قضايا وآراء

غزة والحصار وسياسة الباب الدوّار

أحمد الحيلة
1300x600
1300x600

لا تتوقف غزة عن الحراك يمنة ويسرة مع تركيز فعلها الأساس على مواجهة الاحتلال الصهيوني، العدو الأوحد للفلسطينيين والمتسبب الأساس في معاناتهم.

أحسنت غزة بأن صوّبت بوصلتها نحو رأس الأفعى القابعة في تل أبيب، المسؤولة مباشرة عن الحصار حتى وإن أخذ الدور عنها بعض أصدقائها الذين ينفثون سمهم في اللبن.

إنّ انطلاق مسيرات العودة بحشود غفيرة في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من الشهر الماضي، وبعد أيام قليلة من فتنة (بدنا نعيش)، أسقط حسابات المغرضين المتربصين بالشعب الفلسطيني الذي أعاد بدوره التأكيد على تمسكه بخيار المقاومة ضد الاحتلال، ورفضه الانحناء أمام عاصفة الجوع والعوز.

أمام هذا الثبات والوعي الفلسطيني المالك لزمام المبادرة، استعادت الوساطات الدولية والإقليمية نشاطها لإنقاذ الموقف ولمنع الانفجار بعد سقوط الصواريخ على مدينة تل ابيب انطلاقاً من غزة، في لحظة حرجة، قد تطيح بسيّد المعبد بنيامين نتنياهو الذاهب إلى عرسه الانتخابي في التاسع من نيسان/أبريل الجاري، واعدة المحاصَرين بالفرج الذي لا يعدو مجرد فتات تجسّد في وعود المبعوث الأممي نيكولاي ميلادينوف بتشغيل نحو 20 ألف عاطل عن العمل "مؤقتاً" بحقيبة مالية تقدر بـ 45 مليون دولار حتى نهاية العام الجاري، بالإضافة إلى تحسين الخدمات كالصحة والمياه والتزود بالوقود، ما يرفع سقف المنحة المالية بإجمالي يصل لنحو 110 مليون دولار تم رصدها منذ سبتمبر المنصرم لعام 2018


لا تعدو الوساطات والمساعي "الحميدة" الأممية والمصرية على حد سواء، كونها محاولة لاستثمار الحصار من جديد، في سياق إداة الأزمة لا حلها، وذلك لتحقيق مجموعة من الأهداف على النحو التالي:


أولاً: منع الانفجار قبيل الانتخابات البرلمانية الصهيونية، لعدم التشويش على فرصة نجاح حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتيناهو الذي يمثل عقدة التقاء مصالح مع عدد من الأنظمة العربية التي تشاطره العداء لإيران وللإسلاميين العرب وفي مقدمتهم حركة حماس، بما تمثله من حضور ورجاء في نظر التيارات الإسلامية والوطنية العربية التي اعتراها الوهن واليأس عقب الانقلابات المضادة على الثورات أو الحراك الجماهيري في البلدان العربية ذات الصلة.


ثانياً: استنزاف المقاومة الفلسطينية، بإشغالها على الدوام بحل الأزمات وبالسعي لفك شيفرة الباب الدوار الذي تتعاقب عليه سلطة الاحتلال، والسلطة الفلسطينية، وبعض الأنظمة العربية، مستخدمين في ذلك سياسة تبادل الأدوار، وسياسة العصا والجزرة كلما اقترب المشهد الإنساني من شفا الانهيار.


ثالثاً: عدم فقدان الصلة بحركة حماس عبر البوابة المصرية ذات الصلاحيات الحصرية لإدارة العلاقة مع قطاع غزة، بهدف استيعاب المقاومة وإعادة تشكيل قناعاتها السياسية المتمرّدة بطبيعتها على سياسة الأمر الواقع، ما يعيدنا بالذاكرة إلى تجربة منظمة التحرير الفلسطينية التي حوصرت مالياً بعد استبعادهامن لبنان ودول الطوق، وسوقها ترغيباً وترهيباً إلى طاولة المفاوضات أو نفق العملية السياسية في ظل عتمة الخلافات العربية بعد أزمة احتلال العراق للكويت.


رابعاً: إشغال برنامج المقاومة بحصار غزة، وجعل المقاومة أداة مرتبطة ظرفياً بمعادلة رفع الحصار، ما يختزل المشهد بثلاثية (غزة، الحصار، المقاومة)، وهو الأمر الذي يستثمره الاحتلال بإحكام سيطرته على عموم الضفة الغربية والقدس، مستفيداً من التنسيق الأمني مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي تقوم بدور متقدم في حماية الاستيطان والمستوطنين الصهاينة عبر تجريمها المقاومة واعتقالها المناضلين.


الأهم؛ أن ما يجري على صعيد قطاع غزة والاستهداف لعموم المقاومة، يبقى على صلة وثيقة بما تسعى له الإدارة الأمريكية من تصفية للقضية الفلسطينية عبرما يُسمى بصفقة القرن، المزمع الإعلان عنها عقب تشكيل الحكومة الصهيونية في أيار - حزيران القادم، بعدما أظهرت واشنطن نواياها السيّئة بتجاهلها لمبدأ حل الدولتين، وبقفزها عن مبدأ الالتزام بالقرارات الدولية ذات الصلة، واعترافها بالسيادة الإسرائيلية على القدس والجولان السوري المحتل، ما يجعل الحذر سيّد الموقف من كافة الوساطات الدولية والإقليمية التي تبدو أنها معنية بتقطيع الوقت على قاعدة إجهاض مشروع المقاومة أو استيعابه وترويضه ليصبح أكثر واقعية في التعامل مع المشاريع السياسية القادمة، لاسيّما وأن التسريبات تتحدث عن محورية قطاع غزة في المشروع الصهيوأمريكي القادم لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي.


وهي فكرة حاضرة في العقلية الصهيونية منذ اتفاقيات أوسلو التي انطلقت تحت عنوان غزة أريحا أولاً، تأكيداً على طمع الاحتلال وتمسكه بالسيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية ولو بعد حين.


على الرغم من فظاعة الحصار وآثاره الكارثية، إلا أن الأمر يستدعي المزيد من الصبر والحكمة في إدارة الشؤون العامة وإدارة المشهد الوطني بالتعاون مع القوى الفلسطينية على قاعدة الشراكة، تفويتاً لمحاولات النيل من القضية ومن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، خاصة أن الظرف الأسوأ الذي سيواجهه الفلسطينيون والمقاومة، سيتركز على الأرجحفي الفترة الممتدة بين الانتخابات الإسرائيلية في نيسان/أبريل 2019 وانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، أي على مدار عام كامل مفتوح على كافة الاحتمالات، سمته التماهي الأمريكي عالي المستوى مع الكيان الصهيوني الجانح إلى أقصى اليمين المتطرف، ما يستدعي الاستنفار والتهيؤ لأسوأ السيناريوهات المتوقعة داخل فلسطين وخارجها.


0
التعليقات (0)