صحافة دولية

FP: ماذا تجني الصين من سعي الرياض لتصبح مركزا للتكنولوجيا؟

فورين بوليسي: يمكن أن تكون الصين الرابح الأكبر في سباق السعودية لتصبح مركزا للتكنولوجيا- جيتي
فورين بوليسي: يمكن أن تكون الصين الرابح الأكبر في سباق السعودية لتصبح مركزا للتكنولوجيا- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للخبير في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، روبرت موغيلنيكي، يقول فيه إن السعودية أصدرت، خلال الصيف، ودون إشعار، مرسوما ملكيا، يكلف بإنشاء سلطة للبيانات والذكاء الصناعي. 

 

ويشير موغيلنيكي في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن المرسوم أمر أيضا بإنشاء المركز الوطني للذكاء الصناعي، ومكتب إدارة البيانات الوطنية، ومنح المسؤولون السعوديون مجرد 90 يوما (حتى نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر) للقيام بالإعدادات اللازمة، ويتوقع أن تفيد المبادرات التكنولوجية الطموحة للسعودية الصين، التي منحت فرصة لمد نفوذها عبر المنطقة". 

 

ويلفت الباحث إلى أنه "على خلاف الحال في جاراتها العربية في الخليج، مثل الإمارات والبحرين، اللتين أنفقتا أموالا طائلة في الذكاء الصناعي المحلي وصناعات التكنولوجيا المالية، فإن التحول الرقمي في السعودية تأخر؛ وذلك جزئيا بسبب أن العمل في السعودية أكثر تحديا؛ لأن عدد سكانها أكثر من عدد سكان دول الخليج الأخرى مجتمعة، وهي أكبر بلد من حيث المساحة في الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى ذلك فإن التحرك قد يكون بطيئا لأنه يمكن للتحول الرقمي أن يعيق مؤسسات قديمة ومعايير ارتبطت بتوفر البيانات والوصول إليها، وسيادة البياناتdata sovereignty وسوق العمالة".

 

ويستدرك موغيلنيكي بأن "وتيرة السعودية الحذرة تتعارض مع خطط التنويع الاقتصادي المستقبلي للرياض، فمثلا في مدينة (نيوم) المخطط لها، التي ستكلف 500 مليار دولار، مثلا، (كل شيء سيكون متصلا بالذكاء الصناعي، مع إنترنت الأشياء، كل شيء)، بحسب ما قال ولي العهد، محمد بن سلمان، لـ(بلومبيرغ) في 2017، وتلك مهمة مستحيلة ما دامت مصادر التمويل والحاجة الدولية لمثل هذه المبادرات التطويرية لا تزال غير واضحة".

 

ويبين الكاتب أنه "لذلك، فإن السعودية بدأت في تسريع أجندتها الرقمية لتختبر السوق، وقامت شركة (زين) للاتصالات بنشر تكنولوجيا الجيل الخامس 5G التجارية عبر 20 مدينة سعودية، في أوائل شهر تشرين الأول/ أكتوبر، بعد نشر خدمات مشابهة في الكويت، واستمرار تطوير الاقتصاد الرقمي للسعودية هو جزء من برنامج التحول الوطني لتمكين القطاع الخاص من النمو، لكن البرنامج يضع هدفا متدنيا: فنصيب الاقتصاد الرقمي من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي يتوقع أن يزيد من 2% في 2016 إلى 3% في 2020".

 

ويجد موغيلنيكي أن "ما يزيد من تعقيد الأمور للحكومة السعودية هو أن العديد من الشركات التكنولوجية الناشئة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استهدفت السوق السعودية الكبيرة مع رفضها أن يكون مقرها هناك، مختارة إحدى دول الخليج المجاورة بدلا من ذلك، وهذا يجعل من الأصعب للسعودية أن تبني مركزا تكنولوجيا محليا، وتنافس في النفقات الإقليمية على التكنولوجيا، ويقدر بأن الإنفاق على الذكاء الصناعي وحده في الشرق الأوسط وأفريقيا سيزيد بنسبة 42.5% عام 2019، بحسب شركة (International Data Corporation)".

