مقالات مختارة

انتصار القيم أولى من الانتصار السياسي!

سليم قلالة
1300x600
1300x600

الانتصار الحقيقي هو الانتصار على مستوى القيم، أما الانتصارات الأخرى فتبقى مؤقتة وفي درجة أقل من الأهمية. إذا ما سَمَح أي شعب بهزيمته على هذا المستوى، فلا انتصار سياسيا له مهما كان، لذا علينا اليوم أن نتشبَّث بما تحقق لدينا من انتصار على مستوى منظومة القيم، ونُعزِّز ذلك، ولا نُبالي إن تأجَّل تحقيق بعض الأهداف على المستويات الأخرى، والسياسية منها بالدرجة الأولى.

لقد أدرك الناس بحكم طبيعتهم ومعايشتهم للواقع، أنّ أكبر ما تم تحطيمه أو تبديده أو سرقته منهم، ليس النظام السياسي ولا المال العامّ ولا  الثروات، إنما هو سُلَّمُ القيم الذي تبلور في أبهى صوره في أثناء الثورة التحريرية الكبرى. سنة بعد أخرى أدركوا كيف تمّ تدريجيا، وبسياسات مدروسة من قيادات نافذة موالية لعدوِّ الأمس قلبا وقالبا، تحطيمُ أربع قيم رئيسية على الأقل لدى المجتمع: الولاء لله ثم الوطن. الأخوّة مصدر قوة، التضحية أساس النصر، الصدق والأمانة والإخلاص أساس العمل.
ويمكن لكل جزائري أن يسرد عليك كيف تمت محاربة هذه القيم منذ بداية استعادة السيادة الوطنية إلى العهدة الخامسة!


بعد ثلاثين سنة من استعادة الوطن سيادته، تم فصل قيمة الولاء لله ثم الوطن بعضهما عن بعض بافتعال صراع بين الإسلام والدولة. وكان ثمن ذلك عشرية سوداء بمعنى الكلمة، انتُزِع خلالها البُعد الإلهي من الوطن، ثم انْتُزِع بعده الوطن من الوطنيين، وتم تغيير طبيعة الولاء، ثم جاء دور قيمة التضحية فحورب الصدق والإخلاص وحوربت الأمانة، وكان ثمن ذلك نهب المال العامّ على جميع المستويات. وتبعا لما حدث فقدت الأخوّة بين الجزائريين معناها، وتفشت أمراض كالكراهية والحسد والحقد بين فئات المجتمع الواحد، ووصلت إلى الأسرة الواحدة أحيانا، وانعكس هذا الفساد في هذه القيم الرئيسية على باقي القيم، كالعمل والإتقان، والاحترام، واقترب المجتمع من حافة الانهيار.
وفي لحظةٍ هي من لحظات القدر، وعند اقتراب الناس من نقطة الاستسلام، يستجيب الشعب أخيرا لصدمة العهدة الخامسة، ويُعبِّر بعفوية مطلقة عن كونه قادرا على استعادة كل قِيَمِه المفقودة: الولاء لله ثم الوطن، التضحية، الصدق والأخوّة التامة... إلخ. ويتجلى ذلك بوضوح في أكثر من موقع، وفي أكثر من سلوك، وتلوح تباشير النصر في الأفق، أَن هذا الشعب قد استعاد وعيه وحقيقته وسيكون كما أراد.


في هذه اللحظة، تتدخل سياساتٌ مضادة أخرى لتحوير هذه اليقظة الحقيقية عن مسارها، تربطها بأشخاص أحيانا وهي فوق الأشخاص، ثم تربطها بأجندات سياسية وهي فوق الأجندات، وتسعى لإدخالها في حروب هامشية باسم الانتقام والتشفي وهي أكبر من هذه الحروب، ويقف بعض الشرفاء لينبِّهوا إلى أنَّ الأهمَّ هو الحفاظ على ما حدث من ثورةٍ في القيم، قبل أي حديثٍ آخر، أنّ الأهم ليس مَن يحكم الآن ولا واجهة الحكم، إنما كيف نُبقي على هذه الديناميكية حية في أوساط الشعب، كيف نقطع الطريق على كل مناورة سياسية، تُحرِّف هذه الموجة الكبيرة في التغير على مستوى القيم، عن مسارها، كيف نَمنع عودة الولاء لغير الله والوطن؟ كيف نمنع عودة الانقسام بين أبناء الشعب الواحد؟ كيف نمنع قتل روح التضحية والصدق التي عمَّت الناس؟ كيف نمنع تحطيم ما استعيد من قيم؟


لذلك، قلت إننا اليوم في حاجةٍ إلى تركيز الجهود لتحقيق هدف واحد: حالة استقرار سياسي، تُمكِّننا من الحفاظ على هذه الديناميكية في تصحيح القيم، وهي كفيلة بتحقيق كل الإصلاحات التي نريد. أما دونها، فمهما بدت الانتصارات ثورية، جذرية، راديكالية، كما يرفع السقفَ البعض اليوم، فلن تكون سوى مقدِّماتٍ لنعود مرة أخرى إلى منهجية تحطيم القيم بأسلوبٍ آخر.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
متفائل
الأحد، 30-06-2019 03:21 م
أهم و أخطر سلوك على الوعي القيمي ، و الصحوة الاجتماعية القيمية ، و الحضور القيمي ، هو ببساطة ركوب سفينة القيم باسم القيم من أجل تحويل مسارها بعيدا عن شط الأمن و الأمان . و خير مثال ركوب الشرعية الثورية ، و الشرعية الوطنية ، و ... ، زورا و بهتانا ، من أجل التستر و التقنع ، بهدف إلحاق الأذى بذاكرة الجزائريين، و تمييع كل ما هو نظام و منظومة . و للأسف الشديد لم يسلم من ذلك طرف ، حتى الإسلاميين الذين ساهموا بدورهم في تعميق و تعقيد الأزمة ، حتى غدت الصحوة الإسلامية ادعاء أكثر منه دعوة ، و تنظيم أكثر منه نظام حياة . و كما قيل : إذا عرف السبب انتفى العجب ، أو كما قيل .