أفكَار

كيف يمكن لثورات بلا قيادات أن تحقق أهدافها؟

 شبكات التواصل الاجتماعي في الحالة الجزائرية أفرزت أصواتا قوية الحجة والبيان، توجه الجماهير الغاضبة بذكاء- جيتي
شبكات التواصل الاجتماعي في الحالة الجزائرية أفرزت أصواتا قوية الحجة والبيان، توجه الجماهير الغاضبة بذكاء- جيتي

مع موجة الاحتجاجات والحراكات العربية الشعبية الجديدة التي اشتعلت شرارتها في السودان، ثم في الجزائر، يثور جدل في أوساط الحراكيين بخصوص ما يقال عن أن غياب قيادات معروفة ومحددة للاحتجاجات الشعبية هو في صالحها ويحسب لها، حتى لا يتم إجهاضها عبر ضرب قيادتها المعروفة.


ويضيف مؤيدو ذلك الرأي بأن "غياب القيادات المعروفة عن الحراكات والاحتجاجات الشعبية يفرض على الأنظمة الدخول في مواجهات مباشرة مع الجماهير المحتجة من جهة، ويوفر فرصة جيدة لتوحيد صفوف الثوار بعيدا عن الاصطفافات الفكرية من جهة أخرى".


ووفقا للناشط الحراكي الجزائري، عمار دريد فإن "عدم وجود قيادات للثورة أو للحراكات الشعبية نفعه أكبر من ضرره، لأن النظام سيكون تائها في ضرب المحركات الفردية للثورة، وسيضطر لمواجهة الجماهير مباشرة، إضافة إلى أنه سيصب حتما في صالح توحيد القوى الثائرة، ويلغي فكرة الاصطفاف الأيدولوجي". 


وتعليقا على ما يقال عن الآثار السلبية لغياب القيادات، لفت دريد إلى "أن شبكات التواصل الاجتماعي في الحالة الجزائرية أفرزت أصواتا قوية الحجة والبيان، توجه الجماهير الغاضبة بذكاء، وتفضح وتكشف خطط العسكر". 


واستدرك الناشط الحراكي في حديثه لـ"عربي21" قائلا: "لكن تبقى تلك القوى أو الأصوات مفرقة، وليست موحدة في فريق واحد، مع أن تأثيرها يبقى قويا". 

 

اقرأ أيضا : كيف تتحقق الوحدة الإسلامية في ظل سياسات الأنظمة التصادمية؟


وأكدّ دريد على أن "الحراك مدرسة، وهو من سيكوّن ويخرج لنا قيادات جديدة من رحمه"، مضيفا: "فالأنظمة الشمولية القمعية قتلت كل وعي مسبق، وقتلت كل قيادة مسبقة، ونحن أمام حالة جديدة اليوم، فالحراك هو من يصنع قادته، وهو من يصنع الوعي الآني، وكل شيء سيكون وليد اللحظة" على حد قوله. 


لكن معارضي ذلك الرأي يتساءلون "إذا غابت القيادات الثورية الواعية عن تلك الحراكات والاحتجاجات فمن الذي سيتولى إدارة الصراع بوعي ودهاء؟ وهل تقوى جماهير لا خبرة لها بالعمل الثوري الاحتجاجي وإدارته على مواجهة مكر وخبث الأنظمة المستبدة؟". 


في هذا السياق ذكر الباحث الإسلامي، المهتم بدراسات التغيير والنهضة، إبراهيم العسعس أن "سبب فشل سائر حركات النهضة العربية منذ عهد محمد علي باشا إلى يوم الحراكات العربية الراهنة يرجع في جوهره إلى غياب القيادات الواعية بأحد مظهرية؛ فإما أن توجد تلك القيادات لكنها ليست على مستوى الثورة، أو أنها ليست موجودة بالأساس كما في حالة الحراكات الشعبية الحالية".


وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "لم نكن نتوقع يوما أن يثور جدل حول قضية من أوضح الواضحات، فتاريخ الثورات الإنسانية يؤكدّ بكل وضوح أن أي ثورة بلا رأس مصيرها الفشل والإجهاض". 


