مقالات مختارة

الخلط بين الدين والتديّن

زياد الدريس
1300x600
1300x600

أجرى موقع البي بي سي BBC الإخباري بالتعاون مع شبكة البارومتر العربي، استطلاعا للآراء، حول قضايا التدين والهجرة وحقوق المرأة والموقف من الشواذ جنسيا. ثم نشرت البي بي سي نتائج الاستطلاع تحت عنوان مثير ومضلّل هو: هل بدأ الشباب العربي يدير ظهره للدين؟

‏أصِفُ العنوان بأنه "مثير ومضلِّل" لأن الاستطلاع كان يسأل عن موقف الشباب العربي من التدين، وليس موقفهم من الدين، والفارق كبير بين الدين والتدين. ولا ينبغي أن يغيب هذا الفارق عن ذهن خبراء المؤسسة الإعلامية العريقة، وعن صُنّاع عناوينها!

الدين تشريعات إلهية والتدين استجابة بشرية لتلك التشريعات وفهمٌ لدلالات أوامرها ونواهيها. ومن زاوية أخرى، فإن الدين انتماء والتدين ممارسة قد تتنوع وتتفاوت من شخص لآخر ومن زمن لآخر.

لطالما أدى الخلط بين الدين والتدين إلى إفراز ظواهر انحرافية في الموقف من الدين، إما إفراطا وتشددا وتشويها له أو تفريطا وتفلّتا وانسلاخا من الدين. وقد أفرد عدد من المتخصصين في سوسيولوجيا الأديان كتبا أو فصولا أو مقالات للحديث عن ثنائية الدين والتدين، وما ينتج عن خطيئة افتراض التطابق بينهما، وليس فقط التقاطع بينهما مع استحضار الفاصل بين الإلهي والبشري.

منصة البي بي سي ليست وحدها التي وقعت في هذا الخلط بين الدين والتدين، بوعي أو دون وعي، بل إن كثيرا من أطياف المجتمع الإسلامي نفسه تقع في هذا المزلق. وسأسوق هنا مثالا واحدا للاستدلال على ذلك، في الموقف الملتبس من ظاهرة (الصحوة) الإسلامية.

يمكن ببساطة تعريف الصحوة بأنها: ظاهرة اجتماعية نمت وتمددت في زمن ما وشعارها هو الحث على المزيد من التدين، بطرق وأساليب بشرية معرّضة للصواب والخطأ.

الذي حدث لاحقا أن بعض المنخرطين في التيار الصحوي تداخلت عليهم الحدود بين الدين والتدين، إذ أصبحوا يرون أيَّ نقد للصحوة الإسلامية هو نقدٌ للإسلام نفسه، وأي حرب على الصحوة هي حرب على الدين! وفي هذا الفهم الملتبس تضييقٌ لواسع، فالإسلام الذي هو شرع الله سبحانه وهدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أكبر بكثير من أن يتم حجره على مفاهيم الصحوة الإسلامية. وكأننا بهذا الفهم نختزن شعورا، وإن لم يكن معلنا، بتحجير الرضا الرباني والنجاة على كوادر الصحوة فقط دون غيرهم من سائر المسلمين.

لم أغفل عن أن أفرادا قلائل من الذين انتهزوا فتح ملف الصحوة وشاركوا فيه هم من أولئك الذين لديهم موقف جذري من الدين وليس من التدين فقط، لكنّ اندساس هؤلاء في حديث المراجعات لا يجب أن يكون ذريعة لإغلاق باب النقاش حول آليات التدين الاجتماعية، أو للتحسس من نقد الصحوة بما يشبه التحسس من نقد الدين نفسه. كما أن حديثي هنا عن قبول نقد الصحوة لا يعني اتفاقي مع كل ما يساق عنها الآن من تهم، ولكنه قبولٌ بمبدأ النقد الموضوعي لها ونزع القداسة الخفيّة عنها.

نعم، الشباب العربي يُجري الآن مراجعات عريضة وجريئة لأنماط التدين التي سادت خلال العقود القليلة الماضية. لكنّ حرصه هذا على مراجعات أنماط التدين يؤكد ارتباطه الوثيق بالدين وليس إدارة ظهره له!

عن صحيفة الحياة اللندنية

1
التعليقات (1)
ابو العبد الحلبي
الأربعاء، 17-07-2019 07:48 م
يقول الله تعالى(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) . تأمل قوله (مصلحون) و لم يقل (صالحون) ، فالمصلح شيء والصالح شيء آخر . ما وقعت فيه ما تسمى "الصحوة" من خلال خطباءها و دعاتها هو الطلب من الناس الالتزام الشخصي الفردي و الأسري بالطاعات و العبادات ، بل و هنالك من أقصى طموحه هو أن يمتلئ المسجد بالمصلين في سائر الصلوات خارج صلاة الجمعة و خارج شهر رمضان . نتيجة هذا زيادة عدد "الصالحين" في هذه الجزئية فقط لا غير علماً بأن كثيراً من المصلين "لا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء و المنكر و تراهم سيئي المعاملة للآخرين مع أن الدين المعاملة". لا توجد ضمانات من الله بتأمين الصالحين من الهلاك ففي الحديث الذي روته أم المؤمنين زينب في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه و سلم سألته " يا رسولَ اللهِ، أفنَهلِك وفينا الصالحونَ؟" قال" نعمْ، إذا كثُر الخبَثُ ".. الإصلاح يكون عبر الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ، و هذا يعني التدخل باليد أو باللسان لتغيير وضع فيه فساد أو ظلم و لهذا التدخل تداعيات و نتائج في عصرنا هذا المليء بالقمع لكن الأجر على قدر المشقة و الجزاء الجزيل مع البلاء الوبيل . لذلك كان "سيد الشهداء حمزة و رجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله ". لا يمكن لأمتنا أن تتقدم و هي منزوية في بيوت الله تصلي و تصوم تاركة الشأن العام لأهل الباطل يصولون فيه و يجولون . قد يقول قائل "هل أنت التزمت بذلك ؟" الجواب : كانت حياتي مليئة بالمشقات و لا تزال بسبب ذلك في أي بلد تواجدت فيه و في أي مكان عملت فيه ، و قد ينطبق على وضعي ما قاله حبيبي رسول الله صلى الله عليه و سلم " و يحاطون بالظالمين من كل جانب" . المعذرة فأنا لا أريد مدح نفسي و لا أطمع من هذه الدنيا بأي مال أو جاه أو منصب ، و ما أريده فقط هو أن يرضى الله عني .