كتاب عربي 21

عما يجري بين أمريكا وإيران.. قصة فشل مدوية

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

مع بدء التشدد الأمريكي في منع تصدير النفط الإيراني، بدأت التصريحات والمواقف الإيرانية تتوالى حول القضية التي تثير أعصاب القيادة؛ ومن الطبيعي أن تفعل.

بعد روحاني وظريف وآخرين، خرج المرشد خامنئي كي يقول: "على (الولايات المتحدة) أن تعلم أن إجراءها العدواني لن يبقى من دون رد. لن تبقى الأمة الإيرانية مكتوفة اليدين في مواجهة الحقد".

 

وأضاف: "جهود واشنطن لمقاطعة بيع النفط الإيراني لن تأتيَ بأي نتيجة. سنصدر نفطنا بالقدر الضروري وبقدر ما نشاء".

يدرك خامنئي أن ما يقوله لن يكون ممكنا بسهولة، وأن مسار الالتفاف على العقوبات الذي سلكته في المرة الماضية لن يكون متاحا بذات السهولة هذه المرة، كما أن خيار إغلاق مضيق هرمز قد يفضي إلى حرب كارثية. أما القرار المتعلق بالتعليق الجزئي لبعض الالتزامات في اتفاق النووي، فلن يؤديَ إلى نتيجة، والعودة لمغامرة النووي أكثر كلفة على كل صعيد. وتبقى المراهنة على تقطيع الوقت حتى نهاية ولاية ترامب، على أمل خسارته أمام منافس ديمقراطي.

هناك بالطبع ما يغري إيران بالتهديد، ممثلا في إدراكها لحقيقة أن أساس دعاية ترامب قبل الرئاسة وبعدها قد قام على رفضه تبديد ثروات أمريكا في حروب الشرق الأوسط، ما يعني أنه حريص على عدم التورط في أي حرب، لكن الجانب الآخر الخطير هو أن الصهينة في سياساته قد تتفوق، لأنها تمنحه تأييد اليمين المسيحي واللوبي الصهيوني في آن، بجانب حضور جانب خليجي قد يدفع الكلفة (كلفة الحرب).

لا بد من مرور على تاريخية القضية التي نحن بصددها، وهي التي تكشف حجم الأخطاء المريعة التي تورّطت فيها قيادة خامنئي على وجه التحديد، وأوصلت البلاد إلى هذا الوضع الصعب.

كل الدعاية الإيرانية حول سلمية المشروع النووي الإيراني لم تكن مقنعة لأحد، فالكل يدرك أنها كانت تسعى لبناء مشروع نووي عسكري، الأمر الذي نتج عن مشاعر القوة وأحلام التمدد التي تلبّست قيادة المحافظين، وتزامن ذلك مع بناء برنامج للصواريخ بعيدة المدى. وحين بدأت العقوبات الغربية، صمد النظام وتمكن من الالتفاف عليها بمساعدة دول لها مصلحة في ذلك، بخاصة تركيا والإمارات وسواها.

 

أولوية إيران لا تتعلق بالكيان الصهيوني، وإنما بمشروع التمدد المذهبي


بعد التورط في سوريا، وقبل ذلك ورطة العراق بسبب السياسات الطائفية للمالكي التي دعمتها إيران، ودائما بسبب برنامج التمدد المذهبي الذي استحوذ على عقل المحافظين في إيران؛ وصولا إلى اليمن، اضطر خامنئي إلى تسجيل تراجع مريع عن برنامج النووي الذي دفع فيه عشرات المليارات، وقبل بالاتفاق النووي الشهير.

لكن عين الصهاينة لم تكن مصوّبة على البرنامج النووي وحده، فهم يريدون برنامج الصواريخ أيضا، كما يريدون عموم الموقف من الصراع معهم.

في هذا الجانب هناك حقيقتان، الأولى أن الدور الصهيوني في المعركة ضد إيران ليس من النوع الذي يمكن إنكاره كما يذهب كثيرون بسبب الحشد المذهبي الذي صنعته في المنطقة، وبسبب مواقفها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، لكنه ليس تزكية لها؛ هي التي أفادت الكيان أكثر من أي أحد آخر، بتحويلها سوريا إلى ثقب أسود استنزف الجميع. أما الحقيقة الأخرى، فهي أن الصهاينة لا يقبلون باختلال موازين القوى في غير صالحهم، سواء تعلق الأمر بإيران، أم بأكثر الدول قربا منهم، وهم طاردوا أفكار صناعة القوة في كل مكان؛ من العراق إلى مصر وسوريا، وحتى السعودية والأردن.

والحال أن الصراع مع الكيان الصهيوني ليس مرتبطا بالأسلحة النووية، ولا حتى بالصواريخ بعيدة المدى، فهذا الكيان تحميه القوى الدولية والمحيط العربي أكثر مما تحميه الأسلحة والتكنولوجيا، ولو تحررت الإرادة لكان بوسع الدعم الحقيقي للشعب الفلسطيني أن يوقف عدوانه ويهزمه. والمرة الوحيدة التي تحدث فيها الصهاينة عن التهديد الوجودي منذ عقود، كانت في انتفاضة الأقصى التي خاضها الشعب الفلسطيني بالبنادق والاستشهاديين، وليس بالصواريخ والتكنولوجيا المتطورة.

