قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: القوة والثورة (5)

هاني الديب
1300x600
1300x600
القوة هي شعار الإسلام، والآيات والأحاديث في هذا الصدد لا تعد ولا تحصى، وهذا ليس موضوع حديثنا. نحن هنا نتحدث عن موقف جماعة من المسلمين في استخدام القوة في عصرنا الحديث، ويسع غيرها أن تتخذ من المواقف ما تراه مناسبا لها.

كان الإمام البنا واضحا في أن القوة هي أحد أعمدة الإخوان (قوة العقيدة وقوة الرابطة وقوة الساعد والسلاح) وحدد مواطن استخدام قوة السلاح في رسالة المؤتمر الخامس حين قال: "هل تكون القوة أول علاج أم أن آخر الدواء الكي؟ وهل من الواجب أن يوازن الإنسان بين نتائج استخدام القوة النافعة ونتائجها الضارة وما يحيط بهذا الاستخدام من ظروف؟ أم إن من واجبه أن يستخدم القوة وليكن بعد ذلك ما يكون؟

هذه نظرات يلقيها الإخوان المسلمون على أسلوب استخدام القوة قبل أن يقدموا عليه، والثورة أعنف مظاهر القوة، فنظر الإخوان المسلمون إليها بشكل أدق وأعمق، وبخاصة في وطن كمصر جرب حظه من الثورات فلم يجن من ورائها إلا ما تعلمون.

وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون في أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك، ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".

ويقول أيضا: "وفي الوقت الذي يكون فيه منكم، معشر الإخوان المسلمين، 300 كتيبة قد جهزت كل منها نفسيا روحيا بالإيمان والعقيدة، وفكريا بالعلم والثقافة، وجسميا بالتدريب والرياضة، في هذا الوقت طالبوني بأن أخوض بكم لحج البحار، وأقتحم بكم عنان السماء، وأغزو بكم كل عنيد جبار، فإني فاعل إن شاء الله، وصدق رسول الله القائل: "ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة". إني أقدر لذلك وقتا ليس طويلا بعد توفيق الله واستمداد معونته وتقديم إذنه ومشيئته، وقد تستطيعون أنتم معشر نواب الإخوان ومندوبهم أن تقصروا هذا الآجل إذا بذلتم همتكم وضاعفتم جهودكم" (انتهى كلام البنا).

إذا، لم يكن استخدام القوة فقط في فكر البنا ضد المستعمر، بل حتى ضد الحكام الظالمين الذين يمنعون تداول السلطة السلمي. كانت هذه رؤية المؤسس في عصره ومصر تحت الإستعمار.

لكن بعد استشهاده ومحن الجماعة المتواليه في عهد عبد الناصر وتولي المستشار الهضيبي منصب المرشد، ورغم السجن والتعذيب، نأت الجماعة عن استعمال القوة وقال الهضيبي رحمه الله مخاطبا أعضاء الجماعة: "إن ظُفر أحدكم أغلى من رقبة عبد الناصر نفسه. حذار أن يعطي أي واحد منكم الفرصة لهؤلاء ليتخذوها فرصة للقضاء على هذه الفئة المؤمنة، اصبروا وصابروا حتى يأتى الله بأمره"..

ثم تولى الأستاذ عمر التلمساني منصب المرشد العام، فقال: "نحن لا ندعو إلى إرهاب ولا عنف، نحن ندعو إلى السلام بطريق السلام".

إذا، اعتمدت الجماعة مبدأ السلمية المطلقة واعتبرت أن استخدام قوة السلاح هو أمر حصري على مواجهة المستعمر، كما في إسرائيل، وخطأت قيادة الجماعة الإخوان السوريين في خروجهم بالقوة في أحداث حماة الشهيرة، ولم نسمع عن أي إعداد عسكري لأي من أبناء الجماعة في مصر على مدار الخمسين سنة الماضية، وعلى هذا النهج بايع من دخل الإخوان وأنا أحدهم.

لم تتخلَ الجماعة عن هذا النهج، وكان المرشد العام الدكتور محمد بديع (فك الله أسره هو وإخوانه) حريصا كل الحرص على التأكيد على هذا المبدأ (كفكر).

الشاهد هنا أن موضوع استخدام القوة عند الجماعة يجب أن يكون واضحا وضوح الشمس، وأنه خيار حركي وليس شرعي، تبنته الجماعة، ومن يريد أن ينتهج غير هذا النهج فكرا أو تطبيقا فعليه أن يغادر الجماعة بالمعروف.

أهمية الأمر أن فيه حياة وموت ودماء، وعلى كل راغب في الانضمام للجماعة أن يعرف جيدا موقع الجماعة في هذا الأمر، وأن تحذف كل أدبيات الجماعة التي لم تعد تتبناها، حتى ولو كان كلام المؤسس نفسه، وأن توضع أدبيات جديدة تناسب واقع الحال.