 

وينوه الباحث إلى أن "الإمارات، وبالذات إمارة دبي، حددت الذكاء الصناعي عنصرا مركزيا في استراتيجيتها الاقتصادية، التي تحركها التكنولوجيا منذ عام 2017، عندما أطلقت الحكومة استراتيجية للذكاء الصناعي، وعينت وزيرا متخصصا في الذكاء الصناعي، وتريد الحكومة الإماراتية أن تجعل البلد حاضنة للمشاريع التجارية التي تتبنى خدمات وتطبيقات تقوم على الذكاء الصناعي".

 

ويفيد موغيلنيكي بأن "قطاعات متسارعة التطور في التكنولوجيا المالية، مثل العملات الرقمية، هي مجال آخر للتنافس بين السعودية وجاراتها الخليجية، ويشرف سوق أبو ظبي العالمي، الذي يدار من سلطات مستقلة، والبنك المركزي للبحرين، على عدد من شركات التصريف والسمسرة والشركات الناشئة المتعلقة بالعملات الرقمية، وفي الواقع فإن الإمارات والبحرين تملكان أكثر الأطر التنظيمية تقدما للعملات الرقمية وغيرها من مجموعات التشفير الإلكترونية". 

 

ويشير الكاتب إلى أنه "في بدايات 2019 أطلقت السلطة المالية السعودية والبنك المركزي للإمارات مشروع (عابر) الرقمي، وهو مشروع عملة رقمية يوفر طريقة للتعامل المالي بين البلدين، لكن لم يكن هناك تقدم كبير في هذا المجال، فلا تزال وزارة المالية السعودية قلقة من العملات الرقمية، وأصدرت تحذيرات من الحملات المزيفة بخصوص العملات الرقمية المرتبطة بالمشاريع التطويرية الوطنية، مثل (نيوم)".

 

ويقول موغيلنيكي إنه في الوقت الذي تتسارع فيه الجهود السعودية، فإنه لا بد أن الصين ترغب في التصرف بصفتها شريكا، ويعد المسؤولون ورجال الاعمال الصينيون الشرق الأوسط رابطا تجاريا للأسواق الأوروبية والافريقية، وطريق الحرير الرقمي الصيني، الذي هو جزء من مبادرة الحزام والطريق الصينية، تخدم لتطوير البنية الرقمية التحتية على المستوى الدولي، وتجعل الصين قوة تكنولوجية عظمى على مستوى العالم، وقد وافقت السعودية -وست دول أخرى- على مبادرة التعاون الاقتصادي الرقمي الدولي الذي تقوده الصين في أواخر عام 2017، ويستمر المسؤولون الحكوميون الصينيون في الدعوة للتعاون في مجال التكنولوجيا المتقدمة بين البلدين، لكن إدارة تدخل صيني أكبر في المجال التكنولوجي تتطلب توازنا دقيقا".

 

ويلفت الخبير إلى أن "الشركات الصينية تستطيع من ناحية تنفيذ مشاريع بينية تحتية رقمية وتطبيقات ذكاء صناعي بتكلفة متدنية، وفي وقت قصير، وهو ما سيساعد السعودية على الالتزام بالميزانيات، في وقت تعاني فيه أسعار النفط من التدني والتقلب، وفي الوقت ذاته فإن المؤسسات الأكاديمية الصينية والشركات الخاصة والهيئات الحكومية في وضع جيد لدعم قطاع التكنولوجيا الناشئ في السعودية، وتؤدي الجامعات ومنظمات البحث في الصين دورا رئيسيا في إنتاج الاختراعات وبراءات الاختراع للذكاء الصناعي الموزع، والتعلم العميق، والروبوتات العصبية (التي تقلد النظام العصبي في الإنسان أو يمكن أن يتم ضبطها عن طريق إشارات عصبية بشرية)، وشركة (هواوي) الصينية لا تملك استراتيجية ذكاء صناعي واضحة فقط، لكنها أيضا تدير شبكات الجيل الخامس في دول الخليج، بالإضافة إلى أن بنك الصين المركزي سيطلق عملة رقمية يخطط لتوزيعها على أكبر البنوك الصينية وشركات التكنولوجيا المالية".