وأوضح العسعس أن الحالة الجزائرية الحالية تشبه الحالة المصرية تماما مع اختلاف طبائع الشعبين، فالجيش هو المسيطر تماما على مفاصل الدولة في الحالتين، مشيرا إلى أنه "لا يستبعد أن يلقى الحراك الجزائري ذات المصير الذي لقيه الحراك الشعبي المصري من قبل كرؤية تستند إلى معطيات الواقع، بعيدا عن التحليل الرغائبي المتداول".


ولفت العسعس إلى أن غياب القيادات (الثورية) عن الحراكات الشعبية، سيفتح المجال لقيادات القوى والحركات الإصلاحية لملء المكان الشاغر، وهي بطبيعتها وبنيتها غير قادرة على إدارة أحداث ما بعد الاحتجاجات، وهو ما يثير الهواجس من أن يكون إجهاض تلك الحراكات على أيدي تلك القوى والقيادات الإصلاحية، بصرف النظر عن نيتها ومقاصدها الحسنة". 


من جهته رأى مسؤول قسم الدعوة السابق في الرابطة الإسلامية بإيطاليا، عاطف حامد أن "القيادة للثورة ضرورة إنسانية، وفريضة شرعية، إذ إن أنظمة الفساد والاستبداد لا يمكن إزاحتها بأعمال فردية، تقصر عن الارتقاء بمستواها إلى عمل جماعي منظم له أهدافه ووسائله ومداه الزمني للتحقق". 


وقال لـ"عربي21": "إن سنن التاريخ القديم والمعاصر تؤكد أنه لم تقم ثورة ولا انتفاضة ولا مقاومة من غير أن يكون لها قيادة ومرجعية، وهذا لا يمكن أن يتحقق من غير تضحيات، والتي تكون على المستوى الجماعي المنظم أكثر منها على المستوى الفردي".  


وشدد الناشط الدعوي المصري حامد على أن "القيادات الواعية للحراكات والاحتجاجات الشعبية، هي التي تشكل المرجعية الموجهة، التي تحسن التخطيط، وترسم المسارات، وتحدد الخيارات".


بدوره قال الأكاديمي اليمني، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور عبد الباقي شمسان: "من الطبيعي أن تغيب القيادات عن الحراكات والاحتجاجات الشعبية الحالية، لأن الأنظمة الديكتاتورية العربية كانت تقصي القيادات الجيدة، وتصعد القيادات الفاسدة والضعيفة". 


وتابع حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وحينما تعصف رياح التغيير، وتتم التحولات فإن الحراكات الشعبية تحتاج إلى وقت طويل حتى تفرز قيادات قادرة على إدارة الصراع والتفاوض، ومن ثم إدارة الشأن العام". 


وأوضح شمسان أنه "خلال فترة التحولات ستحدث صراعات بين مختلف القوى الفاعلة، وقد ترتكب بعضها أخطاء تضعف الحراك بمجمله، وربما تحسم إحداها الصراع لصالحها، لكن غياب القيادات الجامعة عن الحراكات الشعبية العربية، انعكس سلبا عليها، ما أدّى إلى فشلها وعدم قدرتها على التأثير، أو الاستمرار على ذات النسق". 


وخلص أستاذ العلوم السياسية في ختام كلامه إلى أن "الحراكات الشعبية ستعيش لفترة ما حالة من فراغ القيادات، لكنها إن ثابرت على فعلها الاحتجاجي، وصمدت في مواجهة مكر الأنظمة الديكتاتورية ستفرز قيادات من رحم الميدان والممارسة الاحتجاجية، أما إذا ضعف الشباب عن مواصلة المشوار، وآثروا الانسحاب من المشهد فمن المؤكد أن القوى الفاعلة والمنظمة، ستلتف على ذلك، وتوظفه لصالحها". 

