كتاب عربي 21

مصادرة "الأهالي" بين عهدين!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

أما "الأهالي"، فهي صحيفة حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وهي الصحيفة الحزبية الثانية، بعد "الأحرار"، من حيث تاريخ الصدور، بعد انتقال مصر من تجربة الحزب الواحد، إلى المنابر داخل هذا الحزب، والتي تحولت إلى أحزاب بعد ذلك. والتجمع هو حزب اليسار في مثلث التعددية في مرحلة النشأة والتكوين سنة 1976!

لقد مرت "الأهالي"، لا سيما في عهد السادات، بتاريخ طويل من المصادرات، وعندما نقرأ عن مصادرة عدد الأسبوع الماضي منها، فهل يجوز أن نقول: عود على بدء؟!

لقد فوجئ كثيرون بأن "الأهالي" لا تزال تصدر إلى الآن، وكان الظن الغالب أنها توقفت عن الصدور لأسباب تتعلق بضيق ذات اليد. فلم تعد الصحف الكبرى في بلادي تمكنها مواردها من الاستمرار، ولولا تمويل السلطة للصحف القومية، لأغلقت الواحدة تلو الأخرى، ولانهارت المؤسسات الصحفية التاريخية، فكيف بصحيفة فقيرة؛ تستمر بقوة الدفع الذاتي من خلال الموسرين من أعضاء الحزب؟ كما حدث في مرحلة سابقة، بتمويل من رجل أعمال قيادي في التجمع، وقد تُوفي قبل سنوات قليلة، والأصل أن الصحف تقوم على الإعلانات "الإشهار"، والأحوال الاقتصادية البائسة في مصر، لا تجعل هناك رواجاً في سوق الدعاية، بما يمكن الصحف من البقاء على قيد الحياة. لكن حسناً، فـ"الأهالي" لا تزال تصدر، وقد تمت مصادرتها لنشرها تقريراً عن فساد شركة تديرها وزيرة سابقة، هي زوجة لمسؤول مصرفي! وتبلغ ذروة العبث هذه المرة، أنه لا يوجد مسؤول بالجريدة أو الحزب تحدث عن مصادرة العدد في المطابع!

 

تبلغ ذروة العبث هذه المرة، أنه لا يوجد مسؤول بالجريدة أو الحزب تحدث عن مصادرة العدد في المطابع

الخبر مجهول المصدر:

لقد قرأنا الخبر على السوشيال ميديا، ولم نطالعه في أي صحيفة أو منبر إعلامي، بل إن كاتب الموضوع، وهو في الوقت نفسه رئيس التحرير التنفيذي للصحيفة، وإن كان قد بشّر بموضوعه قبل النشر، فإنه لم يشر من قريب أو من بعيد لمصادرة العدد بعد ذلك، ليصبح خبر المصادرة مجهول المصدر، فيمكن إنكاره إذا لزم الأمر. وهو أمر لم يكن قائماً في عهد السادات، إذ كان خبر المصادرة يستدعي صدور بيانات إدانة وتوضيح من الحزب والقائمين على الجريدة، أيضاً من نقابة الصحفيين، لكن الآن مات عدد الأهالي فطيساً في المطابع!

قبل عدة شهور، قرأت مذكرات حسين عبد الرازق، رئيس التحرير المؤسس لـ"الأهالي"، عن تجربته الصحفية هذه: "الأهالي.. صحيفة تحت الحصار"، ولم أكن قد قرأتها وقت صدورها في سنة 1994، وروى فيها عدداً من وقائع المصادرة، والتي كانت تتم بإجراء يستوفي الشكل القانوني، ومن خلال قاضي الأمور الوقتية، والذي تمت مكافأته على ذلك بمنصب وزير العدل. ومع أنها إجراءات تعسفية، إلا أنها لم تكن تفتقد للشكل القانوني، ثم إنها كانت تتم بواسطة قاض؛ الأصل فيه أنه مستقل عن السلطة التنفيذية.