 

مشروع خامنئي للتمدد قد عانى فشلا ذريعا، ودفع الشعب الإيراني ثمنه الباهظ، وفي النهاية؛ فإن هدفه لن يتحقق


ثمة حقيقة أخرى لم تعد خافية، وانكشفت أكثر فأكثر في السنوات الأخيرة، وهي أن أولوية إيران لا تتعلق بالكيان الصهيوني، وإنما بمشروع التمدد المذهبي، وما قضية الصراع إلا أداة من أدوات التمدد والدعاية.

في حوار مع صحيفة "لوبوان" الفرنسية، نهاية العام الماضي، قال وزير خارجية إيران: "متى أعلنا أننا سندمّر إسرائيل؟". وأضاف موجها كلامه للصحفي الفرنسي: "أحضر لي شخصا قال ذلك. لم يقل أحد مثل هذه الكلمات". وحين سئل عن كلام أحمدي نجاد عن "محو إسرائيل من الخريطة"، رد بالقول: "لا لم يقل ذلك"، هو كان يردد كلام الخميني الذي قال إن "السياسات الإسرائيلية الوحشية ستؤدي إلى تدميرها، ولم يقل إن إيران ستقوم بذلك".

هو طبعا يمارس الدعاية، وحديث تدمير إسرائيل كان جزءا منها؛ هي التي تصوّب عينها على مشروع التمدد، وتستخدم الصراع في هذا السياق.

في تقييم القضية؛ كيف يمكن لقائد أن يؤسس مشروعا بعشرات المليارات، ثم يتحمل عقوبات بأضعافها ثم يتنازل عنه، من دون أن يعترف بأنه أخطأ، لا سيما أن منطق السياسة كان يفرض التقدير أن الأمر لن يمر، وأن عقوبات ستُفرض عليه؟!

اليوم تجد إيران نفسها في مواجهة عقوبات قاسية، وفي مواجهة وضع داخلي مرتبك، تحميه السطوة الأمنية، مع فشل في اليمن (فشل الآخرين لا يعني نجاحا بالضرورة)، وفشل في العراق بوجود شارع محتقن ضدها كما عكست الانتخابات الأخيرة، وفشل في سوريا بوجود الروس على رأس الأمر، مع عدم الحسم وأسئلة الإعمار واستمرار العنف، وارتباك في لبنان الذي يعاني التيه بعد العقوبات على حزب الله.

هكذا يكون مشروع خامنئي للتمدد قد عانى فشلا ذريعا، ودفع الشعب الإيراني ثمنه الباهظ، وفي النهاية؛ وحتى لو طال الصراع عقودا أخرى، فإن هدفه لن يتحقق.

كل ذلك لا يعني أن الأطراف التي تشتبك معه في وضع جيد، بل هي تعاني النزيف والتيه، لا سيما أنها تدفع الكثير كثمن لمواجهة إيران؛ أولا للأمريكان (رغم أن ترامب لا يطاردها لحسابهم أصلا!!)، وثانيا بشكل مباشر، فيما عينها على أولوية أخرى عنوانها مطاردة أشواق الشعوب في الحرية والتحرر، ومع الطرفين، يعاني المحور الثالث في المنطقة ممثلا في تركيا من نزيف كبير، بسبب شموله في العداء من قبل محور الثورة المضادة (العربي)، وبسبب معركة سوريا وتداعياتها بخاصة في ما خصّ الملف الكردي.

هكذا تكون محاور المنطقة الثلاثة في أزمات كبرى، تدفع الشعوب أثمانها الباهظة، إن كان على صعيد الاقتصاد والعيش، أم على صعيد الحرية، أم على صعيد خدمة برنامج الكيان الصهيوني الذي كان المستفيد الأكبر مما جرى خلال العقد الحالي.

لماذا حدث ذلك؟ لأن عرب الثورة المضادة رفضوا الإصلاح والتغيير، ولأن خامنئي طارد أوهام التمدد دون حسابات صحيحة، والنتيجة الكارثية ماثلة أمام أعيننا، ومن دون أن يصيب الرشد ثلاثي المنطقة (العرب، إيران وتركيا)، ويصلوا إلى كلمة سواء، فسيتواصل النزيف، من  دون أن يعني ذلك أن أحلام الصهاينة ستتحقق، ودائما لذات السبب المتعلق بغرور القوة والغطرسة وخطأ الحسابات، وحيث اعتقدوا أنه صار بوسعهم تركيع المنطقة برمتها لأوهامهم التوراتية، ما سيعيد الصراع إلى أبجدياته الأولى، ويوقف مشاريع بيع الأوهام التي سادت طوال عقود.

التعليقات (0)