قضايا وآراء

الثورة المصرية.. انفتاح الخيارات ومعضلة القيادة

محمد ثابت
1300x600
1300x600
يحلو للبعض القول إن الثورة المصرية دخلت نفقا معتما، لا يُنتظر معه تغييرا أو فرجا قريبا. وهؤلاء يرفعون لافتات تحدي التحالف الغربي العربي ضد 25 يناير، وبالتالي قسوة وبطش النظام الانقلابي لمناوئيه ومحاولي تغييره.

تتمثل الأزمة الثورية في "الفرضية" التي تحاول بعض القوى المُنتمية تقديمها على أنها "مُسلّمة"، وتسليم المقولة بالتالي بأنه "ليس في الإمكان أبدع مما كان"، والإبقاء على الواقع الأكثر مرارة إلى أمد وزمن ووقت لا يعلم أحد مداه. فالمُفترض، وفق المقولة، أنه لا مكان للاجتهاد اليوم، أو مجرد تغيير معضلة الواقع المصري الحالي.

تعاني قوى ثورية معاناة كبرى نتيجة وقوفها ضد النظام الإجرامي، ولكن أفق الغد والحل إذا انعدما، فإن المناوئين للنظام المصري إنما يحكمون على أنفسهم بالاستمرار في دائرة المعاناة، بلا نهاية متاحة أو حتى متخيلة.

ويبدو أن اليأس إذا خيّم على النفوس أنساها ضراوة الواقع وحدته، أيضا الوقائع التي تجري على أرضه في ظل انعدام الأمل. والناظر إلى الأحداث على أرض مصر خلال الأسابيع الماضية فحسب، يدرك أن الواقع منفتح على جميع الاختيارات، شريطة وجود قيادة قادرة على حسن إدارته، وتناسي أخطاء الماضي الثوري مهما كانت عملاقة عظيمة أو سهلة ساذجة، مع القدرة على جمع جميع الأطياف المجتمعية الراغبة في العودة عن طريق مؤازرة ومساعدة الانقلاب.

في 28 من شباط/ فبراير الماضي، فاجأ الشاب المصري أحمد محيي عبد المعبود؛ الجميع بوقوفه في ميدان التحرير وحيدا، وبين يديه لافتة مكتوب عليها "ارحل يا سيسي"، في استدعاء واضح لاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، بل فعاليات 25 يناير. وإن كان عبد المعبود وحيدا، إلا أن بعض المُلمين بتفاصيل حياته قالوا إن أباه كان يعمل لواء في أمن الدولة المصري، الجهاز الأشهر في قمع المناوئين والمعارضين للنظام. وإن الابن يعيش مع أبيه بعد تقاعده مع الأسرة في الإمارات، ولكن الشاب لم يحتمل ما يحدث في مصر، طوال شهرين اثنين قضاهما فيها فحسب، بخاصة بعد حادث قطار سكك حديد مصر المركزية قبل وقفته بأيام.

دعا عبد المعبود، عبر بث مباشر على أحد مواقع التواصل الاجتماعي قبيل إلقاء القبض عليه، جميع المصريين إلى مؤازرته، وألا يسمحوا للنظام بأن يكرر معه ما حدث مع خالد سعيد، الشاب أيقونة ثورة يناير الذي قتله النظام في الإسكندرية قبلها بأيام، وأن يلتفوا حوله (عبد المعبود) في الميدان.

بعد وقفة عبد المعبود في التحرير، التي لم يُحسن الدعاية إليها جيدا، قبلها بوقت كافٍ، أو ربما جاءت إنذارا بأن انفجارا يوشك أن يثور من باطن التربة الجماهيرية المصرية؛ حاملا نبضا شبابيا وجماهيريا يسؤوه الواقع الحالي، ويسعى لتغييره مهما كانت التبعات.. بعد الواقعة بأسابيع قليلة، وقبل مرور شهر عليها، وقفت المغنية المصرية شيرين بين فقرات حفلات غنائي في البحرين لتقول: "هتكلم هنا براحتي.. لو اتكلمت في مصر هيسجنوني"، أي أنها تُقر أن القهر في مصر وصل لمستويات غير مسبوقة، حتى أنها، وهي المغنية المشهورة، لا تستطيع الحديث في بلدها لأنها ستسجن، بلا خيار آخر.

على الفور، تحرك محامٍ موالٍ للنظام وقدم بلاغا بالمغنية، بخاصة أنها ليست المرة الأولى التي تعترض فيها على الأوضاع في مصر، فقد سبق أن قالت في مهرجان غنائي بالشارقة في الإمارات؛ إن الشرب من مياه النيل يسبب البلهاريسيا، وإن المياه المعدنية أفضل، وهو ما استلزم صدور حكم قضائي بسجنها، مع وقف التنفيذ لاعتذارها.

هذه المرة اعتذرت شيرين مجددا، بخاصة بعد قرار نقابة المهن الموسيقية بوقفها عن الغناء، لكن تصريحها لقي صدى في الصحافة العالمية، وتردد صداه واسعا على المستوى الشعبي. ورغم محاولات التشكيك من جانب النظام في الكلمات، بل اعتذار المغنية نفسها لرأسه، إلا أن الأمر لم يوقف التحقيق معها في النقابة التي تنتمي إليها، بل أجّله، ولم يغير أيضا من النظرة العالمية والمحلية إلى أن النظام المصري بلغ حدا غير مسبوق في القهر والتربص بالمناوئين أو المعارضين، أيّا مَنْ كانوا من المجتمع.

