اقتصاد عربي

أسباب تضاؤل النمو الاقتصادي بالمغرب

علم  المغرب- جيتي
علم المغرب- جيتي

كشف التقرير السنوي للبنك المركزي المغربي عن تضاؤل نسبة النمو بعام 2018، حيث واصل الاقتصاد الوطني نموه بوتيرة ضعيفة، مسجلا نسبة 0,3 بالمئة.

وسجل التقرير أنه من حيث الطلب، تراجعت مساهمة الصادرات الصافية في النمو الاقتصادي إلى مستوى سلبي لتبلغ 3,1 نقاط مئوية، بينما ارتفعت مساهمة الطلب الداخلي إلى 3,4 نقاط.

ويشير التقرير إلى تراجع نسبة البطالة لتبلغ 8,9 بالمئة على الصعيد الوطني و2,14 بالمئة في المدن، مع بقائها مرتفعة في صفوف الشباب الحضريين البالغين بين 15 و24 سنة، حيث فاقت نسبة العاطلين بينهم أربعة من عشرة".

وفي تقرير سابق للبنك الدولي حول الوضع الاقتصادي المغربي، اعتبر أن المغرب من بين أكثر الدول التي تعرف ارتفاعا في الاستثمار، لكن عائده يظل مخيبا، فلا نمو اقتصادي يتحقق ولا خلق فرص شغل كافية.

 

اقرأ أيضا: تقرير للبنك الدولي: المغرب.. استثمارات مرتفعة ونتائج مخيبة

وعلى الرغم من أن حجم الصادرات المغربية تحسن بنحو 10 بالمئة إلا أن الواردات ارتفعت بنحو 17 بالمئة بسبب واردات الطاقة مما أدى إلى ارتفاع العجز التجاري إلى 21.3 مليار دولار. 

كما ارتفع حجم الدين العام للمملكة ليصل نحو 93 مليار دولار، حيث بلغ حجم الدين الخارجي بنهاية آذار/ مارس 34.1 مليار دولار، بينما سجل الدين الداخلي للمغرب بنهاية نيسان/ أبريل 558.3 مليار درهم (59 مليار دولار). 


ويرى رشيد أوراز، الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات، في حديثه لـ "عربي21"، أن أرقام وتوقعات البنك المركزي في المغرب أقرب لحقيقة الاقتصاد الوطني، مضيفا بأن النمو الاقتصادي في المغرب خلال هذه السنة تراجع مقارنة بالسنوات الماضية، لأسباب عدة أهمها أن المغرب عرف تباطؤا فيما يخص الإصلاحات المؤسساتية، وفقد بالتالي جاذبيته الاستثمارية، كما أنه لم ينجح في تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد وتقديم الضمانات المؤسساتية للمستثمرين.

وأضاف أوراز، أن ما يجنيه المغرب الآن تحصيل حاصل، وإذا لم يتم تدارك الأمر فسيستمر النمو الاقتصادي في التباطؤ خلال السنوات المقبلة، "وربما لهذا السبب ولأسباب أخرى تحاول الدولة فتح نقاش موسع حول النموذج التنموي الحالي وتريد أن تضع نموذجا جديدا لخلق النمو".

وحول حجم الاستثمار في المغرب وعوائده، يرى أوراز، أن المغرب لم ينجح في هذا الباب، سواء فيما يتعلق بجذب الاستثمارات الخارجية، أو ما يتعلق بتحفيز الرأسمال المحلي على المغاربة والاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة مرتفعة، مؤكدا أن المغرب "رفع من ترتيبه على مستوى مؤشر الأعمال الذي يصدره البنك الدولي، لكن الواقع عنيد ولا يمكن تغييره بنفس السرعة".

وأردف أوراز، أن المغرب غير قادر على أن يسلك نفس المسار الذي سلكته الدول المنبثقة مثل تركيا، وجنوب أفريقيا، والبرازيل، والصين، حيث أنها عجزت فعليا عن القيام بذلك، مضيفا أن هناك مشاكل بنيوية يجب معالجتها قبل التفكير في ذلك، وهي مشاكل مرتبطة بجمود الإدارة، وغياب الحوكمة والشفافية، وتباطؤ الإصلاحات الديمقراطية، وهي قضايا معقدة جدا في محيط شمال أفريقي-شرق أوسطي متعطش للإصلاح لكن يواجه نخبة معادية له.

