتوسط والبعيد

في هذا السياق التاريخي والجغراسياسي جاءت الثورات العربية. قبل نحو 10 أعوام شارك ملايين العرب في الاحتجاجات والتحركات المطالبة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والكرامة. لكن مثل هذه الثورات تمر بصعوبات لأنها تحتاج جيلا كاملا لتحقق أهدافها.

وكما يلاحظ الجميع فإن الأوضاع تعقدت سلبا في الدول العربية ونشبت حروب إقليمية ودولية بالوكالة في عدد منها. وأصبحت كل السيناريوهات واردة.

 لكن مسار التغيير والإصلاح لا تحكمه فقط موازين القوى العسكرية والاقتصادية الظرفية بل عوامل كثيرة تحتاج أعواما وربما جيلا كاملا لتتطور في اتجاه تكريس أفكار المصلحين وتيار النهضة والتغيير والثورة.

عوامل جيو استراتيجية

س ـ التطورات التي تشهدها تونس والدول العربية والإسلامية تاريخية، ومحكومة بعوامل جيواستراتيجية كثيرة، فهل تسايرون المتشائمين بسبب تعثر الثورات خاصة في المشرق العربي وليبيا على المدى القصير، أم تشاطرون وجهة نظر المتفائلين بنجاح مسار الإصلاحات والتغيير على المدى المتوسط والبعيد؟

حركة التاريخ تحكمها قوانين خلافا للسياسيين الذين يهتمون بالعوامل الظرفية فإن دور المفكر والمثقف الاهتمام أكثر بالخلفيات الفكرية والدينية والثقافية وبالعوامل الانتروبولوجية والهيكلية وأن تكون له نظرة بعيدة المدى.

أثبت التاريخ تداخل العوامل الثقافية والدينية والفلسفية والثقافية وعمق تأثيرها في الدول وفي مسارات شعوبها ومجتمعاتها.

 

المدارس الاستشراقية الالمانية والانقلوسجسونية أكثر عمقا من المدرسة الفرنسية

مسار الإصلاحات والتغيير يستوجب وقتا، لذلك بقدر ما يجب الانشغال بالمستجدات الاقتصادية والسياسية والعسكرية السلبية والخطيرة التي تمر بها الدول العربية والتي تؤجل تحقيق أهداف رموز تيارات النهضة والإصلاح في القرنين الماضيين، يجب التطلع إلى إنجاز كثير من أهداف الثورة التونسية والثورات العربية على المدى المتوسط والبعيد.

مسار الإصلاح والتغيير سوف ينتصر يوما. لكنه قد يحتاج جيلا كاملا تتعاقب فيه التجارب وتتصارع فيه الإرادات. في نفس الوقت يجب الإقرار بكون العالم العربي يمر بمرحلة مخاض قد تطول ويصعب توقع مسار التطورات على المدى القصير بحكم تعقد المعطيات وكثرة المتدخلين محليا ودوليا في الأحداث.

أوضاع الحريات وحقوق الانسان في الدول العربية تدعو إلى الانشغال. وهناك مؤشرات لبروز دكتاتوريات جديدة وحكم فردي يعوض استبداد بعض العائلات الحاكمة القديمة. لكن عوامل كثيرة تضغط في اتجاه التحرر والانفتاح بما في ذلك على المعكسر الشيوعي السابق والدول الآسيوية العملاقة مثل الصين والهند والباكستان. ومثل هذا الانفتاح سوف يساهم في تحقيق قدر من التوازن في العلاقة بين الدول العربية مع أمريكا وأوروبا.

تصحيح العلاقة بين الإسلاميين والعلمانيين

س ـ يعتقد كثيرمن الخبراء أن المسكوت عنه وراء تعثر الثورات العربية عموما وفي تونس خاصة عدم حسم العلاقة بين الديني والسياسي والصراعات القديمة الجديدة بين العلمانيين والإسلاميين أو بين الحداثيين والسلفيين. 