خلاصة رأيي أنه يجب ألا تتبنى جماعة الإخوان المسلمين العنف كوسيلة للوصول إلى أهدافها، ولا تشكل أي أجنحة عسكرية لها في أي دولة، ولا تحمل السلاح تحت أي ظرف. أما في حال الاحتلال، فهم جزء من الشعب يتعاونون مع غيرهم على طرد هذا المحتل، دون أن يشّكل الإخوان قوة عسكرية خاصة بهم.

أنا كما قلت لا أحلل الوقائع التي حدثت بمصر أو ليبيا أو اليمن أو غيرها.. أنا أتحدث عن أصول في فكر الجماعة يجب أن لا تكون موضع تشويش أو ضبابية أو اجتهادية لأي قيادة.
2
التعليقات (2)
محمد الشرقي
السبت، 12-10-2019 10:04 ص
خيارات الحركة الإسلامية يحكمها قانون الضرورة والاستثناء والممكن ، ولذلك تعاني الحركة بشكل دائم من الضغط والحصار وصعوبة اتخاذ القرار وهى تسعى نحو أهدافها ، بالنسبة لخيار استخدام القوة يمكن القول من حيث المبدأ بعدم وجود مانع شرعي في ذلك من أجل تحقيق أهداف دينية مشروعة ، والأمر برمته خاضع للإجتهاد والنظر من قبل المهتمين ، وقد خاض المسلمون الأوائل مواجهات وصراعات عديدة داخلية وخارجية على مدار التاريخ لنصرة المشروع الإسلامي على جبهات متعددة ، ويمكن القول هنا بكلمة واحدة بأن أستخدام القوة مرهون بتوفر أمرين : مشروعية الفعل ،وتوفر أدوات ووسائل وآليات القوة المنتجة . أرى أن كلام الإمام البنا حول إستخدام القوة من حيث المبدأ متسق مع الرؤية الشرعية الإستراتيجية للجماعة التي تدفع نحو إستخدام القوة لمواجهة كل من يقف أمام المد الإسلامي بكل الأدوات الممكنة إذا ما توفرت الشروط الموضوعية التي تجعل نتيجة ومآل إستخدام القوة في مواجهة العدو في صالح المشروع الإسلامي . والذي يثير دائما الكثير من اللغط حول هذه المسألة هو عدم وجود القدرات التي تمكن الحركة من إستخدام القوة كمدخل للتغيير في ظل الأوضاع السياسية التي تسمح بالكاد أن يتنفس الناس الهواء الملوث . وكأني بالإمام البنا يشير بوضوح فيما طرح حول هذه المسألة المعضلة إلى ضرورة وأهمية إمتلاك القوة المكافئة القادرة على ممارسة الصراع الذي يحقق أهداف العمل الإسلامي شريطة أن تكون إحتمالات النصر في ظل موازين القوة السائدة أكبر من احتمالات الهزيمة بشكل حقيقي قبل الشروع بجدية في هذه المسألة المعقدة ، وأن كانت الجماعة لم تتقيد بذلك كما يجب لا على مستوى التنظير ولا على مستوى العمل الميداني . العمل الإسلامي يعتمد في قيامه وإقدامه و نشاطه وحركته من أجل تحقيق أهدافه على مقومين أساسيين هما : المشروعية والإمكانية ـ المشروعية : وتعني الإحتكام إلى الأساس المرجعي والنص الشرعي الواضح الدلالة الذي يشكل الخلفية التي يستند إليها العمل الإسلامي في ممارسة نشاطه جملة وتفصيلا . ـ الإمكانية : تعني توفر الأدوات والوسائل والآليات التي تمكن القائمون على العمل من القيام بممارسة مشروعهم الدعوي والتغييري في ظل التحديات والصعوبات التي تحيط بهم من كل جوانب . ما يتعرض له العمل الإسلامي من إعتداء وجودي يتمثل في الحصار والمطاردة والفتك في كثير من البلاد الإسلامية يشكل حجة شرعية قوية تعطي الإسلاميين حق إستخدام القوة في الدفاع عن أنفسهم ومشروعهم ، وأنا أعتقد إن لا إشكالية دينية في إستخدام القوة وفق الضوابط الشرعية ، ولكن الإشكالية الحقيقية التي يعاني منها الإسلاميون تتمثل في غياب أو ضعف أو هشاشة الإمكانيات المادية والبشرية المتاحة التي تمكن المشروع الإسلامي من المضي في مواجهة القوى المضادة إلى نهاية الطريق ، فكل أطياف ومدارس العمل الإسلامي ليس أمامهم إلا العمل الدعوي التأسيسي من أجل تكوين القاعدة الصلبة التي تتكون من أفراد وعناصر الأمة ، وكما قال بعض العلماء (نحن في مرحلة الدعوة لامرحلة