أفكَار

"ما بعد الحركات الإسلامية".. هل الساحة متعطشة لرؤى جديدة؟

تبنت بعض الحركات الدعوة فيما تبنت أخرى العمل السياسي - جيتي
تبنت بعض الحركات الدعوة فيما تبنت أخرى العمل السياسي - جيتي

بعد مضي ما يقارب القرن على نشوء بعض الحركات الإسلامية، وما يزيد عن نصف قرن على بعضها الآخر، لم تستطع أن تنجز ما كانت تعد به أتباعها وجمهورها من "إقامة الدولة واستئناف الحياة الإسلامية" كما نصت على ذلك في أدبياتها التأسيسية.

وأرجع باحثون إخفاق تلك الحركات في بلوغ أهدافها، وعجزها عن إنجاز مشاريعها الإصلاحية والتغييرية بمناهجها المختلفة والمتعددة إلى أسباب ومعوقات خارجية، وأخرى داخلية ذاتية.

لكن إصرار تلك الحركات على التشبث بذات المناهج التي اتبعتها منذ تأسيسها وقيامها، عرضها لانتقادات شديدة، تدور في معظمها حول جدوى الجمود على تلك المناهج، بعد أن وضعت موضع التنفيذ طوال العقود السابقة، وعجزت عن تحقيق الأهداف المرجوة، ما يفتح الباب لظهور أفكار ورؤى تتجاوز تلك المناهج والرؤى المتبناة من تلك الحركات بحسب مراقبين.

 

اقرأ أيضا: الأحزاب الإسلامية.. هل خدمت الثورات العربية أم خذلتها؟

ووفقا للباحث الإسلامي، المهتم بدراسات النهضة والتغيير، إبراهيم العسعس فإن "الساحة الدعوية متعطشة بالفعل لرؤى وأفكار جديدة، تأتي بنسق جديد في الفكر والدعوة، مع كامل الاحترام والتقدير لجهود الحركات الإسلامية، والإشادة بمنجزاتها في المحافظة على الهوية، وإعادة الاعتبار  للمرجعية الإسلامية".

وأوضح العسعس لـ"عربي21" أن الحاجة ماسة إلى مثل ذلك الجديد والتجديد، لكنه لا يتمثل في تأسيس جماعات وحركات جديدة، بل يأخذ طابع التيار الذي يقوده أهل الكفاءة والأهلية، والذي ينطلق من فكرة تجمع وتدفع، وتتأطر في عمل مؤسسي تكاملي".

ولفت العسعس إلى أن إخفاق الحركات الإسلامية في بلوغ أهدافها يرجع إلى "عجز الإنسان نفسه الذي تم التعويل عليه لإحداث المطلوب، فهو غير قادر من حيث تنشئته الاجتماعية وبنيته الفكرية على إحداث التغيير المطلوب، وإنجاز النهضة المطلوبة".

وأردف قائلا: "لقد جربت جميع حركات النهضة والتغيير في العالم الإسلامي جميع المناهج الإصلاحية والتغييرية، انطلاقا من افتراضها أن الإنسان الموجود قادر على إحداث التغيير المطلوب، لكنها وصلت إلى النتائج التي نعرفها جميعا، فعلة العلل في غياب الإنسان المؤهل لصناعة التغيير في نفسه ومجتمعه وفي الفضاء العام".

وانتقد العسعس بعض الحركات الإسلامية في طريقة وضعها وصياغتها لمناهج التغيير، إذ وقع بعضها في الخلط بين ما  هو زماني ومكاني وبين ما هو ديني، فحسبت أن كل فعل قام به الرسول عليه الصلاة والسلام يفيد حكما شرعيا ملزما، فاستخلصت منه طريقة للعمل والتغيير رفعتها إلى مصاف الأحكام الشرعية الملزمة، ومنها من جاءت بصياغات إنشائية فضفاضة، غير واضحة المعالم".

من جهته قال مستشار وزير الأوقاف المصري سابقا، الدكتور محمد الصغير: "من المعروف أن وسائل الحركات الإسلامية في التغيير تعددت، فمنها من اعتمد طريقة الدعوة والعمل الاجتماعي، ومنها من أضاف إلى ذلك العمل السياسي، وتبنى فريق ثالث التغيير بالقوة".

وواصل: "ونجحت جماعات إسلامية في الوصول إلى بعض أهدافها سواء بالانتخاب في أكثر من بلد، أو بالقوة كما في أفغانستان، وجمعت حركة حماس بين الأمرين، بمحافظتها على ما حصلت عليه عن طريق السياسة بما امتلكته من أسباب القوة".

وردا على سؤال "عربي21" حول أسباب إخفاق الحركات الإسلامية في تحقيق أهدافها الكبرى، أجاب الصغير "لقد كانت المعوقات الخارجية هي حجر العثرة، ذلك أن قوى الغرب المتحضر كفرت بالديمقراطية حينما جاءت بالإسلاميين، وأوصلتهم إلى السلطة".

واستدرك: "لكن هذا لا يعني عدم وجود خلل في بعض المناهج والوسائل، إذ يقع الخلط بين منهج الحركة الإسلامية في التغيير وما تطرحه من حلول، وبين ثوابت الدين وأصوله، لذا فإن المراجعة والتصويب واجبة، وفي الوقت نفسه فإن الاستفادة من التجارب السابقة مطلوبة، وهذا تحديدا من أكبر وجوه التقصير عند الحركة الإسلامية".