كيف ينظر الفيلسوف والمفكر والمؤرخ هشام جعيط الذي قضى عمره يحقق المصادر والوثائق الدينية والعلمية والسياسية هذه الثنائية التي تكاد تشل الحياة السياسية والفكرية وتورط النخب منذ عقود في معارك أيديولوجية وسياسية تبدو هامشية بالنسبة للرأي العام والشباب؟


 ـ مرة أخرى أؤكد أنه لا يمكن فهم الواقع دون قراءة التاريخ ودراسة المجال الديني بأبعاده الأنتروبولوجية والسوسيولوجية، مع قراءة التاريخ المعاصر وملابسات ظهور التيارات الحداثية العلمانية في اوروبا ثم في مستعمراتها والتيارات اليسارية والماركسية الغربية. وتلك التيارات كانت مواقفها مختلفة من الدين والتراث، والمثقفون في بلادنا تأثروا أكثر بالمدارس الفكرية العلمانية الفرنسية وليس بالمدارس الانغلوسكسونية والالمانية.

النخب العلمانية الحداثية والماركسية العربية تأثرت بالفكر الأوروبي الغربي في عهد الاستعمار المباشر وإعلان الاستقلال. وكان طبيعيا أن تبرز تيارات قومية عربية أو إسلامية انطلق مشروعها من مرجعيات مغايرة مثل الدعوة إلى الوحدة العربية أو وحدة الدول الإسلامية.

 

بورقيبة كان تحديثيا في عصره ولا يمكن اليوم اسقاط بعض اجتهاداته..والمعارضة الديمقراطية


لقد أدى الإحساس بالخلاف مع المستعمر ومصالحه إلى بروز محاولات للتميز عنه فكريا وثقافيا عبر الانتساب إلى تيارات إيديولوجية متناقضة تنتسب إلى الهويات العروبية أو الإسلامية أو الحداثية العلمانية.

لكن من مصلحة تونس ودول المنطقة وثوراتها عدم التورط في مزيد من  الصراعات الأيديولوجية التي تضخمت بين العلمانيين والإسلاميين وتيارات من اليساريين والقوميين ويجب إعطاء الأولوية لمشاغل الشعوب التنموية ومشاكلها الاقتصادية والاجتماعية ومطالب الشباب والعاطلين عن العمل والفئات الدنيا.

وقد نجح الشعب التونسي بنخبه وشبابه قبل 8 أعوام في أن يقدم للعالم نموذجا للانتقال والتغيير السلمي.

لكن على النخب وصناع القرار والسياسيين والمثقفين العلمانيين والحداثيين والإسلاميين بكل تياراتهم إعطاء الأولوية مستقبلا لملفات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

في الآن نفسه يمكن أن تدرك النخب أن سوء التفاهم والعنف قد يتواصلان وأن مرحلة الصراعات الأيديولوجية والسياسية الهامشية والحروب والنزاعات قد تمتد أكثر لمدة عشرين عاما أو أكثر، بما يؤثر سلبا في مستقبل خارطة المنطقة والتوازنات فيها بين القوى الاستعمارية القديمة والجديدة والدولة الوطنية في المنطقة العربية.

الوعي بالتاريخ

س ـ هل تعتبر أن نقص فهم التاريخ العربي الإسلامي من ببين أسباب الخلافات السياسية والأيديولوجية المستفحلة بين العلمانيين الحداثيين والمنتسبين إلى تيار الهوية من بين الإسلاميين والقوميين؟

 ـ أعتقد أن من أراد أن يفهم المتغيرات في تونس والمجتمعات العربية والإسلامية يحتاج أولا إلى دراسة معمقة للدين الاسلامي والسيرة النبوية وظروف نشأة النبي محمد وأصحابه وبدايات بروز هذا الدين الذي وصفه الفيلسوف الالماني هيغل بكونه كان "ثورة حقيقية".

وقد كشفت دراساتي للسيرة النبوية وللجزيرة العربية واليمن قبل ظهور الإسلام ثم في العصر الإسلامي الأول أن تاريخ العرب ارتبط بمحطات كبيرة بينها "الثورة الأولى" التي برزت مع التغيير الكبير الذي قاده النبي محمد في الجزيرة العربية عندما نجح في توحيد العرب.

 

عرفت الباجي قائد السبسي ورموز المعارضة الديمقراطية التونسية منذ 1974


ثم جاءت "الثورة الإسلامية الكبرى" التي أسفرت عن تأسيس الدولة العباسية بروافدها القومية والدينية والإسلامية المتعددة، فزاد تأثير التشريعات العربية والفارسية والصينية والهندية وفلسفة اليونان وعلوم حضارات مختلفة وثقافاتها شرقا وغربا.

