كتاب عربي 21

القوات السعودية في المهرة وخيار المواجهة الشاملة

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

حتى الآن، لا أدري لماذا لم تتخذ الحكومة السعودية خطوة إيجابية واحدة باتجاه تهدئة مخاوف أبناء محافظة المهرة، ونزع فتيل التوتر الذي إن اشتعل أكثر مما هو عليه اليوم، فسوف يحرق هذه القوات مادياً وسياسياً، وسيقوض الوجود السعودي برمته في اليمن.

تواجه السعودية اليوم خطر الصواريخ والطائرات المسيرة التي يطلقها الحوثيون، ويستهدفون بها عمق المملكة، ليؤكدوا أن السعودية قد فشلت فعلاً في مهمتها العسكرية في اليمن، لا لأنها لا تمتلك القدرة على تحقيق الانتصار في الحرب، بل لأنها تسيء التصرف، ولأنها تبدو أكثر ارتهاناً للخط السياسي والأيديولوجي الذي يسير فيه محمد بن زايد.

 

السعودية قد فشلت فعلاً في مهمتها العسكرية في اليمن، لا لأنها لا تمتلك القدرة على تحقيق الانتصار في الحرب، بل لأنها تسيء التصرف

وما أراه في المهرة هو أن السعودية تذهب في الاتجاه الخاطئ، وهذا يعني أنها ستواجه ما هو أخطر من الصواريخ، فهي ستواجه إرادة شعبية رافضة للقوات السعودية في المهرة واليمن، وستتعامل معها كقوة احتلال في أراض تخضع للسلطة الشرعية بالكامل، وهو توصيف لا يمكن أن تتحرر منه القوات السعودية إلا بزوال مسببات وجودها العسكري في المهرة، واحترامها الكامل للمبادئ التي تحكم العلاقات بين الدول ذات السيادة.

لقد جرب أبناء محافظة المهرة كل أدوات التعبير السلمي عن رفضهم للتواجد الكثيف وغير المبرر للقوات السعودية في محافظتهم، محكومين بوعي لا يمكن تزييفه بأن السعودية حركت قواتها باتجاه المهرة في محاولة لتحقيق أهداف جيوسياسية متعددة الأبعاد، أهمها وأخطرها، هو اجتزاء هذه المحافظة لتحقيق حلم قديم للمملكة بتجاوز عقدة مضيق هرمز، حيث يمر معظم النفط السعودي إلى العالم.

 

وللسعودية هدف جيوسياسي آخر يتمثل في منع الاتصال الجغرافي والديمغرافي والتاريخي بين اليمن وسلطنة عمان، وهو هدف يتعزز اليوم في ظل التباين الواضح في مواقف الرياض ومسقط حول مختلف التطورات الراهنة في المنطقة، وبعد أن أظهرت المملكة عبر ولي عهدها الجديد؛ هذا الجموح في لعب دور إقليمي يتأسس على تجاوز إرادة بقية دول مجلس التعاون الخليجي، والاندفاع نحو مصادرة إرادتها السياسية وإنهاء أدوارها الإقليمية والدولية، على نحو ما حدث في الخامس من حزيران/ يونيو 2017، وهو اليوم الذي شهد بدء تنفيذ الحصار الشامل على قطر والتخيط لغزوها عسكرياً.

 

للسعودية هدف جيوسياسي آخر يتمثل في منع الاتصال الجغرافي والديمغرافي والتاريخي بين اليمن وسلطنة عمان، وهو هدف يتعزز اليوم في ظل التباين الواضح في مواقف الرياض ومسقط حول مختلف التطورات الراهنة في المنطقة

لقد كان الظاهر في مهمة القوات السعودية هو السيطرة على المنافذ البرية والبحرية والطرقات في محافظة المهرة للتحقق من أن الأسلحة لا تأتي عبر المحافظة إلى الحوثيين، لكن بعد أكثر من عام على بدء الانتشار العسكري السعودي في المهرة، زادت قدرات الحوثيين في إيذاء السعودية والوصول إلى عمقها الاستراتيجي ومنشآتها الحيوية، بأسلحة لم تكن موجودة لدى الجيش اليمني السابق، ولم تكن موجودة أصلاً قبل بدء هذا الانتشار.

وفي تجسيد لمبدأ الاحتكام إلى العقل، سحب أبناء المهرة كل الذرائع من القوات السعودية، وأقروا بآلية التفتيش التي تمارس في المنافذ للتحقق من عدم دخول أسلحة، وانصب اعتراضهم على الطريق التي تتم من خلالها هذه العملية.

فأبناء المهرة يريدون أن تتم هذه العملية بواسطة القوات الحكومية المتواجدة في المهرة، دونما الحاجة إلى هذا التواجد العسكري الكثيف.

ومع ذلك، يبدو أن السعودية مصممة على تحقيق أهدافها الخفية، لذا لم تكترث للتحذيرات التي أطلقها المعتصمون في منفذ "صرفيت" البري بمديرية حوف؛ من أن الأمر قد يخرج عن السيطرة، بما يسمح للناس لسلوك مسارات مختلفة للمقاومة.

 

السعودية مصممة على تحقيق أهدافها الخفية، لذا لم تكترث للتحذيرات التي أطلقها المعتصمون في منفذ "صرفيت" البري بمديرية حوف؛ من أن الأمر قد يخرج عن السيطرة

وبدلا من أن تهدئ من مخاوف المعتصمين الذين يمثلون الإرادة الغالبة في محافظة المهرة، عمدوا إلى استجلاب النموذج الإماراتي السيئ، فواصلوا إقصاء القوات والشرطة الحكومية، وقاموا بجلب مليشيات وتزويدها بالأسلحة الثقيلة؛ في مواجهة الإجماع الشعبي على السيطرة التي تفرضها السعودية على سواحل المحافظة ومنافذها البرية والبحرية، وذلك بهدف كسر إرادة الناس عبر هذه المليشيا المنفلتة.

إنها الوصفة الكارثية بالنسبة للسعودية؛ لأن المضي في تحدي الإرادة السلمية لأبناء المهرة سيفتح المجال أمام مواجهات مكلفة، لا أعتقد أن القوات السعودية مستعدة لتحملها في هذا الظرف الذي تواجه فيه إرادة دولية متصاعدة تطالب بإيقاف الحرب وتقر بعبثيتها في اليمن.

 

ر ما يعد به التصعيد الخطير باتجاه الاشتباك المحتمل بين أبناء محافظة المهرة والقوات السعودية، هو أنه سيفتح مساراً موازياً للحرب، سيظهر أبناء المحافظة معه إصراراً على رفض الاحتلال

على هذا العبث إذا أن يتوقف، وتتوقف معه هذه الوتيرة من السلوك المتعالي الذي تظهره القوات السعودية متفردة في القرار السياسي والعسكري والاقتصادي في محافظة المهرة، مستغلة الصمت المريب من قبل رموز السلطة الشرعية المختطفين في الرياض.

وإن أخطر ما يعد به التصعيد الخطير باتجاه الاشتباك المحتمل بين أبناء محافظة المهرة والقوات السعودية، هو أنه سيفتح مساراً موازياً للحرب، سيظهر أبناء المحافظة معه إصراراً على رفض الاحتلال، وهو موقف سيقود حتماً إلى توسيع دائرة الرفض الشعبي في اليمن للوجود السعودي؛ كل المؤشرات تدل على إمكانية حدوثه، وإن حدث فإنه بالنسبة للمملكة الفشل الذريع والغرق الذي لا مفر منه في المستنقع اليمني.

التعليقات (0)