مقالات مختارة

حدود الحرب مع إيران ومأزق إدارة ترامب

شفيق الغبرا
1300x600
1300x600

حرب أم لا حرب، هذا هو السؤال الأساسي الذي يسود منطقة الخليج في الأيام القليلة الماضية. أجواء التصعيد ودخانه يلف كل دول المنطقة لكنه لا يلبث أن يكتسب مسحة من التهدئة والتدخل لإيقاف التصعيد.

 

إيران من جانبها تستعد للحرب وكأنها واقعة بعد ساعة، هذه هي المعلومات القادمة من إيران.

 

لقد استعدت إيران لتحريك كل حلفائها وأدواتها في المنطقة، وهذا يعني ان الحرب لو وقعت ستأخذ بعدا إقليميا. هذا بالتحديد ما حضرت إيران نفسها له منذ أن أسقطت القوات الأمريكية نظام صدام حسين في 2003.


وإن وقعت الحرب ستنقسم دول العالم وسنرى اصطفافات جديدة بين دول كالصين وروسيا وأوروبا. بل قد تشعر تركيا أيضا بأنها هي الأخرى مستهدفة بسبب موقعها في ميزان القوى، وأنها قد تكون الثانية على لائحة السعي لإعادة رسم خارطة دول المنطقة لمصلحة إسرائيل والصهيونية.

 

لو وقعت الحرب ستدفع إيران ثمنا كبيرا، لكننا في الضفة الأخرى من الخليج سندفع ثمنا كبيرا على الصعيد الأمني والسياسي والاقتصادي، لكن إسرائيل والولايات المتحدة سيدفعان، بنفس الوقت، ثمنا ليس في حسبانهما.

 

لقد استعدت إيران للحرب ووضعت في أهدافها كافة القواعد الأمريكية في الإقليم، ولو وقع هذا السيناريو، أجد أنه سينهي رئاسة ترامب الذي لن يتحمل خسائر أمريكية بسبب تطرف عناصر أساسية في إدارته.

قد يكون التحضير الإيراني للحرب السبب الأهم في عدم وقوعها، فالحشد الأمريكي والتصعيد الأمريكي هو الآخر قد يكون السبب في بناء حالة تؤدي للتفاوض

لن يقع في إيران سيناريو يشبه سيناريو العراق في 2003. لو وقعت الحرب قد تكسب إيران سياسيا من المواجهة مع الولايات المتحدة فتقف بعد الحرب على مفترق قد يكون مفيدا لها خاصة إن اهتز الموقف الأمريكي وانقسم على نفسه.

 

ستجد إيران حلفاء في روسيا والصين وستجدهم في دول أخرى لا تريد للولايات المتحدة وإسرائيل الهيمنة والسيطرة على كل الأبعاد والأجواء.


وقد يكون التحضير الإيراني للحرب السبب الأهم في عدم وقوعها، فالحشد الأمريكي والتصعيد الأمريكي هو الآخر قد يكون السبب في بناء حالة تؤدي للتفاوض.

 

لكن التفاوض لا يضمن النتائج التي تريدها الولايات المتحدة، فقد رأينا كيف تعثر ترامب مع كوريا الشمالية بعد تصعيد كبير معها، وشاهدنا حدود الدور الأمريكي في فنزويلا بعد وعود بالتغير والتدخل العسكري. بل حتى في سوريا اهتز الموقف الأمريكي.

لو نظرنا للسياق الذي تندرج في إطاره الأحداث، سنجد بأن الولايات المتحدة تواجه مأزقا مرتبطا بتنفيذ إرادتها وقراراتها التي لم تقرها معظم الدول بما فيها المؤسسات الدولية.

 

في أحسن حالاته يريد الرئيس ترامب حربا لا يدفع ثمنها ولا يدفع فيها أرواحا أمريكية، وهذا غير ممكن مع إيران.

