ملفات وتقارير

لصالح من تفرط مصر في مصانع وشركات الإسمنت الحكومية؟

أنشئت الشركة عام 1927
أنشئت الشركة عام 1927
تقترب مصر من إنهاء خدمة أقدم شركة إسمنت بالبلاد عملت بالسوق الصناعية مدة 90 عاما، في خسارة جديدة لأحد أهم صروح مصر الصناعية، في ظل قرارات حكومية أخرى متتابعة ببيع كبرى الشركات والمصانع العملاقة.

وقرر مجلس إدارة شركة "السويس للإسمنت" وقف العمل بشركة "إسمنت بورتلاند طرة"، جنوب القاهرة، التي تمتلك نحو ثلثي حصصها، عقب تدهور النتائج المالية والخسائر المتوالية للشركة التي أنشئت عام 1927.

هذا القرار هو الثاني بتصفية شركات إسمنت مصرية في عام ونصف، بعدما أنهت الحكومة عمل شركة "القومية للإسمنت"، وخرجت من السوق بشكل نهائي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، بعد 62 عاما من إنشائها.

ولم يتحدث أحد بعد عن موقف ومصير آلاف العاملين بالشركة، خاصة أن مجموعة السويس للإسمنت تتبع سياسة تقليل النفقات قبل 3 سنوات بجميع شركاتها، وطبقت برامج لتقليل العمالة عبر برامج "ترضية للعاملين".

ويشهد سوق الإسمنت المصري زيادة في الإنتاج تتجاوز 30 مليون طن سنويا، بمقابل انخفاض الطلب المحلي للعام الثالث على التوالي، وبينما يعمل اثنان فقط من خطوط إنتاج إسمنت "بورتلاند طره" التسعة، خسرت الشركة نحو 37 مليون جنيه عام 2018، و72 مليون جنيه بالربع الأول من 2019.

ورغم تلك الخسائر، رفعت الحكومة المصرية أسعار الوقود والكهرباء والضرائب على الشركات والمصانع المحلية عدة مرات منذ انقلاب عبدالفتاح السيسي في 2013، وفي انتظار رفع أسعار الوقود والغاز الشهر المقبل مجددا، بعد رفع أسعار الكهرباء على المصانع والأهالي الشهر الجاري.

ويأتي قرار وقف شركة الإسمنت الأولى في مصر، في توقيت تكرس فيه الدولة المصرية جهودها بعيدا عن دعم الصناعة، وتحصرها في بناء المساكن وتشييد الطرق، ويتزامن القرار أيضا مع زيارة السيسي، السبت، لمقر إنشاء أكبر دار أوبرا مصرية في الشرق الأوسط بالعاصمة الجديدة، وبعد أيام من افتتاح أعرض كبري في العالم.

متابعون انتقدوا القرار، وأرجعوه لكون شركة إسمنت "بورتلاند طرة" تمتلك مساحة أرض بكورنيش النيل تقدر بـ392 ألف متر مربع، يقيم سعر المتر للنشاط الصناعي بها بنحو 1750 جنيها للمتر، وحال تحويل الأرض للنشاط السكني يتعدى سعر المتر 3000 جنيه.

وفي كانون الثاني/ يناير 2019، وافقت الجمعية العمومية للشركة على ببيع الأصول غير المستغلة لأرض الشركة، وفي أيلول/ سبتمبر 2018، وافقت على إجراءات بيع الأرض المطلة على كورنيش النيل بطره، لأغراض صناعية.

"هذا هو المستفيد"

‏وفي تعليقه على ذلك القرار، تعجب رئيس حزب الوفاق القومي،‏ محمد محمود رفعت، مما أسماه التفريط في الصناعة الوطنية، مؤكدا أنها قرارات في غير صالح المصريين، وتصب في صالح أعدائهم.

السياسي المصري، أكد لـ"عربي21"، أنه "لا توجد دولة على وجه الأرض تفرط في أدوات إنتاجها؛ فتبيع  مصانعها وشركاتها".