وأكد أوراز، أن المغرب عجز عن الانخراط في موجة التصنيع، "حيث أن في هذا العصر إذا لم تكن اقتصادا مصنعا فأنت بالضرورة ستكون اقتصادا مستوردا"، مضيفا أنه "كانت هناك محاولات لتحقيق بعض المنجزات فيما يخص قطاعات معينة مثل تركيب السيارات مثلا لكن المغرب بلد مستورد، كما أن نمو الطلب الداخلي لم تتم تلبيته بعرض داخلي محلي وبالتالي الحل سيكون في الاستجابة لذلك الطلب من خلال الاستيراد".

وأوضح أوراز، أن تعويم العملة الوطنية سياسة يجب أن تتم، لكن الشروط المناسبة لذلك انتفت الآن، "فالاستقرار الذي نلاحظه استقرار هش ولهذا تعثرت هذه السياسة النقدية الجديدة".

وأشار إلى أنه إذا تم التعويم التام الآن فذلك سيؤدي لانهيار قيمة الدرهم ومن ثم ارتفاع مستويات التضخم، متوقعا بأن الدولة لن تغامر بإعادة إنتاج السيناريو المصري وستلتزم الحذر حتى تتبين معالم المستقبل القريب، "وفي كل الأحوال إذا لم ينجح المغرب في القيام بذلك في ظل ظروف مريحة فسيضطر للقيام به يوما ما مرغما"، وفق قوله.

وحول زيادة نسبة الضرائب 2.4 بالمئة بموازنة 2019، يرى أوراز، أن الضرائب معادية للنمو والازدهار الاقتصادي، لكن الدولة المتضخمة في المغرب في حاجة لموارد وبالتالي فهي تقليديا تلجأ للبحث عن موارد من خلال فرض ضرائب على الأنشطة الاقتصادية (الأرباح والاستهلاك والعمل) مما يؤدي إلى قتل محفزات النشاط الاقتصادي، مؤكدا أن المغرب يجب أن تصلح بيروقراطيتها، وتخفض المصروفات والضرائب لتحفيز الاستثمار والاستهلاك والعمل.

 

اقرأ أيضا: تقرير قاتم للبنك المركزي المغربي عن اقتصاد البلاد

 

من جانبه، قال عبد الخالق التهامي، أستاذ بالمعهد الوطني للإحصاء والاقتصاد التطبيقي بالرباط، في حديثه لـ"عربي21"، إن نسبة النمو بالمغرب مرتبطة كثيرا بنسب نمو القطاع الزراعي، بمعنى أنه في السنة الزراعية كلما كانت سنة زراعية مضطربة والأمطار قليلة كلما تأثر القطاع الزراعي ومنه يتأثر الاقتصاد ككل.

وأضاف التهامي، أنه بالرغم أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي الزراعي بالنسبة للناتج الإجمالي الكلي تتراوح بين 15 بالمئة أو 16 بالمئة، وبالرغم من ذلك كلما تأثر القطاع الزراعي كانت سنة غير مطيره، كما هو الوضع الحالي، تكون نسبة النمو في السنة ضعيفة، وهذا يذهب عكس ما توقعته الحكومة.

ويرى التهامي، أن الموازنة العامة تتوقع نمو بنسبة 3.2 بالمئة مرتكزة على فرضية هطول الأمطار هذا العام مما يعمل على زيادة الإنتاج الزراعي، "وبالتالي إذا لم يحدث ذلك، أي إذا كانت سنة جفاف، فبالتالي سيكون عمليا نسبة النمو أقل بكثير من النسبة التي افترضتها الحكومة. إذا الفرق بين توقع الحكومة وما ستشهده ناتج بالخطأ في توقع السنة الزراعية، كما أنه ناتج أيضا عن أشياء أخرى مثل ارتفاع أسعار البترول وتأثيرها على الاقتصاد المغربي، وتحويلات العاملين المغاربة بالخارج، ولكن المحدد بالأساس لنسبة النمو بالمغرب هي الأمطار"، وفق تعبيره. 

وأوضح التهامي أن الاقتصاد المغربي يعاني من خلل بنيوي، حيث أن نسبة الاستثمار للناتج المحلي الإجمالي يمثل 32% بينما نسبة النمو لا تتجاوز 3.2%، حيث أن معامل(icor) و هو المعدل التزايدي للعلاقة بين رأس المال والناتج مرتفع جدا مقارنة مع دول مثل تركيا أو بلدان متقدمة حيث يصل هذا المعامل بالنسبة لاقتصاد المغرب إلى 7 في حين أن في دول مشابه لاقتصاد المغرب يصل المعامل نحو 4.