لقد توصلت إلى استنتاجات علمية في دراساتي وبعد تحقيقي للمصادر فنقدت كثيرا من المستشرقين الاوربيين مما تسبب في محاصرة كتبي في عدد من دول العالم رغم ترجمتها الى عدة لغات من بينها الانقليزية والفرنسية.

بورقيبة والدولة الوطنية

س ـ لكن كثيرين في تونس وفي الدول العربية مازالوا يتمسكون بمواقف بعض زعماء الدولة الحديثة مثل الحبيب بورقيبة ووجهة نظره عن الدولة الوطن / أو الدولة الامة التونسية؟

 ـ الدولة الوطنية واقع في تونس وفي أغلب الدول العربية رغم الصعوبات التي تمر بها. ولديها مؤشرات كبيرة للديمومة والنجاح في بلدان مثل تونس والمغرب وليبيا ومصر... رغم خصوصيات كل تجربة ورغم انتماء الشعوب ثقافيا إلى فضاءات أرحب مثل المنطقة العربية والعالم الاسلامي.

صحيح أن بورقيبة ورفاقه لعبوا دورا في بناء الدولة الوطنية الحديثة في تونس وحاولوا أن يعطيها هوية خاصة من بينها الاعتزاز برصيد دولة قرطاج وتبني بعض السياسات المعارضة للدين ولإقحامه في الشأن العام وفي السياسة ، وكانوا متأثرين بالمدرسة اللائكية الفرنسية و التي تختلف عن المدارس الديمقراطية العلمانية البريطانية والالمانية مثلا .

لكن غالبية التونسيين من بين المتدينين المعتدلين والمعارضين للغلو والارهاب والجماعات الدينية. وفي تونس بورجوازية وسطى محافظة دينيا تنتسب في نفس الوقت إلى الدولة الوطنية رغم انتسابها ثقافيا ودينيا إلى الأمة الإسلامية وإلى المنطقة العربية.

وفي مصر وليبيا والعراق وسوريا وعدد من الدول العربية تبنى السياسيون مقولات الزعماء والمثقفين العرب مثل جمال عبد الناصر والزعماء البعثيين حول الوحدة العربية، لكن الحصيلة كانت تكريس واقع الدولة الوطنية وخصوصيات كل دولة عربية .

الإسلام والإسلاموفوبيا والمستشرقون  

س ـ يمر العالم منذ نحو عشرين عاما بمرحلة حروب وصراعات استفحل فيها تأثير التيارات العنصرية والمعادية للعرب وللإسلام والمهاجرين من جهة والتيارات المتطرفة المعارضة للغرب بكل مكوناته داخل البلدان العربية والإسلامية. كيف تفهمون هذه الظاهرة؟ وهل لها علاقة بما يسمى بالدراسات التبسيطية والسطحية للإسلام والتاريخ العربي الإسلامي الصادرة عن عدد من المستشرقين؟

ـ أغلب الحروب التي اندلعت في المنطقة منذ أكثر من قرن وخلال العقود والأعوام الماضية، وقع توظيف الإسلام لتبريرها، من دون أن يعني ذلك أنها حروب دينية أو لها صلة بالدين.

الإسلام هنا، لا يقع التعامل معه باعتباره عقيدة بل كثقافة ومرجعية وأيديولوجيا بل كشعار يرفع ضد المستعمر أو العدو.

 شعارات الحركات والتنظيمات الإسلامية والعروبية اليوم إيديولوجية تشكّك في طبيعة العلاقة مع الغرب والبلدان الأوروبية التي استعمرت الدول العربية والإسلامية خلال القرنين الماضيين. ويعتبر كثير من زعماء هذه الحركات وأنصارها أنفسهم أعداءً للاستعمار القديم والجديد وللغرب الإمبريالي.

لكن أدبيات زعماء هذه الحركات ليست مبنية على دراسة معمقة للنصوص والمرجعيات لكنها مفعمة بالسياسة، يختلط فيها الحلم بالتاريخ لأسباب سياسية.

