أفكَار

السودان.. "التصوف" أم العلمانية بديلا للإسلاميين؟

باحث سوداني: التصوف يمكنه أن يشكل بديلا للإسلام السياسي الذي كان يمثله نظام البشير (عربي21)
باحث سوداني: التصوف يمكنه أن يشكل بديلا للإسلام السياسي الذي كان يمثله نظام البشير (عربي21)

ليس خافيا على أي مراقب للشأن السوداني، بأن عزل الرئيس عمر البشير عن السلطة يُعدّ لحظة تاريخية في مشروع الإسلام السياسي الذي مثلته الحركة الإسلامية السودانية بكافة فصائلها لنحو ثلاثين عاما، ما دفع بعض مؤيدي هذا المفهوم للانتباه، ومراجعة مسار هذا التيار بعد فشله في إدارة الدولة، وعجزه في وقاية وحدتها من الانقسام والتشرذم، إلا أن هذا الاعتراف المطلوب ما يزال يحتاج للمزيد من التقصي، وفهم تحديات التغيير، وإعادة الهيكلة، والتعرف إلى الرؤى الجديدة التي ترسم مفهوم "الإسلام السياسي الجديد"، الذي لا يستطيع أحد الآن الجزم تماما بفرصه في النجاح أو الفشل في مستقبل السودان.
   
في مقابلة مع "عربي21"، يراهن الباحث السوداني في شؤون الفكر الإسلامي، الأستاذ المشارك في برنامج التأريخ بكلية الآداب والعلوم في جامعة قطر، البروفسور طارق أحمد عثمان، على قوة التصوف الإسلامي في لعب دور أساسي في مستقبل الإسلام السياسي في السودان، إذا أجرى المتصوفة إعادة صياغة لعلاقتهم مع السياسة بشكل جديد، وتحرروا في جوانب الفنون ونقد التصوف، والتركيز على الرسالة الأولى "التأمل الروحي"، معتبرا أنه التيار الأكثر ملاءمة لملء الفراغ لتصور إسلامي للدولة المدنية التي لا تتعارض مع مقاصد الشريعة.

والدكتور طارق أحمد عثمان هو باحث ذو خبرة في قضايا الإسلام والدولة، وحصل على درجة الدكتوراه في التأريخ الأفريقي، وأجرى أبحاثا في تاريخ وتحليل الطرق الصوفية بالسودان، وله مؤلفات في هذا الخصوص، كما نشر العديد من المؤلفات من بينها الخطاب الإسلامي وواقع الدعوة الإسلامية في السودان، ومن بين آخر أنشطته البحثية العلمية كتاب عن الإسلام والسياسة في السودان ـ أزمة البقاء ومعضلة الفكر.

الصوفية الجديدة

وفي رؤيته لمستقبل الإسلام السياسي في السودان، يشير عثمان إلى أن الطرق الصوفية بشكلها الجديد، وتصورات شبابها وعضويتها الهائلة، لديها فرص واسعة لتقديم تصور بديل للإسلام السياسي في عهد الرئيس البشير، ورأى أن طرق صوفية مثل "السمانية" و"الختمية" وغيرها لديها أتباع منتشرون في كافة أنحاء السودان، وذلك حال قامت أجيال جديدة لديها مهارات علمية وسياسية، بجمع هذه الأعداد الهائلة من المتصوفة بصورة حدية تواكب الدولة المدنية، وعدم استخدام الدين في الدجل السياسي بالصورة القديمة، مع تحويره وربطه الواقع الغربي والسوداني والإسلامي.

 

الطرق الصوفية بشكلها الجديد، وتصورات شبابها وعضويتها الهائلة، لديها فرص واسعة لتقديم تصور بديل للإسلام السياسي


ويقترح أن تتم إعادة صياغة للعديد من الأفكار ذات التوجهات الإسلامية، على أن تقوم من جديد على مبدأ (السودانوية) أي النسبة إلى السودانيين بقيمهم وعاداتهم وأخلاقهم الفاضلة التي هي في الأصل أخلاق الدين ومقاصد الشريعة. ورأى أن مستقبل الإسلام السياسي في السودان يرتبط بـ "المشروع السودانوي"، وتطوير سياسات الدعوة والإصلاح في المجتمع، وقطب الجرح الذي تفتق من التجربة السابقة، والاعتذار الكامل والسماح وطلب العفو بالنسبة لأنصار التجربة الإسلامية السابقة.

