مقالات مختارة

ماذا يعـني تصفية محمد مرسي؟

عبد الله العمادي
1300x600
1300x600

بموت الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي -رحمه الله وغفر له- بالطريقة التي تم الإعلان عنها، أعاد الأمور والنقاش والحديث مرة أخرى نحو كبرى الجماعات الإسلامية، الإخوان المسلمون، وثورات الربيع العربي، الموجة الأولى منها التي بدأت في تونس ثم مصر فاليمن وليبيا وسوريا، قبل سنوات ثمان مرت على الأمة، لم تنج منها تقريبا سوى تونس، فيما البقية متعثرة حتى اليوم..

موت مرسي -رحمه الله- يمكن اعتباره أهم وأبرز حدث في محطات الربيع العربي. فأن يموت آلاف في ثورة ضد ديكتاتور مثلا هو أمر طبيعي وسنة حياتية، فهكذا نتيجة الصراع بين الحق والباطل. لكن ما حدث في مصر تحديدا، منذ بدء ثورة يناير وعزل مبارك والانتخابات الرئاسية، ثم الانقلاب العسكري وانتهاء بموت أول رئيس مدني منتخب انتخابا حقيقيا على طول وعرض التاريخ المصري العريق، كل شريط الأحداث هذا، أعتبره علامة بارزة أو الحدث الأهم من بين ثورات كل بلدان الربيع العربي.

لو رجعنا القهقرى نحو السنة الوحيدة التي حكمها الدكتور مرسي -رحمه الله- وبحثنا في وسائل الإعلام المختلفة، لوجدنا ذاك التزامن والتوافق الغريب في نشر مفاهيم ومصطلحات ونوعية معينة من التقارير والأخبار والمواد الإعلامية كانت تقوم بها جهات إعلامية في بريطانيا والولايات المتحدة، ومثلها أخريات عربيات بالإضافة إلى الداخل المصري، وجدنا بروز مصطلحات معينة من قبيل الدكتاتور أو الدكتاتورية مع ربط اسم مرسي بهتلر وموسوليني، وظهور مصطلح فرعون في تلك المواد الإعلامية، وعبارات أخرى مثل الإخوان وسرقة الثورة، أو الحكم الديني، السلفي، الوهابي، الخميني، الفكر المتشدد، التعطش للحكم، الأخونة، وغيرها كثير كثير.. ولا شك أن المحلل لتلك النوعية من التقارير والأخبار التي تحتوي مصطلحات من ذاك القبيل، سينتهي إلى حقيقة واضحة لا شك فيها أن أمرا ما يُراد له أن يحدث في مصر.

الدور القيادي لمصر في الأمة والمؤثر على مجريات كثير من الأمور في الوطن العربي الكبير، يدفع إلى القول إن الثورة المصرية ضمن ثورات الربيع العربي كانت الأهم والأبرز، ونتائجها مؤثرة بالضرورة على بقية دول الثورات الحالية، وربما مستقبلا على بقية الدول المرشحة لمثل ذاك النوع من التغيير فيها.
ليس من شك عندي أن مجرد فكرة وصول إسلاميين إلى حكم أكبر دولة عربية، لم تكن لتخطر على بال أي جهة، لا شرقية ولا غربية. بل إن قيام ثورة في مصر تحديدا لم يكن أكثر المتفائلين ليحلم بها بسبب القبضة الأمنية لنظام مبارك، وطبيعة الحياة في مصر وطبيعة شعبها التي لم تكن توحيان أبدا بإمكانية قيام ثورة على النظام والوصول إلى أبعد المطالب وهو تغييره، باعتبار أن غاية المنى كانت عند أعتى المعارضين للنظام أن يكف شره ويفتح بعض الهوامش يتنفس الناس عبرها بعض هواء الحرية في التعبير والعمل..

 

أما وقد قامت ثورة وأسقطت نظاما بوليسيا قاسيا بصورة لم يتوقعها أحد، وسقطت معه – أو إن صح التعبير اهتزت - مشاريع وأحلام كثيرين في الغرب والشرق، فهذا أمر لابد من ضبط إيقاعاته قبل فوات الأوان.

تسارعت الأحداث بصورة لم تترك مجالا للمراقبين من الخارج فهم ما يجري لضبط الإيقاعات، فتُركت مصر لشأنها لتختار رئيسها وحكومتها القادمة بعد ثلاثين عاما من ديكتاتورية واضحة لا شك فيها.. وتنافس فلول ورموز أخرى وإسلاميون في أول انتخابات رئاسية حرة نزيهة.. فاز الإسلاميون في النهاية، وفرح من فرح، وذُهل من ذُهل.. فهكذا الصناديق تتحدث إن تُركت بسلام.. لكن هل رضي الخاسرون والكارهون لكل ما هو إسلامي بالنتيجة؟

وصل رمز إسلامي لحكم أكبر بلد عربي، بل ليس أي إسلامي، إنه من الإخوان المسلمين، الجماعة التي أقلقت الشرق والغرب منذ عشرينيات القرن الفائت، وما يزال إلى ما شاء الله، هذا القلق أن يستمر، ما دفع بالبعيدين قبل الأقربين لنوع من التكاتف والتعاون معا وترك الخلافات جانبا للتركيز على ما حدث. وكان الاتفاق على أهمية وضرورة وسرعة إجهاض هذا المشهد، الذي صار كابوسا مرعبا. وبالفعل تم إجهاض النسبة الأكبر منه عبر انقلاب عسكري تام مكتمل الأركان، على أول رئيس مدني ينتخبه مصريون بإرادتهم منذ الفراعنة وما قبلهم وبعدهم من أمم وملوك حكمت مصر !

