حول العالم

بعد كتابته للأول.. مغربي يخط ثاني مصحف ضخم بمكواة على الجلد

فكرة إنجاز مصحف بخط اليد لازمت الخطاط عمر لمدة عشر سنوات - عربي21
فكرة إنجاز مصحف بخط اليد لازمت الخطاط عمر لمدة عشر سنوات - عربي21

يجلس وراء مكتبه الخشبي وعكازاه بجانبه، بينما تمسك يمناه بمكواة كهربائية، عاكفا على كتابة سورة الفاتحة على جلد ماعز بعناية فائقة، وبجانبه قطعة حديدية صغيرة فوقها القليل من بخور الكندر، يحرقه برأس المكواة الساخن بين الفينة والأخرى ليعم شذاه المكان.

هدية للمسجد الحرام


"أعظم إنجاز في حياتي"؛ هكذا يصف الشيخ المغربي المقعد، عمر الهادي المصحف الكبير الذي انتهى من كتابته قبل سنة بمكواة كهربائية على جلد الماعز، لكنه مازال يلازم ورشته وراء مكتبه الخشبي، بمدينة القنيطرة (شمالي العاصمة المغربية الرباط)، والمكواة في يده، متحديا إعاقته بإمكانات بسيطة وإرادة صلبة وحماس متقد، قائلا في حديث لـ"عربي21"، إنه شرع في كتابة مصحف جديد على جلد الماعز وبرواية حفص هذه المرة، مشددا على أنه سيحرص على وضعه في المسجد الحرام بمدينة مكة المكرمة، بعد الانتهاء من كتابته.

المصحف الأول الذي انتهى من كتابته وجمع صفحاته بداية عام 2018، واستغرق في إنجازه ثلاثة أعوام، يقع في 565 صفحة بطول 55 سنتمترا، وعرض وسمك 36 سنتمترا، ووزن قدره مئة كيلوغرام.

 

يقول عمر لـ"عربي21": "أشرع حاليا في كتابة مصحف جديد بنفس الطريقة وبخط "المبسوط"، لكنه مختلف عن الأول؛ فهذا سيكون برواية حفص وصفحاته ستكون أعرض وزخرفاته مختلفة أيضا"، موضحا أن "صفحات المصحف الجديد بعرض 37.5 سنتمتر وطول 57 سنتمترا".


 

عمر الذي لا يحرك من أطرافه إلا يده اليمنى، شديد الإيمان بقدراته، قائلا في هذا الصدد إن "الإنسان بعقله لا بجسمه". ومرددا القول المأثور "عطاؤه عطاء ومنعه عطاء"، يواصل عمله على مشروعه الجديد بحماس قل نظيره. أما زوجته نجاة التويمي، فترى أن "إرادته راسخة وعزيمته قوية"، لكنها تشفق عليه من "إجهاد نفسه"، موضحة في حديث لـ"عربي21" أنه في الكثير من الأحيان يعتكف في ورشته من الساعة الثالثة صباحا إلى ما بعد صلاة العشاء ليلا. 

يحكي عمر لـ"عربي21" أنه يشتري الجلد بـ200 درهم (حوالي 20 دولارا) لـ"الطرحة" التي تضم أربع قطع، موضحا أن كل قطعة تشكل صفحة بعد  تشذيب الجوانب. بعد ذلك يعمل على إزالة الشعر من الجلد، وهي العملية التي وصفتها زوجته نجاة بـ"الشاقة". ثم تأتي مرحلة تليين واجهته قبل إلصاق كل قطعتين مع بعضهما بالغراء لتشكلا معا ورقة واحدة، بعد ذلك يقطع الجوانب بمقص متعرج.

بعد أن تصبح أوراق الجلد جاهزة يضعها الخطاط عمر أمامه على مكتبه ويزين جوانبها بزخرفة خاصة، ثم يشرع في الكتابة عليها بعناية فائقة وحرص شديد، بعد ذلك تراجع زوجته وبعض النسوة اللواتي يشرف على تحفيظهن القرآن ما كتبه تفاديا للأخطاء، كما فعل في نسخة المصحف الأولى.

 

 

عمر ليس خطاطا فقط، بل هو شيخ حافظ لكتاب الله وقارئ، وفنانا أيضا بمواهب متعددة، وهو ما ينعكس على ورشته الصغيرة التي تضم لوحات جميلة من الخشب والجلد والنحاس وتحفا نادرة، ناهيك عن أدواته الخاصة التي صنعها بنفسه، مثل أقلام الخط العربي التي صنعها من العظام.

إلهام القفص


فكرة إنجاز مصحف بخط اليد لازمت الخطاط عمر لمدة عشر سنوات، ظل خلالها يفكر ويبحث عن المادة التي سيكتب عليها وكيف يجعل عمله فريدا، قبل أن يهتدي إلى جلد الماعز.

 

يقول عمر الهادي لـ"عربي21": "كنت بصدد إصلاح قفص حديدي للطيور باللحام، وكانت الشظايا الساخنة تسقط فوق لوحة خشبية وتترك أثرا أسود جراء الاحتراق، فأوحى إلي ذلك بفكرة الكتابة على الخشب والجلد بالحرارة، ثم جربت المكواة الكهربائية فكان ذلك رائعا".

 


أما علاقته بالخط فيقول إنها انطلقت منذ طفولته لما كان طالبا في كتاب لتحفيظ القرآن الكريم بمدينة وجدة (شرق المغرب). يقول مبتسما: "كنت شديد العناية بلوحتي، أحرص على كتابة الآيات التي سأحفظها بخط جميل ومرتب، وكنت مولعا بالخط، قبل أن أتعلم إتقانه فيما بعد".

يرى عمر الهادي أن إعاقته الحركية قد تكون وراء إنجازاته، قائلا: "جلوسي طوال اليوم على الكرسي منحني فرصة لأنجز بعض الأشياء"، ثم استطرد ضاحكا: "ربما لو كنت أستطيع المشي فقد لا أجد الوقت الكافي لكل هذه الأمور".

0
التعليقات (0)

خبر عاجل