الدولة) . بمعنى إن الإهتمام بالشأن السياسي بشكل عملي في الواقع الذي نعيشه غير مجدي في هذه المرحلة . ولكن على المستوى الفكري والنظري على علماء الإسلام والمهتمون بالشأن الإسلامي أن يعملوا على طرح وغرس الثقافة الإسلامية بكل مكوناتها فى الوعى المسلم مع التركيز على الشأن العام وذلك بأن يطرحوا المشروع الإسلامي بكل تفاصيله ومكوناته على المستوى الفكري المؤصل من أجل التعريف بالمنظومة الإسلامية الشاملة من حيث أهدافها وأبعادها وامتداداتها ودورها في الواقع . العمل الإسلامي مقيد بحدود لايملك أن يتخطاها في صراعه مع القوى المناوئة وبالتالي فإن القدر الأكبر من أهدافه خارج نطاق الممكن في ظل أنظمة الحكم التي تأمم كل شيء لصالحها ، فالعمل والسعى والتركيز على مسألة تطبيق المنظومة الإسلامية الذي يعكس الشمول ويتمدد في كل الإتجاهات يصعب الوصول إليه ، وتعجز إمكانات أى حركة مهما كانت إن تحقق شيئا في هذا المجال وبالتالي ستكون هناك في ظل تلك الأوضاع مساحات كبيرة من الفراغ على خارطة الأهداف ، وينبغي أن ندرك ونعي بأن الأهداف التي يسعى إليها العمل الإسلامي يحتاج إلى إمكانات وقدرات دولة وليست جماعات أوفصائل مهما كانت قدراتها . بدون شك إن الإمام البنا الذي كان يتمتع بشخصية غيرعادية كان لديه رؤية خاصة نحو التعاطي مع الأمور بشكل مختلف قد يتجاوز أحيانا نطاق الممكن ، هذه الرؤية من جنس تلك النظرة التي يتبناها بها الذين لديهم انتماء إيديولوجي عميق ، فوجود خلفية إيديولوجية صلبة كثيرا ما تقلل إلى حد ما الإعتماد على الحسابات والتقديرات البشرية ومن ثم لا يتم التدقيق في الأسباب والسنن التي تعمل في الواقع والتي هي جزء من خطة ومنظومة العمل ، ولذلك فإن الذي يدقق في كلمات الأستاذ سوف يجد حالة غير طبيعية من التفاؤل الغير حذر الذي لا يغذيه أسباب حقيقية يمكن الاعتماد عليها في ميدان العمل . تأمل معي تلك العبارات المقتطعة من رسالة المؤتمر الخامس : ـ إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها . ـ فإن قعود المصلحين الإسلاميين عن المطالبة بالحكم جريمة إسلامية لا يكفرها إلا النهوض واستخلاص قوة التنفيذ من أيدي الذين لا يدينون بأحكام الإسلام الحنيف ـ هذا فالإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون استخلاصه من أيدي كل حكومة لا تنفذ أوامر الله . قد يقبل أن يتم طرح مثل هذا الكلام عندما يتم ممارسة العمل في فراغ أو في فضاء مفتوح لا يزاحمك فيه أحد ، وبالتالي يمكنك قول كل شيء ، وإخاذ أي موقف ، وفعل أي أمر بدون وجود أى رد فعل معادي من الطرف الآخر المتحكم في كل شيء ، ولكن في مجتمع يعلوه نظام حكم استبدادي أى كان نوعه وقدره وقوته ، نظام حكم لديه الإستعداد والقدرة أن يحرق البلاد لكي يبقى وأعوانه ، هل يمكن أن يقبل مثل هذا الكلام ويمرره . مثل هذا الكلام دعوة مفتوحة للصدام مع النظام القائم في الوقت الذي لايملك أحد تكاليف مثل هذا الصدام ، وبالطبع لن يمر مثل هذا الكلام مرور الكرام . وتبقى الحركة تراهن رهانات خاسرة برصيدها الإستراتيجى من القوة البشرية والمادية التي تستنفد هنا وهناك بلا مقابل .
مصري جدا
الإثنين، 07-10-2019 11:08 ص
مراجعة فكر الاخوان وتجديده أمر حتمي لنجاح الجماعة في صراع الوجود والحدود معا ،،وقد فعلته الجماعة في بلدان عدة ،، في تونس وفلسطين والمغرب كمثال ،، وما يعد له في مصر ربما طبيعة بقايا القيادات ونمط التربية السائد بل قد يكون أن الجماعة جزء من شعب وتاريخ وجغرافيا التجديد فيها يشبه الولادة القيصرية الخطرة التي حتما ينتج عنها ضحايا ،،، وغالبا يكون الجنين هو الضحية ،،، شكرا لكم دكتور هاني الديب