بالنسبة للمستشرقين الكلاسيكيين فإن أغلبهم لم يؤلف كتبًا قيمة وجديرة بالاهتمام عن السيرة النبوية والتاريخ والتراث العربي الاسلامي.

ومعظم مؤلّفاتهم لا تعتمد المناهج العلمية، بل تستغل رغبة الآخر في الاطلاع على الدين الإسلامي والثقافة العربية الإسلامية، ثم يقدمون له مؤلّفات تهتم بالحديث عن الدين أكثر من علم الأديان وتاريخ القرآن والسيرة النبوية. وهم مشغولون كثيرًا بكلّ ما يتعلّق بالسياسة الآنية وبالحركات الإسلامية المعاصرة. 


وباستثناء تور أندريه Tor Andrae الذي اهتمّ بنقاط التلاقي بين الإسلام والمسيحية ومونتغمري وات Montgomery Watt ومارتن لينغز Martin Lings - فإن أغلب بقية المؤلّفات تفتقر إلى الدقّة والموضوعية والعمق العلمي، وتبدو محكومة بمخاوف سياسية لبعض ساسة الدول الغربية ومصالحهم ورغباتهم. وبعض تلك الإصدارات يتضمن إسقاطات وكتب بمنهجية استعلاء.

وللأسف فإن المستقبل ليس بالضرورة لصالح العمق والموضوعية وأتوقع أن يتراجع دور الفكر والمفكرين في العالم كله مقابل تزايد الاهتمام بعلوم التكنولوجيات الحديثة وعصر الآلة والامبريالية الاقتصادية وسلطة وسائل الاعلام الحديثة .

العلاقة مع الباجي قائد السبسي والمعارضة

س ـ أستاذ هشام جعيط لقد عرفت عن قرب أغلب مؤسسي الدولة الحديثة والمجتمع المدني وقيادات الأحزاب بينهم الباجي قائد السبسي، فكيف تنظر إلى تونس اليوم في ظل معارك "كسر العظام" التي تشهدها بين رأسي السلطة التنفيذية من جهة وبين القيادات الحزبية والنقابية من جهة أخرى؟

ـ لا أريد الخوض في الشؤون السياسية مباشرة، وأفضل إكمال دراساتي عن تاريخ الأديان وعن التراث والحضارة.

 

" الدولة الوطنية " انتصرت على مشاريع الوحدة العربية والاسلامية


وأعتقد أن مسار الإصلاحات الديمقراطية والسياسية يتعثر وأن المرحلة الجديدة تستوجب قرارات جريئة من قبل كل الأطراف، من بينها إعلان الرئيس الباجي قائد السبسي أنه لن يترشح لدورة رئاسية جديدة، وسوف يقدر الجميع دوره الإيجابي في قصرقرطاج خاصة ما بين 2015 و2017.

وقد عرفت الباجي قائد السبسي أواسط السبعينات من القرن الماضي عندما كان يسعى مع الوزير سابقا أحمد المستيري ونخبة من السياسيين المنشقين أو المطرودين من الحكومة والحزب الحاكم بزعامة بورقيبة إلى تأسيس حركة "الديمقراطيين الإشتراكيين" المعارضة.

وكان وقتها كتابي "الشخصية العربية الإسلامية ومستقبل العالم الاسلامي" نزل إلى السوق فقال لي قائد السبسي وقتها: "لقد أعددنا وثائق التوجهات السياسية الاقتصادية لمشروع الحزب الجديد ونعتبر كتابك مرجعيتنا الثقافية والفكرية".

والأهم اليوم التفكير في المستقبل وإعطاء الفرصة لجيل جديد من السياسيين ليعالج الملفات التنموية الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة.

التعليقات (1)
Adem
الجمعة، 01-03-2019 09:55 م
نوافقك الرأى فبما يخص علاقة الإسلاميين القوميين و العلمانيين المستبدين المتفرعنين فيما يفبل الطرف الاول الحوار و التوافق رغم حجمهم السياسي الاجتماعي الهائل يرفض الطرف الثاني الامر بل يشترط و يتفرعن رغم كارتونية قواهم سياسيا و اجتماعيا فالمشكلة ليس الإسلاميين بل العلمانيين