مقالات مختارة

إستراتيجية السعودية

حسن البراري
1300x600
1300x600

بعد أن أخفقت الرياض في دفع الولايات المتحدة لشن حرب ضد إيران، تحركت الدبلوماسية السعودية بشكل مختلف هذه المرة لحشد الدعم السياسي وعزل إيران، فالقمم الثلاث تأتي في سياق محاولة الرياض بناء إستراتيجية متعددة المستويات، مستعيدة بذلك فكرة الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر عندما حاول وضع مصر كقلب للعالم العربي والقارة الأفريقية والعالم الإسلامي. فالرياض تحاول تقديم نفسها كقلب نابض لدوائر ثلاث: الخليج، العرب، والمسلمين.

لكن وعلى العكس من الرئيس جمال عبدالناصر، فالعدو الإستراتيجي هذه المرة ليس الاستعمار الغربي والإمبريالية وإسرائيل بل إيران التي لابد من حصارها، وفي سبيل ترويض إيران لا ضير من الاستعانة بقوى الاستعمار والإمبريالية وإسرائيل! هذا هو السياق العام لدبلوماسية القمم، فالرياض تحاول بشكل حثيث توظيف مركزها المالي واستغلال حاجة بعض الدول اقتصاديا من أجل بناء موقف سياسي يعزل إيران ويشرعن أي حرب قادمة يمكن أن تشنها الولايات المتحدة بحجة حماية أمن الخليج.

منطقيا ونظريا لا يمكن لهذا التفكير أن يترجم إلى سياسات، فالأفكار السعودية تفتقد الآليات وتفتقد المنطق. فمثلا، كيف يمكن الحديث عن دائرة خليجية بزعامة سعودية في ظل انقسام دول مجلس التعاون الخليجي إلى محورين، فهناك أبوظبي والمنامة والرياض في محور معادٍ لإيران لكنه أيضا محاصر لقطر، وهناك عمان التي هي أقرب إلى الحياد منه لأي شيء آخر، وهناك الكويت التي لا تتفق مع الرياض في كثير من الشؤون الخليجية. ثم كيف يمكن الحديث عن دائرة عربية تناصب إيران العداء في حين أن العديد من الدول العربية ترفض إخضاع سياستها الخارجية وفقا لأولويات الرياض؟! فهناك اختلاف كبير حول مصادر التهديد للأمن القومي العربي. أما الحديث عن دائرة إسلامية فهو لا يتفق مع تعقيدات العلاقات الدولية لهذه الدول ومصالحها.

بمعنى آخر، لا يوجد أي أساس منطقي لهذه الدوائر الثلاث في ظل استمرار السياسة السعودية الحالية التي تريد أن تجيش العالم ضد إيران مع أنه يمكن إجراء حوار مباشر مع إيران للتوصل إلى تفاهمات قد تكون ممكنة، فالدول الأخرى هي دول ذات سيادة ومستقلة تماما وتحاول إيجاد التوازن في علاقاتها وربما لا تشاطر الرياض في تصوراتها الأمنية. وربما تُضيع الرياض فرصة العرض الإيراني لتوقيع معاهدة عدم اعتداء، فالسعودية ترى أن العرض الإيراني يأتي بسبب الحصار ويأتي في سياق الضعف، قد يكون ذلك صحيحا لكن ما المانع من استغلال هذه الحالة وانتزاع تنازلات من إيران لا ترغب الأخيرة تقديمها لواشنطن؟ فرهان الرياض على واشنطن وأن الأخيرة ستشن حربا ضد إيران لا يستقيم مع ما تريده واشنطن، فالرئيس ترامب يمارس سياسة الردع والحصار من أجل الحوار وليس من أجل شن حرب لا يريدها ولا تخدم مصالحه وقد تكون مكلفة.

أحد أسباب تعثر إستراتيجية الرئيس جمال عبدالناصر في بلورة الدوائر الثلاث هو أنه دخل في صراع مع بعض من مكونات هذه الدوائر، فدخل في حرب باردة مع الأنظمة الملكية ما أفشل مشروعه في نهاية المطاف، وبالمثل يمكن القول عن المملكة العربية السعودية، فالأخيرة دخلت في صراعات مع دول عربية، وعلى رأسها العراق وسوريا وقطر، كما أنها دخلت في صراعات مع الشعوب من خلال تمويل الثورات المضادة ودعم الاستبداد أينما كان، ناهيك عن حرب شعواء تشنها ضد اليمن بحجة إعادة الشرعية، يضاف إلى ذلك الحصار الظالم لدولة خليجية جارة!

بكلمة، كان بإمكان السعودية تجنب الحرج لو أجرت مراجعة لمجمل سياساتها التي حولتها من دولة اعتدال وحكمة إلى دولة تدخلية استمطرت الأعداء في كل مكان، ما زال المجال متاحا أمام السعودية للعودة لمكانتها الطبيعية شريطة إجراء المراجعة وإصلاح ذات البين مع خصومها العرب بدلا من الارتهان لليمين الأمريكي وإسرائيل.

عن صحيفة الشرق القطرية

1
التعليقات (1)
scrutinized jordan
الثلاثاء، 04-06-2019 10:18 ص
ايران وملشياتها قتلت اكثر من مليون ونصف من سكان العراق وسوريا واليمن الان.فكيف لا تكون اشد بل واقذر الاعداء .ثم لولا سكوت كل القوى الاستعماريه لما استطاعة ايران ان تقوم بهذه الجرائم.اضف الى ذلك اللاجئون من هذه البلدان مع لاجئي فلسطين..والاخير الذي ادى الى تدمير النسيج الاجتماعي لوطن اسمه الاردن. وهو نوع من انواع الجرائم ضد الانسانيه وما سينتج عنه من خراب وكوارث في المستقبل.الامور في غاية السؤ والخطوره والتواطئ محليا واقليميا وعالميا.ندعو الله ان يحق الحق ويمحق الباطل واصحابه