مقالات مختارة

وكان التغيير حتما مقضيا!

جمال لعلامي
1300x600
1300x600

المسيرات المليونية السلمية، نجحت في تحرير قطاعات حيوية ومؤثرة، فحرّرت القضاء والإعلام والمحاماة والمساجد والإدارة، وقد أصبحت “حرّية التعبير”، من 22 فيفري، بسقف لم يتوفّر لهذه الهيئات منذ عدّة سنوات، فقد ساد الاعتقاد، أن “تكميم الأفواه” أصبح حتما مقضيا، بعدما جنحت السلطة السياسية، خلال العشرين سنة الماضية، إلى منطق “إن لم تكن معي فأنت ضدّي”!

الشعب الجزائري، وهو السيّد وصاحب كلّ السلطات، التي أريد لها ظلما أن تكون تابعة وليست متبوعة، فقد حرّر السلطة القضائية، وحرّر الصحافة كسلطة رابعة، وحرّر الأئمة من سلطة الوزارة التي كانت تراقب خطبهم، وحرّر الإدارة من بيروقراطية سلطة سياسية تستعملها في الانتخابات كعصا ضاربة، ومن هنا بدأ التغيير الجذري، فلا تغيير للنظام، إلّا بتحرير هذه السلطة من قبضة السلطة التي تتعسّف في استعمال السلطة!


نعم، التغيير في القضاء، والتغيير في الإعلام، والتغيير في المحاماة، والتغيير في المسجد، والتغيير في الإدارة، هو بساط أحمر لإحداث التغيير الجذري في النظام، وهذا التغيير لن يتحقق من دون تغيير الذهنيات المتحجّرة والعقليات البائدة، ولعلّ استقلالية العدالة، وحرية الصحافة، وحياد المسجد والإدارة، هو ضمانة لبناء جزائر جديدة، تتخلّص ولو تدريجيا من تبعية كلّ شيء، وأيّ شيء، إلى السلطة السياسية، من أجل لا شيء!


تغيير النظام مثلما يطالب به الجزائريون، بطريقة سلمية وحضارية دوّخت العالم، هو أيضا تغيير في المدرسة والجامعة والأسرة والمجتمع، وهذه الروافد هي المكوّن الأساسي والرئيسي في تغيير الدستور ومختلف القوانين والتشريعات التنظيمية، التي لا معنى لتغييرها، ما لم يتغيّر كذلك مفهوم هذا التغيير، الذي ينبغي أن يُسقط عقلية “التشوكير” في إعادة بناء الدولة!


الأكيد أن الحراك الشعبي، الذي تسلّم شهادة ميلاده في يوم الجمعة 22 فيفري 2019، قد بدأت معه تباشير التغيير، ولعلّ أهم تغيير قدّمه الجزائريون لكلّ العالم، أنهم عكس ما كان يروّج في حقهم، هنا وهناك، فهم سلميون ومتحضّرون ومبدعون في ممارسة السياسة، التي ظلت في منظور السياسيين فنا للكذب والنصب والنهب!


الجزائريون دشّنوا التغيير بأنفسهم، دون أن ينتظروا تغيير السلطة، أو التغيير القادم من السلطة، فكانت شعاراتهم المرفوعة في المسيرات المليونية، بداية لهذا التغيير الذي كسر أولا حاجز الخوف، وأذاب الجليد، وأظهر الغابة الجميلة التي كانت تغطيها شجرة أكل عليها الدهر وشرب، ولعلّ أهم انتصار لهذا التغيير، هو ثبات وثبوت الجزائريين على وحدتهم وسيادتهم وأمنهم واستقرارهم وثوابتهم الوطنية، ورفضهم لأيّة رائحة قادمة من وراء البحار والمحيطات!


هكذا هي التجارب، والإنجازات والأحلام، تبدأ صغيرة ثم تكبر، وها هو حلم التغيير انطلق ولن يتوقف، طالما أنه حلم الشعب، حتى وإن طاردته أو تربّصت به كوابيس مزعجة في النوم واليقظة، لكن في النهاية، بعد الظلام تشرق الشمس التي لا يُمكن تغطيتها بغربال!

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

0
التعليقات (0)