بعد أيام من تصريح شيرين المفاجئ المدوي، جاء ذهاب مُمثلينِ، هما خالد أبو النجا وعمرو واكد، بالإضافة إلى مقدم برامج ساخر (يوسف حسين) إلى الكونجرس الأمريكي، ليؤكد أن مصر تمر بحالة من القهر العسكري الشديد، أيضا من الحراك الثوري بمفردات مختلفة, فعلى الفور، تحركت نقابة المهن التمثيلية المصرية بقيادة الفنان أشرف زكي، لتتخذ ما قيل إنه أسرع قرار في تاريخها بفصل أبو النجا وواكد، في 25 من آذار/ مارس الماضي، دون أدنى تحقيق أو مساءلة لهما.

قرار النقابة استدعى للأذهان تصريح الفنان المصري حسين فهمي؛ بأنه ذهب في عهد الدكتور محمد مرسي، أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، للكونجرس الأمريكي قرابة خمس مرات للتأكيد على أن جماعة الإخوان، التي كانت تحكم مصر آنذاك، إرهابية ويجب أن يقف الكونجرس ضدها، ولم يسائل أحد فهمي بالطبع حينها!

ورغم سيل الاتهامات الإعلامية التابعة للنظام ضد الفنانين ويوسف حسين، المشهور ببرنامجه "جو شو"، إلا أن الواقعه جاءت كدليل جديد على أن مختلف الشرائح المصرية تستشعر خطورة قصوى في استمرار حكم مصر الحالي، على نحو يؤزم الحياة فيها ويدفعها نحو الهاوية.

بعد الزيارة بادر أبو النجا وواكد بالهجوم على الإخوان، وهو ما تغاضت عنه الجماعة رسميا، وإن لم يخل الأمر من أن ألوانا من طيف المعارضة في شخص الفنانين، وطرف من الذين ردوا عليهما، لم تتعرف بعد إلى سبل الارتقاء الكافي عن الخلافات فيما بينها حتى تنهي الواقع الحالي، ثم يقضي بينها صندوق الانتخابات لاحقا.

تحرك الشاب المصري وحيدا في ميدان التحرير في نهاية شباط/ فبراير الماضي، والكلمات التي انطلقت عفوية عن الفنانة شيرين في حفل عربي خارج مصر بعده، وتحرك ممثلينِ ومقدم برامج شاب نحو الكونجرس لبيان خطورة استمرار نظام السيسي، تحركات ثلاثة تؤكد أن أطياف مجتمعية مصرية مختلفة بطرق تعبير متباينة داخليا وخارجيا، ترفض جميعها الوضع المصري الحالي، وتؤذن بثورة تمور وتكاد تنفجر داخل المصريين، وأن ما خفي أعظم، وما لم يظهر على السطح أشد خطورة، شريطة أن يستطيع قادة منتظرون، وثائر منهم، أكثر تدفقا وتحررا من اليأس والإحباط، لمّ وجمع الكيان الثوري بتعبيراته المختلفة، واستخدامها والانطلاق بها نحو أفق أكثر اتزانا؛ لإعلاء شأن الوطن، والتعالي فوق الأهداف الشخصية، والنزعات والنعرات الخاصة، من أجل إتمام ثورة صادقة في اندفاعها من ملايين المظلومين الذين يصطلون بنيران الانقلاب.
التعليقات (2)
مصري جدا
الثلاثاء، 30-04-2019 02:21 م
الواقع المصري تجاه منظومة الانقلاب وداعميها اقليميا ودوليا لا يحتاج لكثرة شواهد فهو واضح بين ،،، لكن ،، الأزمة تكمن في غياب منصة قيادة شعبية بمستوى الحاضر وطموحات المستقبل ،،، وبعيدا عن التفاؤل والتشاؤم ،، بقايا قيادات المعارضة الاسلامية والمدنية لا رهان عليها لأسباب مجربة وواضحة وضوح الواقع المصري ،،، أين الحل اذا ،،، مع استمرار الدعوة للاصطفاف الوطني ،، العمل وبجد في بناء منصات قيادة جديدة ،، وهذه مهمة النخبة الفكرية بالدعوة إليها وكذلك مهمة قواعد الكيانات المصرية الرافضة لحكم السيسي ،، فإذا كانت قواعد الكيانات هذه تابعة لبقايا القيادات الحالية ،،، فلا رهان عليهم جميعا ، وعلينا التفكير بطريقة مختلفة في كيان على غرار حركة كفاية او الجبهة الوطنية للتغيير كجسر لعبور المرحلة ،، وبعدها سيلفظ الشعب كل الكيانات الهشة الاسلامية والمدنية معا ،،، منصات قيادة جديدة هذا هو الحل ولا رهان على بقايا القيادات الحالية شريكة الازمة وشريكة الاخفاق والفشل ،،،
فهم وتمثيل المجتمع
الثلاثاء، 30-04-2019 11:36 ص
مقال على المعارضة المصرية فهمه جيدا.