 

"المصادرة" الآن، وإن لم تهتم باستيفاء الشكل القانوني، فصارت أقرب للبلطجة، فإنها تتم بإجراء من قبل المطابع، وهو ما يجعلنا أمام حكم لا يمثل ردة إلى العصور السابقة

ومن الواضح أن مصر قطعت صلتها تماما بمصادرة الصحف، والتي تمت في عهد مبارك، في أمور لا علاقة لها بالسياسة، مثل مصادرة عدد جريدة "النبأ" بعد صدوره وهو يحتوي على فضيحة الراهب المشلوح. وكانت المصادرة أيضاً بحكم قضائي، علم به القاصي والداني، لكن "المصادرة" الآن، وإن لم تهتم باستيفاء الشكل القانوني، فصارت أقرب للبلطجة، فإنها تتم بإجراء من قبل المطابع، وهو ما يجعلنا أمام حكم لا يمثل ردة إلى العصور السابقة، ولكنه يتجاوزها في التكميم. فنحن لم نرجع إلى عصر ما قبل ثورة يناير، ولكنه الهبوط إلى هاوية، ليس لنا سابق معرفة بها؛ عندما تصادر صحيفة بدون اتخاذ الإجراءات القانونية، وبدون إعلان، ولمجرد أن الصحيفة نشرت تقريراً تعرض لوزيرة سابقة؛ هي زوجة لمسؤول مصرفي حالي. فيقول التقرير- البلاغ، إن شركتها تهدد الجهاز المصرفي لأن سحبت قروضاً من الجهاز المصرفي، ثم إنها تضم في مجلس ادارتها من يعملون في البنوك التي قامت بإقراض الشركة. وهذه البنوك، وقد حاولت استرداد مديوناتها على الشركة، فقد تم أمرها بالصمت، وهو أمر يوحي بأن بعل الوزيرة هو من يملك سلطة إسكات البنوك، فهل هي فعلاً إجراءات استندت إلى سلطته المنفردة كمسؤول مصرفي، لا يبدل القول لديه؟!

نفوذ الوزيرة السابقة:

اللافت أن التقرير ليس أكثر من عرض لاستجواب قدمه أحد النواب للبرلمان، فلم يدرج على جدول الأعمال، وإزاء هذا كان النشر لجس النبض، أو لتحريك المياه الراكدة، أو للوقوف على أبعاد الموضوع؛ لأن المثير للدهشة، ومع أنه استجواب قدمه من له "حيثية" قانونية، فإن النشر كان مجهلاً، فالشركة (لم يُذكر اسمها) تديرها وزيرة سابقة (دون ذكر اسمها أيضاً) وهي في الوقت نفسه زوجة لمسؤول مصرفي (لم يُذكر اسمه أو وظيفته على وجه التحديد). والأصل في الاستجواب أن يقدم بيانات معلنة، فما الداعي لأن تكون مجهلة عند النشر الصحفي؟!

ومن أين تستمد هذه "الوزيرة السابقة" نفوذها، حتى وإن كانت زوجة لمسؤول مصرفي حالي؟ فما هي سطوة الوزراء السابقين، وما هي السلطة الممنوحة لمسؤول مصرفي مهما كانت وظيفته، ليحول دون عرض الاستجواب في البرلمان، ثم يُكتب عن الاستجواب بدون ذكر الأسماء، ثم يصل النفوذ مداه بمصادرة العدد، وعدم امتلاك الصحيفة والحزب ومن يقومون عليهما القدرة على إعلان هذا، فيموت هذا الإنجاز الصحفي المهم فطيساً، فلا ينسبه الصحفي لنفسه، ولا تنسبه الصحيفة لتاريخها، ولا يجهر به حزب الأصل فيه أنه معارض، وهذه المصادرة تؤكد أنه يسير في طريق النضال الوطني، لا يضره من ضل، ولو من باب المتاجرة السياسية؟! 

 

من أين تستمد هذه "الوزيرة السابقة" نفوذها، حتى وإن كانت زوجة لمسؤول مصرفي حالي؟ فما هي سطوة الوزراء السابقين، وما هي السلطة الممنوحة لمسؤول مصرفي مهما كانت وظيفته، ليحول دون عرض الاستجواب في البرلمان

منذ متى كان للمسؤولين السابقي                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                             ظظظظظظظظظظظزززززززظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظظ           ن هذه السطوة؟.. ومنذ متى كانت لأي مسؤول مصرفي  في مصر ما يمكن به أن يصادر عدداً من صحيفة تعرضت لمقام السيدة حرمه؟!.. ومن هي هذه الوزيرة السابقة يا تُرى؟!

لم يكن معرفة اسم الوزيرة السابقة وبعلها، المسؤول المصرفي السابق، بحاجة إلى من يتعاملون مع "الطالع" للوقوف علىهما.

