مقالات مختارة

الأمين العام للأمم المتحدة والانصياع للضغوط الدولية

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

عندما هددت المملكة العربية السعودية الأمين العام السابق بان كي مون بوقف جميع المساعدات الإنسانية لوكالات وبرامج الأمم المتحدة، إذا لم يتم سحب اسم المملكة من قائمة العار الملحقة بتقرير الأطفال والصراعات المسلحة لعام 2015، اضطر كي مون لأن يرضخ حرصا على وصول المساعدات للمحــــتاجين في اليمــــن والصومال وفلسطين وغيرها. لكنه امتلك الشجاعة أن يقف أمام الصحافة ووجه ممتقع يوم 10 يونيو 2016 ويعترف بأن رفع اسم «التحالف» بقيادة السعودية من القائمة حصل بسبب ضغوط وتهديدات سعودية، بوقف التمويل لعدد كبير من برامج الأمم المتحدة.

في التقرير الذي صدر يوم الثلاثاء الماضي عن انتهاكات الأطفال خلال عام 2018 حذف الأمين العام الحالي أنطونيو غوتيريش، إسرائيل من القائمة، وأدرج اسم التحالــــف ضم القائمة الإيجابية التي تشير إلى تقدم في حماية الأطفال. وأنكرت ممثلته الخاصة لموضوع الأطفال في الصراعات المسلحة، فرجينيا غامبا، أي ضغوط سياسية مورست لإبعاد إسرائيل عن القائمة.

الفرق بين بان كي مون وأنطونيو غوتيريش أن الثاني «لقطها على الطاير» فحذف الأسماء التي قد تسبب له وجع رأس من القائمة، كي يتجنب الضغوطات، فمنذ دخل الطابق الثامن والثلاثين في الأول من يناير 2017 وهو يعمل لإرضاء الرئيس الجديد الذي دخل البيت الأبيض بعده بعشرين يوما، وأرسل سفيرة إلى الأمم المتحدة تحمل عصا غليظة لتأديب المشاغبين المصوتين ضد السياسة الأمريكية، وتلبس كعبا عاليا لتركل منتقدي إسرائيل، وأول من استوعب الرسالة أنطونيو غوتيريش.

لقد أطلقنا على البرتغالي، أنطونيو غوتيريش، عندما انتخبه مجلس الأمن الدولي في أكتوبر 2016، مرشح الإجماع الدولي، حيث بزّ أكثر من عشرة مرشحين آخرين نصفهم من النساء، وحصل على إجماع أعضاء المجلس. لقد ظننا أن غوتيريش قد جمع المجد من أطرافه، وأنه سيدخل المبنى الزجاجي وخلفه رزمة من الإنجازات والنجومية، ما يؤهله أن يكون متحررا من أي ضغط، وقادرا على قول الحقيقة حتى لو تعارضت مع مصالح الدول الكبرى، أو أزعجت الدول الآثمة. فقد تقلد العديد من المواقع الوظيفية الرفيعة منذ بداية حياته السياسية. فكان أمينا عاما للحزب الاشتراكي في بلده لمدة عشر سنوات، ثم رئيسا للاشتراكية الدولية لست سنوات، ورئيس وزراء بلده لسبع سنوات، ثم مفوضا ساميا لشؤون اللاجئين لعشر سنوات. فما بقي أمامه إلا منصب الأمين العام ليختتم به حياته، وعلى صدره كل هذه الأوسمة الرفيعة؟ إذن فلا بد أن يكون محصنا من كل ضغط، شجاعا لا يخشى في الحق أحدا، ولا يتردد في الانتصار للمغلوبين على أمورهم والمقهورين، لكننا اكتشفنا مبكرا أننا كنا خاطئين.

