مقالات مختارة

فلسطين موحدة تنتفض

رجب ابو سرية
1300x600
1300x600

منذ سنوات طويلة، وبشكل جليّ وواضح ولا خلاف عليه، منذ اثني عشر عاما، أي منذ العام 2007، الذي وقع فيه الانقسام الداخلي، لم يجمع الشعب الفلسطيني بكل مكوناته السياسية، الرسمية والشعبية، بفصائله وأحزابه، بداخله وخارجه، بشيبه وشبانه، على أمر أو موقف، كما هو يجتمع اليوم على رفض صفقة ترامب، وأول تجلياتها، الورشة التي تنعقد اليوم في الدولة العربية الخليجية، البحرين.

أول ما يمكن لحظه والإشارة إليه، هو أن «جبل ترامب» قد تمخض عن فأر، ذلك أن حديث الصفقة لم يتوقف يوما منذ عامين، حين تجند له طاقم مكون من ثلاثة مسؤولين أمريكيين، يتقدمهم مستشار الرئيس السياسي وصهره، جاريد كوشنير، يرافقه كل من المبعوث الأمريكي الخاص إلى الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، والسفير الأمريكي في إسرائيل دافيد فريدمان، والذين طالما بشروا بأن الصفقة ستعالج واحدا من أخطر ملفات الشرق الأوسط تعقيدا، الذي كان وما زال سببا في العديد من الحروب التي جرت في المنطقة، وكمثل اللصوص الذين يعملون في الظلام، ويخشون من افتضاح أمرهم، ظلوا يتكتمون على تفاصيل الخطة، التي تم إعدادها -حسب ما أعلنوا هم أنفسهم- خارج الإطار التفاوضي بين الطرفين المعنيين، الفلسطيني والإسرائيلي، المباشر أو في ظل الرعاية الأمريكية، لينتهي الأمر بعد تأجيلات عديدة إلى الإعلان عن ورشة تتحدث عن مشاريع اقتصادية أو بصريح العبارة عن رشوة مالية تعقد بين «رجال أعمال» وليس بين سياسيين مختصين أو لهم علاقة بالأمر.

وفي الحقيقة، فإنه إضافة إلى حل الحكومة الإسرائيلية وإجراء انتخابات الكنيست الإسرائيلي الحادي والعشرين والذي فشل بدوره في تشكيل الحكومة الجديدة، فإن ثبات الموقف الفلسطيني رغم تعرضه للضغوط المتواصلة الشديدة، السياسية والمالية، كان السبب الرئيسي في تعثر إعلان الصفقة، وتحول طموح الطاقم البيضاوي إلى هذا المستوى المتدني من الفعل، والذي يعتقد واهما، بسبب حداثة عهده بالسياسة، خاصة في هذه المنطقة من العالم، بأن قرارات البيت الأبيض، تمثل إنجازا أو نجاحات فعلية أو أنها تغير من واقع الحال، إن كان ذلك الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو بضم الجولان أو تلك القرارات المعادية للتمثيل السياسي الفلسطيني في الولايات المتحدة أو الحرب الأمريكية على الأونروا.

ما زال البيت الأبيض يعتقد أن مجرد اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل جعل منها مدينة إسرائيلية، أو أن اعترافه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، قد تحول به لأن يكون إسرائيليا، وهكذا تسير السياسة الأمريكية على الطريق المتشدد الإسرائيلي مغمضة العينين، الأمر الذي أثار حفيظة حتى بعض الإسرائيليين، كما رأينا برد فعل زعيمة ميريتس على تصريح فريدمان الذي قال بحق إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية.

 

وقد لا يكون هذا الأمر بعيدا عن العجز الإسرائيلي عن تشكيل الحكومة ودخول إسرائيل في نفق مظلم حقيقي يهدد الدولة بعجز نخبتها السياسية عن تشكيل حكومتها، حيث ينشأ هنا السؤال كبيرا حول ماذا لو جاءت انتخابات الكنيست الثاني والعشرين المقررة في أيلول القادم، كما كان حال نتائج الانتخابات السابقة التي جرت في نيسان، كما أشار استطلاع «معاريف» قبل يومين، وبقيت إسرائيل عاجزة عن تشكيل الحكومة، بسبب التخبط السياسي الداخلي، والناجم أيضا عن هذا التدخل الأمريكي الفج والمنحاز ليس لإسرائيل بمجموعها ولكن لليمين واليمين المتطرف ولبنيامين نتنياهو بالتحديد.

