مقالات مختارة

«فيسبوك» بين التنظيمات والتشريعات والرقابة

آدم مينتر
1300x600
1300x600

تدرس حكومات بمختلف أرجاء العالم كيفية كسر قبضة «فيسبوك» على مواطنيها. وفي سبيل ذلك، يصدر البعض تشريعات، ويصدر البعض الآخر تنظيمات، بينما يفرض فريق ثالث الرقابة.


وهناك كذلك نموذج فيتنام التي مولت ودعمت بصورة أخرى ما يزيد على 450 شبكة تواصل اجتماعي محلية خلال السنوات الأخيرة، جميعها تقريبا منيت بالفشل. وكان أحدث هذه الشبكات «لوتس» التي أطلقت هذا الأسبوع بدعم حكومي بلغ 30 مليون دولار، ونظمت الحكومة حملة ترويجية لها.

 

الاحتمال الأكبر أن مارك زوكربيرغ لا يساوره القلق إزاء هذه الشبكة الناشئة، لكن في الواقع ينبغي له الشعور بالقلق، ذلك أنه حتى إذا أخفقت «لوتس» مثل سابقاتها، فإن فيتنام لن تتنازل ببساطة عن هدفها. وإنما، مثلما الحال مع باقي الحكومات الاستبدادية، ستبحث عن أدوات بديلة لتقويض نفوذ «فيسبوك» ـ الأمر الذي يمكن أن يترك يوما ما تداعيات أشد خطورة على «فيسبوك».


جدير بالذكر أن «فيسبوك» يتميز بتأثير قوي داخل الدول النامية بقدر تأثيره في الدول الغنية، وربما أكثر. وتشير الأرقام إلى أن الهند بها أكبر عدد من مستخدمي «فيسبوك»، الأمر الذي يعود الفضل الأكبر منه إلى «واتساب»، بينما تحتل فيتنام الاستبدادية المركز السابع، بإجمالي 64 مليون مستخدم من إجمالي عدد سكان يبلغ 96 مليون نسمة.


بوجه عام، يميل المستخدمون داخل هذه الدول لإظهار قدر أكبر من الحماس والشغف عن نظرائهم بالدول المتقدمة. عام 2017 تفحص 41 في المائة من الفيتناميين حسابات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم للتعرف على الأخبار مرة واحدة على الأقل يوميا، بينما قال 55 في المائة إنهم يفضلون شبكات التواصل الاجتماعي على منصات التجارة الإلكترونية التقليدية لدى خوض تجربة تسوق.


ومع هذا، يحمل هذا الشغف في طياته جوانب سلبية قد تكون شديدة الخطورة، ذلك أنه داخل بعض المناطق النامية يعد «فيسبوك» فعليا بدلا لشبكة الإنترنت، وغالبا ما يشكل المصدر الوحيد للمعلومات، ويمكن للشائعات وخطابات الكراهية المنتشرة خلاله أن تتطور بسرعة وتسفر عن وقوع أعمال عنف، مثلما حدث في السنوات الأخيرة في سريلانكا وميانمار. وداخل الدول الاستبدادية التي تعمد إلى تقييد تدفق المعلومات، يجري النظر إلى «فيسبوك» كمصدر تهديد، وباعتباره بديلا فعليا للخطاب الحكومي.


ومن بين ردود الأفعال التي تشعر بعض هذه الأنظمة بإغراء باللجوء إليها، حجب «فيسبوك» تماما، مع العمل على تنظيم بدائل محلية. وأصبحت الصين رائدة هذا التوجه في يوليو (تموز) 2009. وفي غضون سنوات قلائل تحولت شبكة «وي تشات» إلى عملاق محلي الصنع. وعلى خطى الصين، فرضت فيتنام قيودا ـ وإن كانت أخف وطأة ـ على «فيسبوك» أواخر 2009 بينما شجعت شبكات محلية ناشئة. ومع هذا، لم يسارع مستخدمو شبكات التواصل الاجتماعي المخضرمون في فيتنام إلى التحول لمنصات أقل قدرا، ومصممة بوضوح من أجل نشر دعايات حكومية. وبحلول الوقت الذي أدركت الحكومة هذا الأمر، كان «فيسبوك» قد أصبح على قدر بالغ الأهمية للحياة الاجتماعية والاقتصادية للبلاد بصورة يتعذر معها التخلي عنه.


وعليه، حاولت فيتنام في السنوات الأخيرة اتخاذ مسار جديد وهو تخويف المستخدمين وفرض تكاليف ومخاطر على الشركة ذاتها. ولم تتوان الحكومة عن سجن مستخدمين تحدوا سلطتها، وتسير على خطى الصين وروسيا في نشر جيش من المشرفين للتصدي ولفرض الرقابة على «الآراء الخاطئة». كما مررت تشريعا لفرض المركزية على البيانات وعلى شركات تقنية عملاقة، من خلال تخزين البيانات الشخصية لمستخدمين فيتناميين داخل البلاد، ومن ثم منح المسؤولين وسيلة أخرى للسيطرة على ما يقوله ويفعله السكان المحليون عبر الإنترنت.


وتبدو «لوتس»، أحدث شبكات التواصل الاجتماعي المدعومة من الحكومة في فيتنام، بمنزلة عرض جانبي في خضم هذه الحملة الكبيرة. ومع هذا، يشير المسؤولون في تصريحاتهم إلى خلاف ذلك. في يوليو (تموز)، دعا وزير الإعلام لبناء شبكة تواصل اجتماعي جديدة لتحل محل «فيسبوك»، وأعلن أنه يستهدف ما بين 60 في المائة - 70 في المائة من السوق للخدمات المحلية بحلول عام 2022. والملاحظ أن «لوتس» تتسم ببعض السمات المبتكرة ـ مثلا، تستبدل الشبكة الجديدة «علامات الإعجاب» في «فيسبوك» برموز من المحتوى ـ لكن من غير المحتمل أن تفلح هذه السمات في جذب المستخدمين بعيدا عن مجتمعات الأصدقاء والأقارب الموجودة بالفعل على «فيسبوك».


في الواقع، الاحتمال الأكبر أن «لوتس» ستلقى مصير سابقاتها وستشرع الحكومة في البحث من جديد عن سبل أخرى لتقليص نفوذ «فيسبوك».


وبالتأكيد، لن يكون هذا بالأمر الجيد لـ«فيسبوك» أو مستخدميه. ربما لن تقدم فيتنام على رفع دعاوى احتكار ضد «فيسبوك»، مثلما تدرس جهات تنظيمية في أوروبا والولايات المتحدة، بالنظر لكونها اقتصادا ناشئا يسعى لجذب استثمارات. ومع هذا، يبقى بمقدور حكومتها الاستبدادية اللجوء إلى وسائل أخرى للتأثير على «فيسبوك» أقل وضوحا. يذكر أنه في يونيو (حزيران) طلبت الحكومة من شركات سحب إعلاناتها من فيديوهات معروضة عبر موقع «يوتيوب»، يعتقد أنها تحوي «دعايات مناهضة للدولة». وحال توجيه أمر مشابه فيما يخص «فيسبوك»، فإن هذا قد يقلص مستوى جودة الموقع ويضر بسمعته محليا، مع إخلاء الطريق أمام نمط المسافة التي قاتل «فيسبوك» بضراوة على مدار سنوات لمحاربتها.

 

عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية

0
التعليقات (0)