بدوره أشاد الداعية الجزائري، لخضر رابحي بالدور الإيجابي الذي قامت به الحركات الإسلامية "فقد أفلحت إلى حد كبير بالتعاون مع التيار الوطني في مواجهة الاستعمار الأجنبي، وتحرير الأوطان من براثنه، ومواجهة مشروعه الفكري، وأعادت الاعتبار إلى المرجعية الإسلامية التي كاد الاستعمار أن يطمسها، ونجحت كثيرا في إخراج الشباب من حالة التمزق، وفقدان الثقة في أمته، وفي إمكانية النهوض بعد هذا السقوط، والانحدار الذي استمر طويلا".

وإجابة عن سؤال حول فشل تلك الحركات في تحقيق أهدافها الكبرى، أكدّ رابحي أن "المعوقات الخارجية كان لها تأثير كبير"، لكنه استدرك بالقول: "وبتقديري الخاص فإنّ الأسباب الذاتية هي العوامل الكبرى التي أضعفت الفكرة، وتسببت في محاصرتها وخنقها، وفق ما جاء في المنهج (أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنّى هذا قل هو من عند أنفسكم)".

وذكر الباحث الإسلامي رابحي لـ"عربي21" جملة من تلك الأسباب الذاتية من أبرزها "شيوع فكر الاستعلاء الذي ربما صنع في فترات سابقة حالة تحدٍ من غير امتلاك أدوات التفوق، ورسوخ ثقافة الصراع مع الآخر، وتفشي فكر المغالبة الذي جنى عليها، وهي لا تملك مبرراته ولا قدرة تنفيذه، وفتح الكثير من الجبهات في وقت واحد، والعودة إلى الماضي لتبرير بعض أحوال العجز فيها، وتأثرها بالسجون وبالظلم والمحن الذي عمق فيها حالة الانكماش..".

وأبدى رابحي موافقته على الرأي القائل بأن "الساحة الإسلامية تنتظر الجديد من الرؤى والطروحات نظرا لإخفاق الحركات القائمة في إنجاز ما وعدت به"، مذكرا بأن "دعوات الأنبياء حينما كانت تحتاج إلى التجديد يرسل الله أنبياءه مجددين ومغيرين ومواكبين للتحولات والمتغيرات".

وأضاف لـ"عربي21": "أمام كل التطورات والتغيرات التي شهدها العالم في مختلف الميادين والحقول، فإن الساحة تحتاج إلى الجديد، والتجديد والإبداع في الطرح، بعيدا عن الانغلاق على قوالب الماضي وذهنياته ونفسياته، وتصورات قوم ماتوا منذ أكثر من مائة عام".

وذكر رابحي في نهاية حديثه أن التجديد يكون في "موضوعات الحكم والسياسة، وفي موضوعات المرأة والخروج بها بعيدا عن ظروف الماضي وبيئته، وكذلك طبيعة العلاقة مع الآخر، وصناعة قيم التعايش والسلام، وبإعادة النظر في كثير من فتاوى الماضي التي تجاوزها الزمن، والتي كانت تعبيرا عن رؤية فقهية لتنزيل نص على واقع معين، إضافة لموضوعات وقضايا أخرى هامة".

التعليقات (2)
عزيز
الخميس، 25-04-2019 12:16 ص
وأين ذهبت الحركات الإسلامية؟ هل انتهت ؟ هل فشلت أم ماذا؟ حتى يقال ما بعد!!
مصري جدا
الأربعاء، 24-04-2019 11:42 م
موضوع هام للغاية ويدخل في باب التخطيط الإستراتيجي للحركة الإسلامية ،،، الذي يحتاج لمراكز أبحاث ودراسات علمية متخصصة في الاستراتيجيات ،،، تقوم بعملية تقويم للتجربة خلال ال 30 سنة الاخيرة ولو في قطر واحد كنموذج ،،، وفي العموم فقد نجحت الحركة الاسلامية وينسب معقولة على المستوى المجتمعي خاصة خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية والتوعية والتثقيف وفقا للامكانات المتاحة ،، لكنها عانت من القصور في مجالات السياسة والاقتصاد والإعلام والثقافة ،،، وهناك نقطة هامة تتعلق بمواصفات الإنسان والمواطن منتج المناهج التربوية للحركة حيث كانت المواصفات متواضعة بالنسبة للأهداف المعلنة والظروف المحيطة ،،الصفات ال10 للفرد المسلم للشيخ البنا نموذجا ،،، من حيث انها كانت مناسبة لفترة الشيخ البنا ولم تعد مناسبة في ظل الثورة العلمية والانفحار المعلوماتي والتقدم التكنولوجي ،،، هذا بالإضافة لنمط ادارة الحركة الاسلامية لنفسها و للمؤسسات التابعة والذي ظهر عاجزا عندما انتقلت بعض الحركات لمستوى إدارة الدولة ،،، بالإضافة لقضية التنظيم عموما والتي تحتاج لاعادة نظر لانه شكل في غالبية الأحيان فيدا او قالبا وربما حاجزا ومعطلا ،،، الموضوع هام للغاية لكن يبقى غياب التناول العلمي المتخصص نقطة ضعف الحركة الاسلامية بل وهذه المنطقة من العالم ،،،