حصل قبل أيام نشر تقرير عن الأطفال في مناطق النزاعات المسلحة، الذي يغطي عام 2018 بكامله. وعادة تلحق في نهاية التقرير قائمة تدعى «القائمة السوداء» أو «قائمة العار»، تضم أكثر الدول والكيانات والجماعات خارج إطار الدولة التي ترتكب انتهاكات ضد الأطفال في مناطق النزاع. وفوجئ الجميع هنا في مقر الأمم المتحدة أن اسم إسرائيل غير موجود في القائمة علما أنها، ربما تكون الدولة الوحيدة في العالم، التي يقوم جيشها بإطلاق النار متعمدا على الجزء العلوي من الجسم، ويردي ثلاثين طفلا بما يشبه القتل مع سبق الإصرار، إضافة إلى مقتل 26 طفلا فلسطينيا آخرين بطرق مختلفة، بينما قتل مستوطن طفلا آخر. ومن بين القتلى طفل لا يتجاوز عمره 18 شهرا. أما عدد الجرحى من الأطفال فقد وصل إلى 2756. ويذكر التقرير أن 114 طفلا فلسطينيا معتقلون لدى السلطات الإسرائيلية، وأن 87 يقضون أحكاما في السجن صدرت ضدهم.

كل هذه المعلومات المتوفرة حول انتهاكات حقوق الأطفال، ولم يدرج غوتيريش اسم إسرائيل في القائمة. والأدهى من ذلك أنه أصدر تعليماته لممثلته الشخصية غامبا أن تقوم بزيارة لإسرائيل ودولة فلسطين للتحقق من جديد حول هذه الأرقام، أي أن هناك مجالا لإعادة النظر في القائمة، ولكي يخفف من وقع الأرقام فصل الجرحى عن القتلى، كي يكون الرقم متواضعا وهو ما لم يفعله في حالة أفغانستان، حيث وضعها على رأس قائمة الدول المنتهكة، لأن عدد القتلى والجرحى 3062.

كما أن التقرير يصنف في كافة تفاصيله عدد القتلى والمصابين بعاهات دائمة، بدل الجرحى إلا في حالة إسرائيل وفلسطين. وطبعا لا بد أن نتساءل لماذا؟ وليس لدينا جواب إلا لأنه يريد أن يدخل ستة أطفال إسرائيليين أصيبوا لكن الإصابات (مع أنها غير مصنفة) لا ترقى إلى مستوى مصطلح «أصيب بعاهة». وعندما ضغط الصحافيون على فرجينا غامبا يطلبون تفسيرا لعدم إدراج إسرائيل ضمن القائمة السوداء، اضطرت لأن تقول إن التصنيف يأتي من مكتب الأمين العام، وليس من مكتبها. وهو ما يفسر أيضا إخراج دول التحالف من القائمة، وإدراجها في القائمة الثانية التي تضم الدول التي تعمل مجهودات، ووضعت آليات لحماية الأطفال، علما أن عام 2018 شهد مقتل 567 طفلا في اليمن وتشويه 1113 طفلا، يتحمل التحالف مسؤولية مقتل وإعاقة 685 عن طريق الغارات الجوية. ويقول التقرير إن التحالف يتحمل مسؤولية 43? من الضحايا. ومع هذا يخرج الأمين العام دول التحالف من القائمة السلبية ويضعها في القائمة الإيجابية.

هدم بيوت صور باهر- أين الأمين العام؟

حكاية أخرى ومترابطة مع الأولى موضوع هدم إسرائيل لأكثر من 100 شقة سكنية موزعة على عدة بنايات في بلدة صور باهر يوم الاثنين 21 يوليو الماضي، ما أدى إلى تشريد أكثر من 500 فلسطيني جلهم من الأطفال والكهول. لم يصدر عن الأمين العام أي كلمة أو شجب أو إدانة أو عتاب أو قلق. وعندما سألنا المتحدث باسمه عن موقفه قال، إنه يقف خلف البيانات التي صدرت عن منسق الشؤون الإنسانية وممثله في الأرض الفلسطينية المحتلة، نيكولاي ملادينوف. ولكن هؤلاء لم يدينوا الهدم، فقط عبروا عن أسفهم وحزنهم. «ألا تستحق حادثة بهذا الحجم تشمل هدم البيوت وتشريد السكان بيانا من الأمين العام؟». تتكرر الإجابة المعلبة.