فالوزيرة هي داليا خورشيد، الموظفة السابقة لدى نجيب ساويرس (وأرجو أن يصحح لي الزميل في الأهالي إن كنت أخطأت في ذلك)، وزوجها المسؤول المصرفي هو محافظ البنك المركزي! فماذا يملكان من نفوذ يمكن به مصادرة عدد جريدة "الأهالي"؟

بيت القصيد:

هنا نأتي لبيت القصيد؛ فالمعروف أن الوزيرة أسست شركة "إيجيل كابيتال"، وهي شركة نزلت لسوق الإعلام منذ اليوم الأول لها، فاشترت صحفاً ومواقع وقنوات تلفزيونية. وكان من المعروف أنها شركة مملوكة لجهات أمنية، وأنها في مهمة الاستحواذ على المشهد الإعلام، وتجاوزت هذا للسيطرة على إنتاج الدراما في رمضان هذا العام. وعندما يقال إن هذه الشركة مدينة بالملايين لعدة بنوك، فمعنى هذا أن السيسي يعاملنا بمنطق من "ذقنه وافتله"، فهو لا يمول الهيمنة والاستحواذ على الإعلام من أموال الأجهزة والجيش كما كنا نعتقد، ولكن من أموال المودعين في البنوك، فتمنع من المطالبة باستردادها، وتواجه بأن موظفين كبار فيها هم أعضاء في مجلس إدارة هذه الشركة، بما يتعارض مع قوانين البنوك وتقاليد العمل المصرفي!

إنه الخراب يؤسس دولته، لكن ليس هذا هو الموضوع، فالسطوة لم تتوقف عند حد منع البنوك من المطالبة باسترداد مديوناتها لدى شركة السيسي للهيمنة والاستحواذ على سوق الإعلام، ولكن وصل إلى عدم مناقشة الاستجواب في البرلمان، ومصادرة عدد "الأهالي" دون أن يملك الحزب والجريدة القدرة على النطق في مواجهة هذا الإجراء التعسفي. والمثير، أن هذا كله يتم بعيداً عن الشكل القانوني، فقد تم عبر المطابع لا أكثر!

إن مصر تمر بأحلك مرحلة في تاريخها. 

التعليقات (1)
هيمن الخطابي
السبت، 25-05-2019 09:56 ص
سألت خبيراً في أحوال الصحافة المصرية العجيبة، عن حقيقة الظهور الميمون للصحيفة الحزبية التي اسمها "الأهالي"، التي سمعنا عنها مؤخراً في مقالة للكاتب اللوذعي المطلع عزوز، فأكد لنا الخبير أن أحد المجاذيب السائرين نياماٌ في شوارع المحروسة وحواريها، قد رآها معروضة في أحد المحال، ولكن عندما أرسل المخبرين الصحفيين من يتأكد من صحة الخبر، تبين لنا أن الجريدة التي ر آها المذكور هو عدد تاريخي أثري معلق على حائط محل يبيع الطعمية والفول لزوم تغليف السندوتشات. كما أكد لنا نفس الخبير أن الحزب الذي كان يصدرها واسمه حزب التجمع، الذي كان تجمعاً للعيال الشيوعيين والناصريين منحه لهم المأسوف على شبابه الشاطر أنور، ليكون مقراً لتجمعهم، بدل ما يقعدوا على المقاهي بدون شغلة يجيبوا في سيرة الناس. وقد اخبرنا مصدر ثقة مطلع أن اللافتة المعلقة عليه قد تحولت من سنين طويلة إلى "دكانة الدكتور رفعت السعيد"، وقد سلمها له العسكر تسليم أهالي، بعد أن أثبت ولاؤه لهم عرفاناُ منهم لجميله عليهم لأنه وبقلمه اللوذعي وحده كان رائداُ في تشويه أي شيء يمت للإخوان والإسلام بصلة، وقد تفرغ رفعت لمهمته المقدسة إلى أن جاءه القدر المحتوم، ولكن ما زالت الأخبار تترى بأن بعض أبناء المحروسة ما زالوا يسمعون في جوف الليل بعض الشيوعيين والناصريين يدعون للسعيد بأن يطيب الله ثراه، على ما أسداه لهم من خدمات جليلة، حيث اجمعوا أنه لم يكن يبخل عليهم بأجود فناجيل القهوة عندما كانوا يزورونه في دكانته. وقد طلب الخبير منا أن نطلب من الكاتب سليم عزوز أن يحكي لنا عن ما عايشه ورآه في مقر حزب الأحرار وصحيفته، ولكن أكدت لنا مصادر أن عزوز لن يصرح بتلك الأسرار لأنه ما بيحبش يجيب في سيرة الناس.