ويضيف قائلا: "هؤلاء رفضوا حتى اجتماعيا ويطردوا الآن من المساجد"، موضحا أن الفرصة قد تتاح لتجارب آخرين انخرطوا منذ اليوم الأول في الثورة السودانية الداعية لإسقاط نظام الرئيس البشير مثل حركة الإخوان المسلمين (تولدت عن الحركة الإسلامية السودانية بقيادة الزعيم الإسلامي الراحل حسن الترابي في نهاية ستينات القرن الماضي).

ورأى أن الصوفية في تاريخ السودان الحديث كانت مرتبطة بقوة بالسياسة، منذ القرن الخامس عشر، أي منذ تأسيس دولة الفونج 1505 في السودان، مستبعدا أي مصداقية للباحثين الذين يعتقدون بأن لا علاقة للصوفية بالسياسة، معتمدين في ذلك على قول فرح ود تكتوك أحد كبار مشايخ الصوفية في التراث السوداني (يا واقف في باب السلاطين أرفق بنفسك من هم وتحزين)، أو قول الراحل عبد الرحيم البرعي أحد أشهر شيوخ الطريقة السمانية خلال عهد حكم الرئيس البشير (أنا لا أميل إلى السياسة ولم أصحب مدى الأيام ساسة) في حين أن الشيخ البرعي يرحمه الله منتميا تاريخيا إلى الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة مرشد الطريقة الختمية محمد عثمان الميرغني، ثم صار لاحقا على صلة وثيقة بنظام البشير المعزول.

 

الصوفية في تاريخ السودان الحديث كانت مرتبطة بقوة بالسياسة


والدلالة على الإسهام المؤثر الذي تقوم به الصوفية في السياسة السودانية، يشير الدكتور عثمان إلى الدور الذي يقوم به شيخ الطريقة القادرية العركية عبد الله أزرق طيبة والشيخ محمد حسن الفاتح قريب الله نجل شيخ الطريقة السمانية الطيبية والشيخ محمد الياقوت من ذات الطريقة الصوفية، ويرى أن الشيوخ الثلاث من كبار المثقفين والمتعلمين والمسيسين، وكانوا جميعا معارضين لسياسات نظام الرئيس المعزول، وأنشأوا مجلسا مواز لمجلس التصوف الذي أنشأته الحكومة، ومعهم نجل السيد أحمد محمد عثمان أحمد الميرغني.

ويعتقد أنه في حال نظموا صفوفهم وتخلصوا من أدواء الصوفية القائمة مثل البطء، عدم التنظيم، وسلوكيات الخرافة وتعديل الخطاب القديم، فإن فرصهم واسعة في مستقبل السياسة بالسودان، وذلك ببناء مؤسسات دينية أكثر مدنية، وتقديم أنفسهم إلى المشهد السياسي بصورة حديثة، والتواصل مع قادة الثوار الشباب في الشارع.
 
ويشير إلى أهمية استخدام أدوات حديثة في الدعوة الإسلامية السياسية بتحرير جانب الفنون ونقد التصوف والتركيز على الرسالة الأولى "الغذاء الروحي" أو ما يسمى أيضا بـ"التأمل الروحي"، فقد أثبتت ثورة الشباب السودانيين أن الفن وسيلة نافعة جدا في السياسة، مثل الرقص والغناء والطبول، فمن شأن إعادة استخدام الفنون التقرب إلى السودانيين، وطرح المشاريع الإسلامية السياسية.

مستقبل الإخوان

في السياق ذاته، قال الدكتور طارق أحمد عثمان: "إن بعض قيادات حركة الإخوان المسلمين مقبولون الآن في الشارع السوداني مثل المراقب العام للحركة عوض الله حسين سيد أحمد والداعية الإسلامي المعروف مهران ماهر الذي يؤم الثوار السودانيين في الصلاة أمام مقر القيادة العامة في العاصمة الخرطوم".

لكن الدكتور طارق يرى بضرورة أن تتبنى حركة الإخوان تصورا جديد للسياسة والدولة، لافتا الانتباه إلى إمكانية استلاف تجربة حزب التنمية والعدالة في تركيا مع مراعاة سودنتها، أي حزب سياسي يؤمن بمدنية الدولة، وعدم الاصطدام بأي قوى علمانية.