 

وينوه موغيلنيكي إلى أنه "من ناحية أخرى، فإن دخول الصين إلى مجال البيانات والتكنولوجيا في السعودية أمر سيقلق الحكومة الأمريكية وغيرها من الحلفاء؛ بسبب العلاقة القوية بين البيانات والذكاء الصناعي والمصالح الأمنية".

 

ويقول الكاتب: "يبدو أن الأمن هو القوة المحركة للكيانات التكنولوجية الجديدة، وسيقوم المركز القومي السعودي للمعلومات، الذي هو جزء من وزارة الداخلية، بتنسيق إنشاء مؤسسات تكنولوجية جديدة على مدى الأسابيع القادمة، ومدير المركز الجديد، عبد الله بن شرف الغامدي، كان سابقا نائب مدير الاتحاد السعودي للأمن الإلكتروني والبرمجة، وأعضاء إدارة سلطة الذكاء الصناعي السعودية بينهم عدد من المسؤولين الأمنيين والمخابرات: وزير الداخلية ومستشار الأمن القومي ورئيس المخابرات العامة ورئيس أمن الدولة".

 

ويفيد موغيلنيكي بأن "المسؤولين الصينيين ينظرون إلى تكنولوجيا الذكاء الصناعي وشبكات الاتصال العالمية على أنها مركزية للقوة الاقتصادية والعسكرية، وسيصبح الخط الفاصل بين التعاون الاقتصادي والمصالح الأمنية أقل وضوحا في المستقبل". 

 

ويؤكد الخبير أنه "إذا قررت السعودية بأن مخاطر العمل مع الصين لا تستحق المغامرة فإن هناك شركاء محتملين آخرين، مثل صندوق الاستمثار المباشر الروسي، الذي أعرب عن رغبته في العمل عن كثب مع مركز الذكاء الصناعي السعودي، وقد التقى وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، عبدالله السواحة مع رئيس لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية في 5 أيلول/ سبتمبر، وشجع شركات التكنولوجيا الأمريكية على زيادة حضورها في السعودية، وتمضي (غوغل) قدما في إنشاء مركز بيانات في السعودية، بالإضافة إلى أن شركة SAP الألمانية أطلقت خدمة بيانات سحابية في أيار/ مايو 2018، ووقعت كل من شركات (أريكسون) و(KPMG) و(جنرال إليكتريك) مذكرات تفاهم مع الشركات الحكومية والوزراء لدعم التحول الرقمي وتطوير الذكاء الصناعي، لكن الكثير في مجتمع التكنولوجيا في أمريكا وأوروبا يبقون قلقين من التطورات الاجتماعية والسياسية والعلاقات الخارجية في السعودية".

 

ويقول موغيلنيكي إن "الصين تبقى مستعدة للتعاون، ففي آب/ أغسطس استضافت (هواوي) برنامج تدريب على تكنولوجيا الاتصالات من الجيل الخامس، بالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السعودية، وجاء ذلك بالرغم من تحذيرات المسؤولين الأمريكيين من المخاطر المتعلقة باستخدام الحلفاء شركة (هواوي) لتطوير البنية التحتية للجيل الخامس من اتصالات الهاتف المحمول". 

 

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "السعودية تأمل بأن تتمكن المؤسسات التكنولوجية المتطورة، التي يمكن إنشاؤها بتكلفة قليلة، من تعزيز مؤهلات السعودية التكنولوجية، لكن على المسؤولين السعوديين أن يديروا ببراعة مشاركة الصين في المجال التكنولوجي للخليج، وفي الوقت الذي تهدد فيه الصواريخ والطائرات المسيرة المنشآت في السعودية فإنه لا يمكن لها أن تنفر الحلفاء الذين يبقون متشككين من التأثير الصيني في المنطقة".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (0)