الجزء الذي تبقى من المشهد المصري العظيم الذي وقع منتصف عام 2012 هو كيفية توصيل رسالة إلى بقية الشعوب العربية التواقة للحرية والشعور بقيمتها وكرامتها، أن عملية التغيير والإصلاح على النموذج المصري ستكون نهايتها أليمة.. بالطبع ثورات ليبيا واليمن وسورية، قامت الثورات المضادة لها بإرسال رسائلها للداخل والخارج مبكرا، وأن النتائج هي التي ترونها على أرض الواقع، والمشاهد الختامية لم تحسم بعد، أو لم يحن موعدها بعد !

أما الثورة المصرية، فقد كانت أسرع في الوصول للمشهد الختامي، وإن أخذت من الزمن، سنوات سبع أو ثماني عجاف، لكنها وصلت أخيرا قبل أيام وقريبا سيسدل الستار عليها، لتبدأ حقبة جديدة لا يعرف أحد ماهيتها ولا شكلها حتى الآن.. وقد تقرر بصورة وأخرى أن يكون المشهد الختامي على شكل تصفية مادية جسدية للرمز أو الصوت الثائر على أنظمة الاستبداد والظلم، الذي كان يمثله شخص الدكتور محمد مرسي -رحمه الله- الذي ظل اعتقاله بمثابة قلق مستمر لا يتوقف لنظام عسكر مصر منذ صيف 2013، وإن التصفية الجسدية بشكل وآخر، من شأنها وضع حد لحالة القلق أو التخفيف منها كثيرا، وحدث ما حدث قبل أيام، دون حاجة لكثير تفصيلات وشروحات.

ماذا يعني كل هذا؟

يمكن القول إن تصفية محمد مرسي أو الثورة المصرية، تعني أن تغيير نظم الحكم عبر ما تسمى بالانتخابات الديمقراطية، ليس بالأسلوب الذي ينفع في عالم عربي يحتاج لمزيد وقت من النضج والوعي وامتلاك الإرادة، باعتبار أن هذه المسألة أو نشر ودعم الديمقراطيات بالعالم العربي، ليس قرارا عربيا، بل هو قرار القوى الكبرى المستفيدة من المنطقة، وهي لم ولن تتخذ ما يدعم مثل هذه التغييرات، لأنها لن تكون في صالحها، باعتبار أن تعاملها مع نظم استبدادية ديكتاتورية، وبحسب خبرات الماضي لها بالمنطقة، خير معين لاستمرار نفوذها وحماية مصالحها، فلا شيء يدعوها للتورط ودعم تغيير الأنظمة لتأتي أخرى ديمقراطية صاحبة قرار، خاصة أنه لا شيء يضمن أن مصالحها ونفوذها ستبقى كما هي الآن.. ودع عنك كل شعارات القوى الكبرى ومبادئها الإنسانية وغيرها، فهي للاستهلاك الإعلامي وتخدير الشعوب ليست أكثر.

التصفية تعني كذلك أنه لا يمكن قبول أي نوع من أنظمة حكم تُدار بأيدي إسلاميين، مهما كانت سعة صدورهم وأفقهم ومرونتهم، هذا على افتراض حدوث تغيير لنظام الحكم من استبدادي إلى ديمقراطي. حتى لو حدث هذا، فالإسلاميون بكل صورهم غير مسموح لهم هذا الامتياز، ومثال تونس أبرز أمثلة بلاد الربيع العربي. لكن حتى مع تواضع التجربة التونسية، إلا أن محاولات إعادتها إلى حظيرة الاستبداد مستمرة، ومليارات قوى الشر العربي المعروفة، تُصرف هنا وهناك في تونس، استعدادا لإجهاض كل صلة لحزب النهضة بالحكم، والانتخابات القادمة ستتضح الكثير من الأمور..


أخيرا، أمن دويلة الاحتلال الإسرائيلي. عامل مهم وحاسم لأي نظام حكم عربي يريد أن يحكم ويستمر. بمعنى أن تقديم الضمانات للغرب بالحفاظ على أمن هذا الكيان الغاصب، سبب رئيسي لبقاء نظام الحكم، فإن أحد الأسباب الرئيسية لتصفية مرسي، هو الخشية من التعرض لإسرائيل بصورة وأخرى، فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، يريد صفر احتمالات بالنسبة لموضوع أمن إسرائيل. والتودد الجهري أو الخفي من كثير من أنظمة الحكم العربية لإسرائيل بشكل مباشر أو عبر الولايات المتحدة، إنما الهدف هو بث الطمأنينة للغرب أن أمن هذه الدويلة من أمن البلد صاحبة التودد لإسرائيل!

لكن رغم سوداوية المشاهد العربية وبأس الباطل الذي يتجبر ويتكبر هنا وهناك، تبقى الحقيقة الحياتية ثابتة لا تتزحزح ولا تخرج عن كتاب الحقائق والسنن الإلهية، وهي أن الحق دوما منتصر نهاية الأمر، والباطل زاهق مهما وجد الدعم والعون، فالظلم مرتعه وخيم لا يمكن أن يستمر، وشواهد التاريخ أكثر من أن نحصيها ونسردها، فتفاءلوا بالخير تجدوه، أو كما كان عليه الصلاة والسلام، يعجبه الفأل الحسن ويكره التشاؤم. وإنما كان صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل؛ كما قال ابن حجر: لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق، والتفاؤل حسن ظن به، والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله في كل أحواله.

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)