 

لنتذكر بأن إيران فيها 80 مليون نسمة وإيران أربعة أضعاف العراق. وبالفعل الرئيس ترامب أبلغ وزير دفاعه الأسبوع الماضي أنه لا يريد حربا مع إيران.


إن إيران دولة أمة، وهي حضارة قديمة ومتجددة تنطلق من دورها التاريخي بصفتها الدولة الأهم المنطقة إلى جانب العثمانية قبل القرن العشرين.

 

هذا التواصل بين الدور التاريخي والخبرة الإدارية والحضارية هو الذي يصنع من إيران طرفا أساسيا في معادلات الشرق الأوسط.

 

إن الاعتقاد بأن إيران ستخرج من المعادلات ليس في مكانه، بل يرجح إنها اقتحمت المعادلات مبكرا من أجل تخفيف الضغط الأمريكي عليها.


العداء الإسرائيلي الإيراني ليس مرتبطا بالإيديولوجية الإسلامية، فإسرائيل لا تجد مشكلة في الايديولوجية الإسلامية للنظام الإيراني، فالنظام الإسرائيلي برمته تسيطر عليه الايديولوجية الدينية.

 

إن الخوف الإسرائيلي من إيران مرتبط بما هو أهم من الايديولوجيا: ميزان القوى العسكري وميزان القوى السياسي والتكنولوجي والنووي، وتاريخ من المواجهات المسلحة عبر حزب الله وحركة حماس.

 

لكن الانتهازية الإسرائيلية تسعي لتوريط الولايات المتحدة في حرب ليست بمصلحة الولايات المتحدة، والسبب في ذلك أن إسرائيل عاجزة عن تنفيذ حرب لوحدها ضد إيران.


إن التحرك الأمريكي والإسرائيلي في مواجهة إيران هو الوجه الآخر للضغط على الأردن والفلسطينيين في حماس والسلطة الفلسطينية وقطر والكويت ودول عربية أخرى لتمرير صفقة القرن التي يقصد منها اعطاء إسرائيل مزيد من الأرض في ظل تصفية القضية الفلسطينية وقضية القدس. لهذا فالصراع مع إيران غير مرتبط بتمدد إيران الاقليمي.

 

فاليمين المتطرف في الإدارة الأمريكية يحاول استباق الصعود الإيراني وكما والتركي، وذلك لأثره على البعيد الأمد والإستراتيجي على اسرائيل، ويحاول بنفس الوقت تحصيل أكثر ما يستطيع من أموال وصفقات سلاح، في ظل عزل صعود النفوذ الروسي والصيني.

 

إن الهدف الاساسي لإدارة الرئيس ترامب هو تدجين الاقليم، وجني الأموال ووضع حدود لردود الفعل على ما هو قادم في شأن القضية الفلسطينية. هذا انعكاس للأزمة التي تواجهها إدارة ترامب على الصعيد الأمريكي والدولي.


سيبقى السؤال الأساسي، ما هي استراتيجية الدول العربية تجاه هذا الوضع؟ سنجد أنه سيكون مثل كل الاستراتيجيات السابقة: مفككا ولا يحظى بإجماع.

 

يختلف العرب مع إيران في مجالات عدة وسياسات كثيرة، لكن هذا لا يعني أنهم سيؤيدون تصعيدا عسكريا في منطقة الخليج أو تصعيدا مسلحا وغارات جوية ضد إيران تؤدي لتدمير الإقليم.

 

فقد أعلنت عدة دول خليجية كالكويت وقطر عمان رفضها للحرب، بينما دول أخرى في الخليج تعيش حالة تحالف مع القوة الأمريكية وتصعيدها العسكري.

 

يقع كل هذا بينما الأزمة الخليجية وحصار قطر لازال قائما. الخليج لن يكون موحدا في ما هو قادم، والواضح أن نزاعات أكثر تعقيدا قد وصلت لمنطقة الخليج.

 

عن صحيفة القدس العربي

0
التعليقات (0)