 

أثبتت ثورة الشباب السودانيين أن الفن وسيلة نافعة جدا في السياسة،


ويشير إلى مفارقة الإسلاميين الذين تعلموا ودرسوا في الخارج وكانوا ضمن نظام الرئيس المعزول عمر البشير، لكنهم لم يغيروا من طرائق التفكير في الانفتاح، وتركوا السودانيين يعانون من العزلة، ما يستلزم على حركة الإخوان المؤيدة للثوار الشباب عدم الانقطاع من الرافد الغربي أو الشرقي، وإحياء هذه العلاقات التاريخية وإقامة مؤسسات العلاقات المتبادلة، لأن للمسلمين قيم تربطهم بالمسيحية واليهودية والمُثل العالمية التي أسست دولا كفرنسا وبريطانيا وأمريكا، وأن الانقطاع عنهم يحول الفكر الإسلامي إلى انغلاق مماثل لفكر "داعش" الانعزالي، كما أن الحضارة الإسلامية لم يحصل لها تطور إلا بالانفتاح، إذ أن الغرب لم يحقق ما حققه إلا بعد تجارب الحرب العالمية الأولى والثانية.

علمنة الدولة

ورأى أن مخاوف الإسلاميين من "علمنة الدولة" غير مبررة، إذا تم النظر إلى أن مفهوم العلمانية هو العلم ورفض الخرافة وعدم القبول بالوهم، وهي قيم مقبولة لدى المسلمين، وليس هنالك تعارض للتحديث في قيم الإسلام، لأن الإسلام صالح لكل مكان وزمان، والإسلام متجدد وشمل مفاهيم الديمقراطية الحديثة.

أما مسألة العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة، فإن المحك الحاسم فيها هو آلية التصويت في العملية الانتخابية الديمقراطية، حسب رؤية الدكتور عثمان.

وهو يرى أن الشريعة هي مقاصد وليس فقط حدود، وأول مقصد هو تحقيق العدالة للناس، وليس مجرد قوانين، معتبرا أن ربط الإسلام بالحدود فقط فيه إساءة كبيرة للإسلام.

 

مسألة العلمانية بمعنى فصل الدين عن الدولة، فإن المحك الحاسم فيها هو آلية التصويت في العملية الانتخابية الديمقراطية


وحسب تشخيص الدكتور عثمان، فإن الشباب الثائر في السودان يطمح إلى تجربة جديدة، ونموذج ديمقراطي لن يتوفر في السودان بكامله قريبا، ولكنهم سيجدون متنفسا، للتعبير عن التنوع، لأن السلطة السياسية السابقة أعادت البلاد إلى الماضي على مستوى القبول بالآخر.

واعتبر أنه في حال سيطر العلمانيون على السلطة، فإنهم قد يغيروا بعض القوانين التي سنها بعض الإسلاميين المهووسين، لكن المجتمع ليس ممكنا علمنته، وربما تظهر تيارات تغير القوانين للمصلحة الفئوية، وتحدث تغييرات كما حصل في دول إسلامية مثل المغرب وغيرها، كالتوقيع بدون تحفظات أو بتحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال العنف ضد المرأة وتعرف اختصارا بـ (سيداو)، بيد أن الدكتور طارق يستبعد علمنة الدولة بعدم اعتماد الشريعة في مصدر التشريع، لأن ذلك سيكون انتحارا سياسيا لتيار العلمانية، خصوصا في دولة مثل السودان نامية وما تزال هنالك مؤسسات عسكرية وأمنية لديها القدرة على التحكم في الموقف.

التعليقات (1)
خيارين ولا للعلمنة
السبت، 04-05-2019 10:01 م
لماذا العلمنة والشذوذ، يوجد خيار ثالث وهو لا للعلمنة بل دين الدولة هو الإسلام ومشاركة علماء أتقياء بكتابة الدستور أما الإسلام السسياسي لا يتحقق إلا إذا كان دستور الدولة هو الشريعة، الواقع يقرر إما دولة دينها الإسلام أو دولة دستورها الإسلام ولا للعلمانية.