سياسة عربية

هل تكفي حملات التوعية لإنقاذ المصريين من "الاتجار بالبشر"؟

خبراء: الجاني يستخدم العديد من الوسائل لإجبار الضحايا على العمل معه والاستمرار في خدمته- جيتي
خبراء: الجاني يستخدم العديد من الوسائل لإجبار الضحايا على العمل معه والاستمرار في خدمته- جيتي

تزايدت جرائم الاتجار بالبشر داخل المجتمع المصري في السنوات الأخيرة، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إطلاق حملة وطنية متكاملة للتوعية بمخاطره وسط تساؤلات حول أسباب تزايد تلك الجرائم بمصر، وهل يمكن أن تنجح حملات التوعية في الحد من هذه الظاهرة؟

وفي محاولة لمواجهة انتشار هذه الجريمة في مصر، أطلقت اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الهجرة غير الشرعية والإتجار بالبشر حملة وطنية للتوعية بمخاطر جريمة الإتجار بالبشر، وتستهدف التعريف بماهية الجريمة وأشكالها وصور الاستغلال التي يمكن أن يتعرض لها المواطنون.

ما هو الاتجار بالبشر؟

يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة أسيوط طه أبو حسين إن الاتجار بالبشر هو من أكثر الجرائم قسوة وبشاعة، لأن الجاني يستغل حاجة الضحايا وضعفهم للإيقاع بهم ويسخرهم للعمل لحسابه في مجالات مخالفة للقانون، بهدف تحقيق الأرباح المالية، مثل الدعارة أو عمالة الأطفال أو تزويج القاصرات أو الزواج القسري.

وأوضح أبو حسين، في تصريحات لـ"عربي21"، أن الجاني يستخدم العديد من الوسائل لإجبار الضحايا على العمل معه والاستمرار في خدمته، من بينها الإيذاء البدني والنفسي أو التهديد بهم، أو الابتزاز. 

وأضاف أن الاتجار بالبشر أصبح منتشرا في مصر حتى بات يمثل ظاهرة خطيرة على المجتمع، لافتا إلى أن حملات التوعية تعتبر مهمة في هذا المجال لكن لابد من المزج بين التوعية وتثبيت الاخلاق والردع القانوني، لأن المجتمع أصبح مشوها لابد من إنقاذه في أسرع وقت بتعاون جميع الحريصين على هذا البلد.

وشدد أبو حسين على أن الأمر يحتاج إلى ردع نفسي وديني حتى تعمل بمثابة مصدات أولية أو حائط دفاعي أمام هذه الجرائم التي تمثل تهديدا حقيقيا للأمن والاستقرار وتعري المجتمع بأكمله، موضحا أن الدفاعات الأولية تتمثل في إعادة القيم الاخلاقية التي فقدها المجتمع وعدم العبث في ثوابت ومسلمات الأمة.

قضايا متعددة

وكانت محكمة جنايات القاهرة قد قضت الأسبوع الماضي بمعاقبة 7 متهمين بالسجن المشدد 7 سنوات وتغريم كل منهم مبلغ 100 ألف جنيه في اتهامهم بالاتجار بالبشر، وقالت المحكمة إن المتهمين قاموا باستغلال حالة الضعف والحاجة للمجني عليهم وصغر سنهم وقاموا بتسليمهم للمتهم زعيم التشكيل الإجرامي الذي هددهم بإيذائهم وإيذاء ذويهم وسخرهم للعمل بالدعارة.

وقبل ذلك بيومين قضت محكمة جنايات القاهرة بمعاقبة متهم آخر بالسجن المشدد 10 سنوات لاتهامه بالاتجار في البشر، موضحة المحكمة أن المتهم قام باستغلال الأطفال في أعمال التسول.

وفي آذار /مارس الماضي عاقبت محكمة جنايات القاهرة 40 شخصا بالسجن المشدد ما بين 3 و16 سنة، بعد ثبوت تورطهم في أكبر قضية اتجار بالبشر، حيث قاموا بالاتجار بالبشر تحت ستار الزواج العرفي وقاموا بتزوير مستندات وعقود زواج لقاصرات مقابل مبالغ مالية، بالإضافة إلى تهريب المهاجرين والاستغلال الجنسى للفتيات فى أعمال الدعارة تحت وطأة الحاجة والعوز.

كما تنظر محكمة جنايات القاهرة، قضية ثالثة متهم فيها ستة أشخاص متهمين بتشكيل عصابة للاتجار في البشر، عبر استغلال حاجة الشباب للعمل والحصول منهم على مبالغ مالية مقابل تسفيرهم للخارج من خلال الهجرة غير الشرعية.

فقر وجهل

من جانبه قال الخبير الاقتصادي إيهاب الألفي إن جريمة الاتجار بالبشر تظهر في المجتمعات التي تعاني من الفقر والجهل، وهو ما يؤدي لوقوع أعداد كبيرة من الضحايا عرضة للاستغلال من قبل عصابات منظمة تعمل على تشغيلهم في مجالات غير قانونية مثل الدعارة أو التسول أو عمالة الأطفال، وقد يصل الأمر إلى المتاجرة في أعضائهم البشرية.

وأضاف الألفي لـ"عربي21"، أن أكثر أشكال الإتجار بالبشر شيوعا في مصر هو "الزواج السياحي" حيث يتم تزويج  فتيات صغيرات لرجال من دول الخليج بسبب الاحتياج المادي لأسرهم الفقيرة، بالإضافة إلى تشغيل الأطفال بشكل قسري، لافتا إلى أن الفقراء في صعيد مصر وفي قرى الدلتا يشاركون في هذه الجرائم أملا في انتشالهم من واقعهم المأساوي.

وكشفت رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة نهاد أبو القمصان، في تصريحات صحفية أن 120 ألف حالة زواج قاصرات تحدث سنويا في مصرسنوياً، معظمها من رجال كبار في السن، مؤكدة أن زواج القاصرات شبيه بالاتجار بهن وبيعهنّ لمن يدفع أكثر خصوصاً من مواطني دول الخليج.

وشددت أبو القمصان على أن مصر تحولت إلى مركزا للاتجار بالفتيات عبر زواج القاصرات أو ما يسمى "الزواج السياحي"، موضحة أن القوانين المعمول بها صارت غير كافية لأن طرق التحايل عليها كثيرة.

وأكد الخبير الاقتصادي إيهاب الألفي أن عمالة الأطفال أصبحت من الظواهر المنتشرة في المجتمع المصري حيث بلغ حجم عمالة الأطفال في مصر، وفق تقديرات منظمة العمل الدولية لعام 2016 نحو ما يقرب من 2.2 مليون طفل.

واختتم الألفي تصريحاته بالتأكيد على أن الحكومة مسؤولة عن انتشال المواطن من الفقر والجهل عبر تنفيذ برامج تنموية حقيقية تتضمن توفير فرص التعليم والعمل المجزي، لافتا إلى أنه لن يتم حل هذه المشكلة بدون توفير عناصر الحياة الكريمة لهؤلاء الفقراء وبعدها سوف تختفي هذه الجرائم بنسبة كبيرة من تلقاء نفسها.

 

التعليقات (0)