لقد بدأت الأصوات داخل إسرائيل نفسها تعلن صراحة عن «تفاهة» ورشة البحرين، وعن فشلها وعدم التوقع في أن يخرج منها شيء ذو قيمة أو شأن، وبدأ الجدل السياسي يعود مجددا، حول إن كانت هذه السياسة في صالح إسرائيل في نهاية المطاف، أو أنها تفجر الأوضاع، وتضع إسرائيل في عين العاصفة، وتبعد عن أنفها حلم العيش في سلام لا يتحقق بقهر الشعب الفلسطيني، ولكن بالتوصل معه إلى حق يرضي طموحه الوطني بحده الأدنى، وهو إقامة دولته المستقلة الموحدة والقابلة للحياة وبعاصمتها القدس الشرقية.

صحيح أنه من الصعب التوقع بسقوط اليمين الإسرائيلي في الانتخابات القادمة، وحدوث الانقلاب بتداول الحكم، لكن بالمقابل، قد تأكد عجز اليمين عن الاستمرار في الحكم والسير في نفس المسار، بعد إغلاق أفق السلام، الذي دشنه منذ عام 2014، وخير دليل على ذلك هو أن إسرائيل محكومة منذ عام بحكومة انتقالية، وتنتقل من انتخابات لأخرى دون جدوى.

وصحيح أيضا، أن ورشة المنامة، تحقق مستوى من التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل من خلال حضور «رجال الأعمال» الإسرائيليين للورشة، لكن الرفض الفلسطيني الحاسم للصفقة ورفض حضوره الورشة، فرض انكفاء على المشاركة السياسية، ذلك أن الطاقم الأمريكي كان يُمنّي النفس بمشاركة وزراء المال العرب، لكن إعلان مصر والأردن عن تمثيلها من خلال نائب وزير المالية يعني بأن الورشة لن تأخذ ولا بأي شكل الطابع السياسي أو الرسمي، فنائب الوزير هو مهني، فيما الوزير يمثل الحكومة والدولة، أي أنه تم التقليل من الخسائر إلى ابعد قدر ممكن.

كيف يمكن للحديث عن صفقة دون وجود أحد طرفيها، إلا إذا كان الحديث يجري عن «فرض حل» وإجبار أحد طرفي المشكلة على قبوله، وهكذا يمكن الرد حتى من قبل العرب «المغلوبين على أمرهم» والذين يقولون بأنهم لن يقبلوا إلا ما يقبل به الفلسطينيون، على الأمريكيين بالقول: لديكم صفقة أو خطة حل، أطلقوا مسار التفاوض واعرضوا خطتكم على الفلسطينيين، وحيث أنهم يرفضون رعايتكم، فيمكن معالجة ذلك من خلال مؤتمر دولي أو إقليمي، وهكذا يمكن تجاوز المشكلة، أما أن يستمر دونالد ترامب وطاقمه بالتعامل مع السياسة الدولية وفق منطق تجار العقارات، فهذا يقود إلى دعوة الأمريكيين إلى التوقف عن التدخل تماما ونهائيا في هذا الملف، بل وفي كل ملفات الصراع السياسي في المنطقة.

 

ولا شك أنه كما كان الموقف الرسمي الفلسطيني رافعة للارتقاء بحالة الرفض إلى حدود لفظ الصفقة وحشر أول تجلياتها في الزاوية، فان الانتفاض الشعبي الفلسطيني اليوم، سيكون سببا في انطلاق المارد الشعبي العربي، في وجه التخاذل الرسمي، والخذلان العربي، ليس لفلسطين فقط، بل ولكل الحقوق العربية.

عن صحيفة الأيام الفلسطينية

0
التعليقات (0)