قضايا وآراء

لماذا مبادرة التعايش بين الحضارات؟

طارق الزمر
1300x600
1300x600
أطلق مركز حريات للدراسات السياسية والاستراتيجية في 2 نيسان/ أبريل؛ مبادرته للتعايش بين الحضارات والأمم، تحت عنوان "مرحبا أخي"، متمنيا أن تكون خطوة تليها خطوات نحو اقتحام العالم الإسلامي مجال المبادرة والفعل الإيجابي، تجاوزا للاستسلام لنهج رد الفعل أو السلبية السياسية، بل والحضارية.

وربما كان من المناسب أن تكون المبادرة التي تنطلق من قلب العالم الإسلامي في هذا الظرف تحت عنوان "مرحبا أخي"، ذلك العنوان الذي اختاره الشهيد الأفغاني "داود نبي"، أحد شهداء مسجدي نيوزيلندا، ليضع المسلمين مرة أخرى في موقع متميز، بعد أن حاول أقطاب السياسة العالمية خلال العقود الثلاثة الماضية أن يضعوا الإسلام والعالم الإسلامي في موقع مشوه.

جاءت التسميه لتضع العالم الإسلامي على منبر جديد؛ يقولون فيه للدنيا كلها: إن أيدينا ممدودة بالسلام، وستظل عقولنا منفتحة على الحوار؛ فلا ينبغي للبشرية أن تستسلم لدعاوى الصدام، ولا ينبغي للعقل الإنساني أن يتجنب الحوار، ولا سيما إنسان القرن الحادي والعشرين الذي أصبح مسلحا بأرقى العلوم التي لم تتح للقرون السابقة، وأصبح متواصلا مع كل بقاع الأرض في ذات اللحظة، بما لم يتوافر في أي عصر سابق.

تأتي هذه المبادرة في ظرف عصيب، حيث ارتفاع صوت العنصرية وتنامي مظاهر القتل على الهوية، وهو ما يستوجب استدعاء العقل الإنساني واستنفار كل قيم التعايش؛ لمحاصرة هذه الظواهر الآخذة في التفاقم، والتي كان آخرها ما وقع في مسجدي نيوزيلندا، بالعدوان البشع على المسلمين أثناء صلاتهم.

فالمبادرة معنية بالتصدي للعنصرية، وكل مظاهر القتل على الهوية، ولمن ينظرون ويخططون لمستقبل العالم من خلال صدام الحضارات، فلا شك في أن المصالح الذاتية هي وجهتهم، فضلا عن أنهم يفتقدون لأهم القيم الانسانية التي تعيد البشرية كلها لأصل واحد. كما أنه لم يعد خافيا على الجميع كيف أن صراع الهويات أصبح مرتعا خصبا لتجار الحروب، ومجالا فسيحا لصناعة السلاح.

وإنه لمن المؤسف أن يشهد هذا القرن تنامي السلطوية واتساع دائرة الحكومات الفاشية والديكتاتورية، بل وتراجع وانحسار الديمقراطية والقيم الليبرالية، وهو ما تم لصالح اليمين المتطرف الداعم للعنصرية البغيضة، وهو ما يجعل المجتمعات مؤهلة بشكل أكبر من أي وقت مضى للصدام والصراعات المجتمعية.

كما أن الشعوب التي هربت من السلطوية واحتمت بالديمقراطية؛ وجدت نفسها اليوم ضحية جديدة لتصاعد اليمين المتطرف. وأما الشعوب الواقعة تحت قبضة الاستبداد، فوجدت نفسها محشورة بين مطرقة الديكتاتورية وسندان الإرهاب الذي يغذيه وينميه الاستبداد.

إن مبادرة "مرحبا أخي" التي تسعى لبناء عالم أفضل؛ قد تأسست للبناء على المجهودات السابقة، والتي سعت لذات الهدف السامي، وربما كان أهمها مبادرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان (عندما كان رئيسا للوزراء) ورئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيس ثاباتيرو، عام 2005، والتي أطلقا عليها "تحالف الحضارات"، وتبنتها الأمم المتحدة آنذاك.

وأهم ما يميز مبادرة "مرحبا أخي" أنها تنطلق من المجتمع المدني وتستهدف المجتمع المدني، وذلك من خلال التواصل مع كافة مكوناته الثقافية والحقوقية والقانونية والفنية والدينية والإعلامية والرياضية والسياسية، وصولا إلى تعزيز المشترك الإنساني وتدعيم التعارف بين الشعوب واحترام خصوصيتها، وتشبيك القوى الناعمة المحفزة لتحقيق أهدافها، فضلا عن دعم كل الأطروحات الرشيدة التي تنطلق من منابر السلطة ومراكز صنع القرار.

إن مبادرة التعايش بين الحضارات والشعوب تحتوي على مجموعة من الأهداف التنفيذية والمشروعات الفرعية، التي تسعى إلى مأسسة المبادرة وإدارتها علميا لتحقيق الغايات المرادة منها. كما أنها لا تنطلق من فراغ، ولن تكون صيحة في واد؛ لأنها في الحقيقة تستند على أسس وقواعد تنطلق من كافة الأديان السماوية، ومنظومة قيم المشترك الإنساني، وقوانين الأمم المتحدة الداعية للتعايش السلمي بين الحضارات، وهي أسس صلبة ومتينة قادرة على أن تحمل البشرية كما حملتها سفينة نوح.

فما خلق الله تعالى الخلق ليقتتلوا ويُفني بعضهم بعضا، وإنما خلقهم ليسكنوا الأرض ويعمروها.
التعليقات (0)