كتاب عربي 21

السعودية تحول اليمن إلى ساحة اشتباك مع تركيا

ياسين التميمي
1300x600
1300x600
منذ أن أطلقت تركيا عملية "نبع السلام" في شمال سوريا، في العاشر من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بدا أن أنقرة في مواجهة سياسية يتعدى نطاقها الجغرافي حدود المسرح العملياتي المحدد لإلحاق الهزيمة بتنظيم تعتبره إرهابياً ويهدد أمنها القومي؛ في الجانب السوري من الحدود.

والمفارقة أن اليمن الذي حظي بدعم تركي سياسي واقتصادي وإنساني لا حدود له، تحول إلى إحدى ساحات الاشتباك السياسي الإقليمي مع تركيا، بعد أن أبدت الرياض موقفاً غير تقليدي تجاه العملية العسكرية التركية لتصفها بالعدوان، ما استدعى رداً تركياً فوريا وقوياً عبر عنه الرئيس رجب طيب أردوغان؛ الذي ذكَّرَ الرياض بأن عليها أن ترى في المرآة لتعرف من أوصل اليمن إلى هذه الحال.

أوعزت الرياض إلى الحكومة اليمنية للرد على تركيا، في وقت تبدو فيه هذه الحكومة في أمسّ الحاجة إلى تنويع خياراتها وتحالفاتها لمواجهة خطرٍ محدقٍ؛ مصدره الرياض وأبو ظبي اللتان تنفذان مخططاً هدفه النهائي إتلاف السلطة الشرعية المحتجزة في الرياض، في نهاية عملية سياسية تمضي حالياً عبر مسار يمثله حوار جدة، وهدفه تنصيب الانقلابيين الجدد طرفاً متحكماً بمستقبل اليمن الذي يذهب وفقاً لهذا المخطط؛ نحو التشظي من جديد.

الحكومة الشرعية وصفت (من الرياض) تصريحات الرئيس التركي بالاستفزازية، مستنكرة المقارنة بين تدخل السعودية في اليمن وتدخل تركيا في الشمال السوري، لتمنح التدخل العسكري السعودي في الساحة اليمنية صكاً مفتوحاً؛ بذريعة أن هذا التدخل جاء بطلب من الرئيس الشرعي عبد ربه منصور.

حسناً، لقد أعفت الرياض نفسها من الرد على أنقرة تاركة الأمر إلى حكومة تحولت إلى ما يشبه الدمية السياسية؛ لأنها لا ترغب في استمرار الجدل الذي ستنتهي حتماً إلى نتيجة لا تفضلها الرياض.

فالتدخل التركي في شمال سوريا يمثل أحد أكثر المسارات العنفية انحيازاً للشعب السوري؛ الذي يواجه مؤامرة مكشوفة لتغيير الوقائع على أرضه وفي بنيته السكانية، حيث يقع الملايين من العرب تحت رحمة العصابات الكردية المتطرفة التي لا تشكل تهديداً عسكرياً تخشاه تركيا فحسب، بل إنها تهدد وجود وكرامة الغالبية من سكان الشمال السوري، في وقت تواصل فيه إيران تنفيذ مخطط تشييع سوريا، وسلخ هذا الجزء الثمين من جسد الأمة العربية.

تعمدت الرياض أن تحول معركتها في اليمن من الانتصار للشرعية وتمكين اليمنيين من استعادة دولتهم؛ إلى مواجهة مفتوحة مع طواحين المد الإيراني، عبر إطلاق الكتائب من المقاتلين السلفيين المرتبطين بها بشكل مباشر، في معركة مقدسة مع من تسميهم الروافض. لذا، جاءت تصريحات الرئيس أردوغان كاشفة لما يعرفه الجميع تقريباً بشأن المهمة السعودية التي تزداد وطأتها على اليمن دولة وشعباً، وتصل ذروة خطورتها في الاستهداف الصريح للدولة اليمنية، والسعي الحثيث لاقتطاع أجزاء حيوية من جغرافيتها لتحقيق أهداف جيوسياسية واقتصادية قديمة.

ومن هنا يمكن تفسير لماذا تُصعِّدْ السعودية ضد العملية العسكرية التركية في شمال سوريا، وهي التي تعلم أن الجغرافية السورية مستباحة لقوى دولية عديدة، وتدرك المخطط الخطير الذي يستهدف عروبة هذا البلد.

ومع ذلك، ها هي السعودية التي تدعي أنها تناهض المد الإيراني، تصطف دون خجل مع إيران وتوابعها، بمن فيهم الحوثيون، بالإضافة إلى إسرائيل ومعها كل النقائض من الدول والعصابات، في محاولة يائسة لتشويه المهمة العسكرية التركية، ودافعها الأبرز شيطنة الموقف التركي، الذي يحاصرها سياسياً وأخلاقيا على خلفية تورطها في اغتيال مواطنها الأشهر جمال خاشقجي، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، بقنصليتها العامة في مدينة إسطنبول التركية.

يندر أن تجد نظاماً سياسياً كالسلطة الشرعية اليمنية، التي تفرط بعلاقاتها الإقليمية والدولية، تحت إملاءات نظام كالنظام السعودي، الذي تحول من داعم لنفوذ السلطة الشرعية إلى متحكم بإرادتها وسالب لكرامتها الوطنية.

فلقد دفعت الرياض بالسلطة الشرعية خلال السنوات الماضية من زمن الحرب، إلى تبني خيارات كارثية، شملت فيما شملت، إطلاق العنان للتحالف السعودي الإماراتي، للعبث السياسي والعسكري على الساحة اليمنية دون رادع طيلة الأربع السنوات الماضية، وقطع العلاقات مع دولة قطر الشقيقة، والتصعيد غير المبرر ضد تركيا إحدى الدول المانحة المهمة لليمن في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ البلاد.
التعليقات (0)

خبر عاجل