التعليقات (3)
متفائل
الأربعاء، 20-03-2019 05:03 م
و لا واحد تحدث بخصوص المبدأ الذي تميز به الحراك الجزائري ، ألا وهو مبدأ السلمية أو مبدأ اللاعنف الذي ينبغي أن يحكم مسار التدافع بين الجزائريين ، ليس هذا وليد الساعة ، بل هو سلسلة من حلقات الوعي البديل التي ميزت هدوء الجزائريين من بعد محنة التسعينات ، لا أحد من المتدخلين على مستوى هذه الورقة يدرك خفايا معركة اليوم ، ربما يظهر للبعض أن المقابلة هي بين الحراك الشعبي و محيط الرئيس بوتفليقة ، هناك مجهول آخر داخل الحلبة التي هي مختلفة عن حلبة صراع ظاهر ، لذلك فإن عدوم بروز قيادة على رأس الحراك بالسرعة المطلوبة مرده إلى طبيعة الوعي البديل على مستوى النخبة المتداخلة الأجيال و المتميزة بكثير من الأوراق التي تحتفظ بها لنفسها ، بروز القيادة الكفأة بات ضروريا ، لكن ليس النظام أو أذرعه الإعلامية هو من يقرر ، بالفعل هناك أكثر من سيناريو مبيت ، ومنه تكرار صورة شبيهة بصورة مصر ، و بسيسي مثل سيسي مصر ، و للعلم فالورقة باتت خاسرة ، سقطت من دون رجعة ، و السيناريوهات باتت قليلة جدا ، أما ولادة القيادة فلن تكون إلا قيصرية ، والمخرج كذلك، وهناك مخاطر جمة نسأل الله السلامة و التمكين .
عاطف حماد
السبت، 16-03-2019 08:14 م
فيما يدعيه البعض أن الأفضل للثورة أن لا يكون لها قياده ، فهو قول مرود علية فالقياده للعمل ضرورة إنسانيه وفريضة شرعية !! 1_فحجم الباطل الموجود من استبداد وفساد لا يمكن ازاحته بأعمال فرديه لا ترتقي إلى عمل جماعي منظم له أهدافه و وسائله و مداه الزمني للتحقق . 2) سنن التاريخ القديم والمعاصر .. لما قامت ثورة ولا إنتفاضة ولا مقاومة دون أن يكون لها قيادة ومرجعية . 3 ) هذا التغيير المنوط به القيادة لابد له من تضحيات ولا يمكن أن ينجح عمل جبار مثل هذا بدون تضحيات.. والتضحيات على المستوى الفردي أقل بكثير من التضحيات على المستوى الجماعي المنظم . 4) جرت العادة على أن القيادة لدوعي أمنية أو لسهولة تحركها أن تخفي بعض قياداتها ( القيادات البديلة او قيادات الظل ) لكن لابد من وجود بعض الرموز الظاهرة الواضحة المشهود لها بالثقة و الكفاءة.. 5 ) بعض الأفراد بطبيعتهم غير مؤهلين للقيادة ولكن يحسن أن يكونوا حبة في عقد او خطوة في طريق . 6 ) القيادة هي بمثابة نجوم يهتدي بها الآخرون الساهرون ، ويرجع إليها من أراد التفاوض من الفريق المقابل وهي تعرف قوة الحركة التي عليها اما ان تهادن او تفاوض او تدخل غمار المعركة . 7 ) والضرورة الشرعية للقيادة تأتي للأسباب التالية : * فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم بيعة العقبة الثانية إذ قال أخرجوا إلي إثني عشر نقيبا من بينكم.. فالمؤمنون بالفكرة هم الأنصار الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم من اختاروا قادتهم وبالتالي صار خطاب المجموع كله من خلال النقباء . * فعل النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين أشيع انه قتل فأظهر مكان القيادة حين قال انا النبي لا كذب انا ابن عبد المطلب.. رغم علمه بخطورة ذلك على حياته . * ثالثا وأخيرا .. أمر بها النبي حين قال اذا كنتم ثلاثة في سفر فأمروا أحدكم.. فما بالكم في حال مهاجمة كل هذا الباطل داخليا وخارجيا و قوة وإستبدادا .. فكيف لا يكون لنا قيادة ؟؟!!
قيادة أم أرانب
الخميس، 14-03-2019 11:57 م
المعارضة تتخيل أن القانون يجب أن لا يكون له سيد يطبقه، هل ننتظر المعارضة ونتعذر أنها ليست واعية،معناه الكل غير واعي، يمكن، في كل الأحوال يستطيع المسلمون النهوض وتنصيب قيادة يتوحد عليها الجميع ويخضع لها الجميع، أعتقد أن ما ينقص المعارضة هي تنصيب قيادة.