ويعتقد أن "الأمر يتعلق بإنهاء دور الدولة المصرية، وإغراقها في الديون، ليسهل بعد ذلك قيادها لمن يريد"، مؤكدا أن "المستفيد هو الاستعمار الاقتصادي والصهيونية العالمية".

"فساد سياسي"

‏‏‏ويرى الباحث بمعهد إسطنبول للدراسات الاقتصادية والتعاون الدولي،‏ معاذ علوي، أن "مصر لم تفرط بمصانعها بقدر ما نقول إن تبدل الحكومات، وغياب الاستقرار السياسي، وعدم وجود منظومة سياسية مستقلة قادرة على إدارة الواقع السياسي بكل مجالاته، هو السبب".

علوي، قال لـ"عربي21"، إضافة لما سبق، فإن "حجم الفساد السياسي بأروقة النظام ينعكس سلبا على كل شيء، ما يجعل القائمين عليه يحاولون التفريط بأكبر قدر ممكن من الموارد؛ تلبية لمصالحهم الشخصية".

وأشار أيضا إلى عامل "غياب أدوات الرقابة البرلمانية، التي من المفترض أن تكون أداة تنفيذية في محاسبة أي شخص يفرط بموارد الدولة"، مبينا أن "المؤسسات الدولية، كالبنك الدولي، ليس معنية بإصلاحات جذرية للنظام الاقتصادي، ولو كانت كذلك لاستطاعت أن تجفف منابع التمويل، لكنها معنية ببقاء النظام السياسي؛ حفاظا على مصالحها بالمنطقة".

ويعتقد الباحث المصري أن استمرار النظام في "رفع سعر وقود المصانع يأتي نتيجة الفساد السياسي والاقتصادي، وغياب المنظومة السياسية الإصلاحية، التي تسعى لتحسين الوضع الداخلي، ووضع الأمور بنصابها، إضافة لحجم الديون وسياسة الاقتراض الذي تسعى مؤخرا الحكومة لتقليصه بواقع  66 مليار جنيه مصري (3.82 مليار دولار)".

وفي تفسيره لتوجه الدولة نحو بناء المساكن وتدشين الطرق وعدم فتح المصانع بل وإغلاقها، قال علوي: "هناك مخصصات وبرامج ترسم لفتح المصانع مع الأسف تذهب لمجالات أخرى، وبالوقت نفسه توهم الدولة المواطن بأن لديها نية لتدشين مشروع البنية التحتية، وأن ما تقوم به كاف".

وأكد أن "شق طريق وبناء مسكن ليس من أولويات المجتمع المصري حتى يصمد ويعيش بكرامة".

وبيّن علوي، أن "غياب البرامج السياسية الإنمائية والمراقبة والإشراف على كافة المشاريع يجعل الدولة تسير نحو الهاوية"، مشيرا إلى أن "إغلاق المصانع نتيجة الفساد السياسي، والاختلاس يأتي في ظل إشراف المؤسسة العسكرية على بعض المشروعات الصناعية".

وأكد أنه نتيجة لما سبق، فإن "حجم التنمية والتطوير والإصلاحات بمصر ستكون فرضية غائبة مقابل تحقيق مصالح الدول، واتباع سياسة الحد الأدنى، وإفقار الشعب، والظهور أمام الجميع بأن مصر تعمل ولديها مشاريع، لكن في الحقيقة هي فساد سياسي يقود نحو تدمير البناء الاقتصادي برمته".
التعليقات (1)
جويدة
الأحد، 26-05-2019 03:12 ص
ملحوظة انا من حلوان بجوار هذا المصنع و سعر المتر في هذا المكان للسكن ليس 3000 كما ذكرت بل يتخطى عشرة اضعاف هذا الرقم بدون مبالغة. بالضافة الي ثمن بيع المصنع بعد تفكيكه. وبذلك نعرف لماذا الاصرار علي غلقه. يعني ثمن الارض تتخطى 9 مليار جنيه + ثمن المصنع