ملفات وتقارير

زيارة لأحياء المهاجرين وعبق السوق العربي بمرسيليا (شاهد)

العنصر العربي هو الطاغي في مدينة هي أقرب للجزائر من باريس- عربي21
العنصر العربي هو الطاغي في مدينة هي أقرب للجزائر من باريس- عربي21

ليس من الغريب أن تسمع كلاماً عربياً على مدار الساعة في "بطن مرسيليا"، ثاني مدينة فرنسية تقع على البحر الأبيض المتوسط.

 

فلغة الضاد تشكّل إضافة إلى لغات عديدة حطت رحالها هنا منذ عشرات السنين، أو ربما منذ قرون، بفعل الهجرات المتتالية إلى "القارة العجوز" بحثاً عن الأمن وكرامة العيش.

 

لعل موقع مرسيليا وميناءها القديم يشيران إلى أنها كانت دائماً مدينة "كوسموبوليتية"، حيث سكنها البشر منذ نحو 30 ألف سنة، وشهدت الهجرات منذ قرون، حتى إن بعض أحيائها سُمي بالأحياء الفينيقية، نسبة الى الرحالة الفينيقيين الذين وفدوا إليها تجاراً ومكث بعضهم فيها.

مرسيليا العربية

 
ليس غريباً أن يكون العنصر العربي هو الطاغي في مدينة هي أقرب للجزائر من باريس. حتى إن اسم مرسيليا يعود إلى أصل عربي، وهي تعني المرساة التي تُثبّت السفينة عند المرفأ والذي يسمى بدوره مرسى السفن.

 

ففي شارع La Canebière الواقع في منطقة Belsunce تنتشر أحياء المهاجرين وأسواقهم، وخصوصاً المغاربة العرب والأمازيغ الذين يتحدث معظمهم لغة الضاد. 


من الصعب التخيل أن هذه المنطقة كانت في الأصل منطقة أرستقراطية بدأت بالتحول التدريجي لتصبح أكثر بساطة منذ نهاية القرن التاسع عشر، ووصلت إلى ذروتها خلال الحرب العالمية الثانية.

 

اقرا أيضا : مهاجر إرتيري يحكي لـ"عربي21" قصة هروبه من السودان لفرنسا

 

المباني القديمة تبدو للزائر وكأنها آيلة للسقوط. هذا ليس وهماً فقد شهدت هذه الأحياء تساقط مبنيين منذ أشهر قليلة، سقط نتيجتها قتلى وجرحى.

 

الفقر منتشر بشكل واسع في هذه المدينة بين المهاجرين حيث تنشط تجارة الممنوعات والدعارة. لكن في المقابل تجد هنا المساجد ومظاهر التدين من خلال كثرة النساء المحجبات والرجال بلباسهم الإسلامي ومتاجر اللحوم "الحلال".   

عبق الهال

 
منذ رحيل جزء من البرجوازية في القرن التاسع عشر عن منطقة بلزونس، حل محلها سكان من مختلف موجات الهجرة (الإيطالية، الإسبانية، الأرمنية، الأفريقية، الجزائرية، المغربية، التونسية ...).

 

لذلك حين تطأ قدماك أرض هذه الأحياء تتنشق روائح أسواق الهال العربية بعبق التوابل والصابون الطبيعي والزيوت، فيما تجد على الجهة الأخرى أكبر متاجر ثمار البحر من أسماك ومحار وغيرها. 


في مرسيليا يمكنك تذوق ما تشتهيه من أطعمة تمثل كافة أرجاء المعمورة؛ هنا الكوسكوس المغاربي إلى جانب المعجنات اللبنانية والكباب الحلبي والزعتر الأردني والبقلاوة الشامية وقرون الغزلان التونسية. 


في شارع Aubagne ثمة أكشاك منتشرة على الجانبين، فضلاً عن سوق Capuchins حيث اللحوم والأسماك والخضروات والفواكه الطازجة والتمور التي تُباع بأسعار رخيصة.

 

أطباق الطاجن المغربي والشاورما التركية والتبولة اللبنانية والسجق الأرمني إلى جانب أكلات أفريقية ويونانية وهندية تجعلك تشعر بأن العالم بالفعل قرية واحدة هنا. 


يتحدث حمزة وهو أحد رواد السوق المغاربي عن وجود أكثر من مئة ألف جزائري في هذه المدينة. قصة الجزائريين مع فرنسا مرتبطة بالعهد الاستعماري، حيث احتلت فرنسا الجزائر لأكثر من 130 سنة، خرج بعدها الفرنسيون بفعل الثورة الجزائرية الشهيرة التي دفعت أكثر من مليون ونصف المليون شهيد ثمناً للاستقلال الذي تحقق في العام 1962.

 

لعل هجرة الأفارقة الشماليين إلى بلد الحريات كانت سابقة لعهد الاستقلال الجزائري، فهناك مئات الأشخاص الذين تعاملوا مع الفرنسيين أو خدموا في جيشهم تم تهريبهم إلى فرنسا ليكونوا بمأمن من انتقام الثوار، بحسب ما تقول نصيرة الجزائرية.

 

لذلك شهدت المدينة وفوداً من المهاجرين في فترة ما بين الحربين الأولى والثانية.

 

وأصبحت الجالية الجزائرية من أكبر الجاليات الشرقية في مرسيليا تلتها جالية من سكان جزر القمر باتت تشكل نحو 45 ألف شخص.


تخرج من هذه الأحياء محتفظاً بأثير الأغاني العربية المُنبعثة من بعض البيوت والمقاهي مُشكّلة خطاً هرمونياً مع صوت ترتيل قرآني وأحاديث بلغات مختلفة.

 

الجميل هنا أنك إذا كنت لا تتقن الفرنسية فلا مشكلة في ذلك، لأن لغة الضاد أكثر استخداماً بين الناس. بعد أن تكون قد احتسيت كأساً من الشاي الأخضر بالنعناع تشكر صاحب المقهى بالعربية فيودعك "بالسلامة".

 





التعليقات (1)
ابو معمر
الأربعاء، 17-04-2019 05:36 م
أحسنت مقال جيد والله لو كنا على أخلاق كريمة ومعاملة صحيحة في المجتمعات لكنا فتحتها بالنكاح لا بالسلاح بل بالمعاملة والتي هي راس الدين الإسلامي الحنيف الذي نؤمن به