وأضاف التهامي، أن الاستثمار عندما ينجز في المغرب يعاني من ضياع وهدر سواء كان حكوميا أو خاصا، "فعلى سبيل المثال عندما تستثمر 100 درهم في الواقع لا يصلك استثمار إلا 70 درهما حيث نتيجة هذا الضياع لما هو منجز في الاستثمار نظرا لعمليات الرشوة وللبيروقراطية ولثقل الوصول للحجم الاستثماري"، مؤكدا أن تلك الممارسات تعود بالسلب على الاستثمار ومن ثم على النمو.

ويرجع التهامي أسباب العجز التجاري، إلى أن المغرب يستورد قيمة نصف ما يصدره، بالإضافة إلى أن المغرب يستورد كل الطاقة التي يستهلكها سواء بترول أو فحم أو غيره، وبالتالي كلما ارتفعت أسعار البترول عالميا ترتفع قيمة الواردات. "كذلك عندما تكون السنة الزراعية ضعيفة نستورد بعض المواد الغذائية كالقمح وغيره وبالتالي ارتفاع فاتورة الواردات".

وأردف التهامي، أنه في المقابل، الصادرات المغربية لم ترتفع إلا في قطاعين بالأساس وهما قطاع السيارات والطائرات والمواد الوسيطة لصناعة الطائرات، "وبالتالي يجب زيادة الانتاج الصناعي والزراعي، كما يجب التعرف على ما هي القطاعات التي يمكن للمغرب أن يرفع بها حجم صادراته، وما هي الأشياء التي يعمل على إيقاف استيرادها إذا استطاع إلى ذلك سبيلا".

وأثنى التهامي على سياسة تعويم الدرهم المتبعة من قبل البنك المركزي، معتبرا أنها سياسة حذرة مرت بسلاسة كبيرة، حيث إن نسبة التضخم في المغرب لم تتجاوز 1.3% و بالتالي لم ينعكس تعويم الدرهم على المغرب بما كان متوقعا بأن يكون هناك تضخم بشكل كبير، مؤكدا أن التعويم لم يصحبه أثر سلبي على الاقتصاد المغربي، وإذا كانت هناك آثار سلبية فلا يمكن أن نربطها بتعويم الدرهم.

وحول خطر الدين العام المغربي، يرى التهامي، أن الدين متغير مخزون أي تراكمي. وارتفع هذا الدين منذ وصول الحكومتين الأخيرتين إلى السلطة، "حيث أن نسبة الدين العام بلغت 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي هناك منحى مقلق لارتفاع الدين بالمغرب، ولكن لم نبلغ بعد الخطوط الحمراء"، مؤكدا أن المغرب ليس ببعيد عن الخطوط الحمراء. 

وأشار التهامي إلى أن معظم الاستدانة تذهب إلى الاستثمار، وهذا مقبول خاصة أن هذا الاستثمار عمل على تخفيض نسبة البطالة، واعتبر أن استدانة الحكومة من الداخل يضر كثيرا بالشركات الداخلية، ويبدو هذا جليا لأن الحكومة في معادلتها حافظت على مستوى استثماري مرتفع يصل إلى 32 بالمئة. 

وتابع التهامي، بأن المغرب يعاني من دين داخلي يمثل ثلثي الدين العام، ودين خارجي بالعملة الصعبة يمثل ثلث الدين العام. مضيفا أنه إذا كانت هناك مجموعة من الاستدانة للقطاع الحكومي والمؤسسات التابعة للحكومة لتمويل مجموعة من الاستثمارات هذا مقبول إلى حد ما، مستدركا: "لكن ما هو غير مقبول هو الاستدانة لتغطية المصاريف الجارية مثل رفع الأجور والمقاصة، وحدث ذلك في المغرب فهناك جزء من الاستدانة يفسر وهو مقبول وهناك جزء آخر غير مقبول".

وأكد أن خدمة الدين ترهق كاهل الحكومات المقبلة، لأنها عليها تأدية هذا الدين وتأدية خدمته في السنوات المقبلة، مما يقلص هامش التحرك في ميزانيات الحكومات المقبلة.

واعتبر التهامي، أن تضاؤل نسبة النمو لها تأثير سلبي على المواطن المغربي لما تحمله من تداعيات اقتصادية من ارتفاع في معدل البطالة، ومستوى الدخل، والفقر، كما أنها تحمل تداعيات اجتماعية من زيادة الهجرة سواء من القرى إلى الحضر أو من المدن إلى خارج البلاد، "حيث أنه بإجراء استطلاعات للشباب بين عمر 15 و40 سنة سنجد أن أكثر من 50 بالمئة مستعدون للهجرة غدا بدون تردد لأن الأفق يضيق أمام الشباب كلما تضاءلت نسب النمو"، وفق قوله.


اقرأ أيضا: تدهور معيشة الأسر المغربية.. وتوقعات متشائمة بارتفاع البطالة


التعليقات (0)