ردود الفعل الباردة للأمين العام تذكرنا بأن الأمين العام السابق بان كي مون، على الأقل كان يعبر عن القلق.. عشر سنوات وهو يعبر عن القلق عندما يتعلق الأمر بمجازر إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، وقتل أطفالهم ومصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم، وتهويد قدسهم وأسر خيرة شبابهم وعزل قطاع غزة عن العالم، وتطويق ما تبقى من أرض في الضفة الغربية داخل جدار الفصل العنصري، أما غوتيريش فبدأ منذ زمن يختبئ وراء بيانات أو تغريدات بعض الموظفين الدوليين. فممثله في فلسطين، ملادينوف، لم يعد يصدر بيانا إلا إذا تعلق الأمر بممارسات فلسطينية، وإلا فيكتفي بتغريدة. وتغريدته هذه المرة تعبر عن الأسى فقط.

لقد خذلنا هذا الأمين العام منذ بداية ولايته عندما رشح رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض لمنصب الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، فاتصل نتنياهو بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أعطى تعليمات لسفيرته نيكي هيلي لتعطيل التعيين. وقد تفاخرت بهذا الإلغاء رغم أن الأمين العام ادعى أنه سحب الترشيح عندما أحس بأن الإجماع حول تعيينه غير متوفر، وليس بناء على تعليمات من أحد. علما أن الأمين العام في غالب الأحيان يعين من يريد في منصب «ممثل خاص» ويحيط المجلس علما بهذا التعيين فقط.

ومرة أخرى قامت ريما خلف، المديرة التنفيذية للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا المعروفة بـ(الإسكوا) بنشر تقرير بعنوان: «ممارسات إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الفصل العنصري» الذي يصف إسرائيل بأنها دولة الأبارتهايد، ونقد التقرير فكرة الدولة اليهودية، والحديث عن الظلم الواقع على الفلسطينيين منذ نكبة عام 1948 لا من عام 1967 فحسب. وتحدث التقرير عن التمييز الذي يلحق بالفلسطينيين داخل إسرائيل والقوانين العنصرية التي تصل إلى 40 قانونا يستهدفهم، كونهم ليسوا يهودا كما يصف التقرير ما حدث في فلسطين بالتطهير العرقي. وقد أمر الأمين العام غوتيريش سحب التقرير فورا من موقع الأمم المتحدة فرفضت ريما خلف بسبب قناعتها بصدق ما جاء في التقرير، ثم استقالت يوم 17 مارس 2017 بسبب هذا التصرف من الأمين العام قائلة في رسالة الاستقالة: «أجد نفسي غير قابلة للخضوع إلى هذه الضغوط». وقد تباهت نيكي هيلي في مؤتمر الأيباك بأنها أمرت الأمين العام بسحب التقرير فسحبه.

وأود في الختام أن أقرع الجرس لأنبه بأن هناك تحولا خطيرا في مواقف العديد من الدول داخل المنظمة الدولية. ولا غرابة في ذلك في ظل الضعف العربي والوضع الفلسطيني المهلهل. لقد بدأ العديد من الدول يغيرون مواقفهم ويقتربون من الآخر طمعا في مكافأة أو حفظا لمصلحة أو استخفافا بالطرف الآخر، فهل نعمل شيئا قبل فوات الأوان؟

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

2
التعليقات (2)
علي الحيفاوي
الجمعة، 02-08-2019 11:21 ص
كنا نعتقد أن أنطونيو غوتيريش وكما جرى تسويقه أنه إنسان تقدمي إشتراكي معتدل، ولكنه كشف عن وجهه القبيح بانه ليس سوى شخص منافق بدون أي مبدئ.
على الله انعود
الجمعة، 02-08-2019 09:51 ص
مشكور د.صيام ، لو وجدت دول عربيه ذات قيمه لانسحبت من هذه ألمنظمه العفننه المملوكة للدول الكبرى فهي لا فرق عن الجامعه العبريه التي توجد في كوكب عطارد ولا تمت للعرب قيد انمله برئيسها المعرف بتواطأه ابو الغيث

خبر عاجل